فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ إِبَاحَةِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَالْعَدُوِّ ، وَكَرَاهَةِ الْخَذْفِ

باب إِبَاحَةِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَالْعَدُوِّ وَكَرَاهَةِ الْخَذْفِ
[ سـ :3726 ... بـ :1954]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ لَا تَخْذِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَوْ قَالَ يَنْهَى عَنْ الْخَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُصْطَادُ بِهِ الصَّيْدُ وَلَا يُنْكَأُ بِهِ الْعَدُوُّ وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ أُخْبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَوْ يَنْهَى عَنْ الْخَذْفِ ثُمَّ أَرَاكَ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً كَذَا وَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا كَهْمَسٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

بَابُ إِبَاحَةِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَالْعَدُوِّ وَكَرَاهَةِ الْخَذْفِ ذُكِرَ فِي الْبَابِ النَّهْيُ عَنِ الْخَذْفِ ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ ، وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ ، وَلَكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ .

أَمَّا الْخَذْفُ - فَبِالْخَاءِ وَالذَّالِ مُعْجَمَتَيْنِ - وَهُوَ رَمْيُ الْإِنْسَانِ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ وَنَحْوِهِمَا يَجْعَلُهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ أَوِ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ .

وَقَوْلُهُ : ( يَنْكَأُ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ ، وَهَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : كَذَا رَوَيْنَاهُ ، قَالَ : وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : ( يَنْكِي ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَكَأْتُ الْقُرْحَةَ ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ إِلَّا عَلَى تَجَوُّزٍ ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ النِّكَايَةِ ، يُقَالُ : نَكَيْتُ الْعَدُوَّ وَأَنْكَيْتُهُ نِكَايَةً وَنَكَأْتُ بِالْهَمْزِ لُغَةٌ فِيهِ ، قَالَ : فَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ تَتَوَجَّهُ رِوَايَةُ شُيُوخِنَا ، وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ مَهْمُوزٌ .

فِي هَذَا الْحَدِيثِ : النَّهْيُ عَنِ الْخَذْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَيُخَافُ مَفْسَدَتُهُ ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي هَذَا .

وَفِيهِ : أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ حَاجَةٌ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ وَتَحْصِيلِ الصَّيْدِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ رَمْيُ الطُّيُورِ الْكِبَارِ بِالْبُنْدُقِ إِذَا كَانَ لَا يَقْتُلُهَا غَالِبًا ، بَلْ تُدْرَكُ حَيَّةً وَتُذَكَّى فَهُوَ جَائِزٌ .

قَوْلُهُ : ( أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ ثُمَّ تَخْذِفُ ؟! لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا )

فِيهِ : هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُسُوقِ وَمُنَابِذِي السُّنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ هِجْرَانُهُ دَائِمًا ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَمَعَايِشِ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَنَحْوُهُمْ فَهِجْرَانُهُمْ دَائِمًا ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَعَ نَظَائِرَ لَهُ كَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ .