فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْحَيَوَانِ فِي وَجْهِهِ وَوَسْمِهِ فِيهِ

باب النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْحَيَوَانِ فِي وَجْهِهِ وَوَسْمِهِ فِيهِ
[ سـ :4068 ... بـ :2116]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهُ : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ الْحَيَوَانِ فِي الْوَجْهِ ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ وَقَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( فَأَنْكَرَ ذَلِكَ قَالَ : فَوَاللَّهِ لَا أَسِمُهُ إِلَّا فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهِ ، فَأَمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ فَكُوِيَ فِي جَاعِرَتَيْهِ ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ ) أَمَّا الْوَسْمُ فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ . قَالَ الْقَاضِي : ضَبَطْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ . قَالَ : وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ ، وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَقَالَ : بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْهِ ، وَبِالْمُعْجَمَةِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ . وَأَمَّا الْجَاعِرَتَانِ فَهُمَا حَرْفَا الْوَرِكِ الْمُشْرِفَانِ مِمَّا يَلِي الدُّبُرَ .

وَأَمَّا الْقَائِلُ : فَوَاللَّهِ لَا أَسِمُهُ إِلَّا فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ مُشْكِلٌ ، يُوهَمُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا .

هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَقَوْلُهُ : يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ بِظَاهِرٍ فِيهِ ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ جَرَتْ لَلْعَبَّاسِ وَلِابْنِهِ .

وَأَمَّا الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ مِنَ الْآدَمِيِّ وَالْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا ، لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ ، لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ ، مَعَ أَنَّهُ لَطِيفٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ ، وَرُبَّمَا شَانَهُ ، وَرُبَّمَا آذَى بَعْضَ الْحَوَاسِّ .

وَأَمَّا الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ ، وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ . فَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَوَسْمُهُ حَرَامٌ لِكَرَامَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ . وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : يُكْرَهُ ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إِلَى تَحْرِيمِهِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فَاعِلَهُ ، وَاللَّعْنُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ .

وَأَمَّا وَسْمُ غَيْرِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا . لَكِنْ يُسْتَحَبُّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهَا ، وَلَا يُنْهَى عَنْهُ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْوَسْمُ أَثَرُ كَيَّةٍ ، يُقَالُ : بَعِيرٌ مَوْسُومٌ ، وَقَدْ وَسَمَهُ يَسِمُهُ وَسْمًا وَسِمَةً ، وَالْمِيسَمُ الشَّيْءُ الَّذِي يُوسَمُ بِهِ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ ، وَجَمْعُهُ مَيَاسِمُ وَمَوَاسِمُ ، وَأَصْلُهُ كُلُّهُ مِنَ السِّمَةِ ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ ، وَمِنْهُ مَوْسِمُ الْحَجِّ أَيْ مَعْلَمُ جَمْعِ النَّاسِ ، وَفُلَانٌ مَوْسُومٌ بِالْخَيْرِ ، وَعَلَيْهِ سِمَةُ الْخَيْرِ أَيْ عَلَامَتُهُ ، وَتَوَسَّمْتُ فِيهِ كَذَا أَيْ رَأَيْتُ فِيهِ عَلَامَتَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .