فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ وَسْمِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ ، وَنَدْبِهِ

باب جَوَازِ وَسْمِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَنَدْبِهِ فِي نَعَمْ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ
[ سـ :4071 ... بـ :2119]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي يَا أَنَسُ انْظُرْ هَذَا الْغُلَامَ فَلَا يُصِيبَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ قَالَ فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْحَائِطِ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُوَيْتِيَّةٌ وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَنَسٍ قَالَ : لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي : يَا أَنَسُ انْظُرْ هَذَا الْغُلَامَ ، فَلَا يُصِيبَنَ شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ ، فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْحَائِطِ ، وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ جَوْنِيَّةٌ ، وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحَ ) .




[ سـ :4072 ... بـ :2119]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّهُ حِينَ وَلَدَتْ انْطَلَقُوا بِالصَّبِيِّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ قَالَ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِرْبَدٍ يَسِمُ غَنَمًا قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ فِي آذَانِهَا

وَفِي روايةٍ ( فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِرْبَدٍ يَسِمُ غَنَمًا ) قَالَ شُعْبَةٌ : وَأَكْثَرُ وَفِي رِوَايَةٍ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ : ( فِي آذَانِهَا ) .

وَفِي رِوَايَةٍ : ( رَأَيْتُ فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيسَمَ ، وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ ) أَمَّا الْخَمِيصَةُ فَهِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ وَنَحْوِهِمَا مُرَبَّعٌ لَهُ أَعْلَامٌ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( حُوَيْتِيَّةٌ ) فَاخْتَلَفَ رُوَاةُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي ضَبْطِهِ ، فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ، ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ، ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَكْسُورَةٍ ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ مَشْدُودَةٍ . وَفِي بَعْضِهِمْ : ( حُوتَنِيَّةٌ ) بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ، وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ ، ثُمَّ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْقَاضِي . وَفِي بَعْضِهَا : ( حُونِيَّةٌ ) بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ، وَبَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ . وَفِي بَعْضِهَا : ( حُرَيْثِيَّةٌ ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ، وَرَاءُ مَفْتُوحَةٍ ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ، ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ مَكْسُورَةٍ مَنْسُوبَةٍ إِلَى بَنِي حُرَيْثٍ ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِجُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِهِ . وَفِي بَعْضِهَا : ( حَوْنَبِيَّةٌ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَإِسْكَانِ الْوَاوِ ، ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ ، ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي . وَفِي بَعْضِهَا : ( خُوَيْثِيَّةٌ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَفَتْحِ الْوَاوِ ، وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ ، وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ ، حَكَاهُ الْقَاضِي . وَفِي بَعْضِهَا : ( جُوَيْنِيَّةٌ ) بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ، ثُمَّ وَاوٍ ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ، ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ . وَفِي بَعْضِهَا : ( جَوْنِيَّةٌ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، وَإِسْكَانِ الْوَاوِ ، وَبَعْدَهَا نُونٌ . قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ : وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ ( خَيْبَرِيَّةٌ ) مَنْسُوبَةٌ إِلَى خَيْبَرَ ، وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ : ( حَوْتَكِيَّةٌ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْكَافِ أَيْ صَغِيرَةٌ ، وَمِنْهُ رَجُلٌ حَوْتَكِيٌّ أَيْ صَغِيرٌ . قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْحُوَيْتِ ، وَهُوَ قَبِيلَةٌ أَوْ مَوْضِعٌ .

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ : هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَصْحِيفٌ إِلَّا رِوَايَتَيْ ( جَوْنِيَّةٌ ) بِالْجِيمِ ، ( وَحُرَيْثِيَّةٌ ) بِالرَّاءِ وَالْمُثَلَّثَةِ فَأَمَّا الْجَوْنِيَّةُ بِالْجِيمِ فَمَنْسُوبَةٌ إِلَى بَنِي الْجَوْنِ قَبِيلَةٍ مِنَ الْأَزْدِ ، أَوْ إِلَى لَوْنِهَا مِنَ السَّوَادِ ، أَوِ الْبَيَاضِ ، أَوِ الْحُمْرَةِ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ لَوْنٍ مِنْ هَذِهِ جَوْنًا . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى : هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْمَحْفُوظُ الْمَشْهُورُ ( جَوْنِيَّةٌ ) أَيْ سَوْدَاءُ . قَالَ : وَأَمَّا الْحُوَيْتِيَّةُ فَلَا أَعْرِفُهَا ، وَطَالَمَا بَحَثْتُ عَنْهَا فَلَمْ أَقِفْ لَهَا عَلَى مَعْنَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( قَالَ شُعْبَةُ : وَأَكْثَرُ عِلْمِي ) رُوِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَهُمَا صَحِيحَانِ . وَ ( الْمِيسَمُ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ ، وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ وَسْمَ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَالْوَسْمُ فِي وَجْهِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ فَمُسْتَحَبٌّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ ، وَجَائِزٌ فِي غَيْرِهَا ، وَإِذَا وُسِمَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِمَ الْغَنَمَ فِي آذَانِهَا ، وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ فِي أُصُولِ أَفْخَاذِهَا لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ صُلْبٌ ، فَيَقِلُّ الْأَلَمُ فِيهِ ، وَيَخِفُّ شَعْرُهُ ، وَيَظْهَرُ الْوَسْمُ . وَفَائِدَةُ الْوَسْمِ تَمْيِيزُ الْحَيَوَانِ بَعْضِهُ مِنْ بَعْضٍ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ فِي مَاشِيَةِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ ، وَفِي مَاشِيَةِ الزَّكَاةِ زَكَاةٌ أَوْ صَدَقَةٌ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ : يُسْتَحَبُّ كَوْنُ مِيسَمِ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْبَقَرِ ، وَمِيسَمِ الْبَقَرِ أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْإِبِلِ ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنِ اسْتِحْبَابِ وَسْمِ نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ . وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَمُثْلَةٌ ، وَقَدْ نُهِيَ عَنِ الْمُثْلَةِ . وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ ، وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا شَرَدَتْ فَيَعْرِفُهَا وَاجِدُهَا بِعَلَامَتِهَا فَيَرُدُّهَا . وَالْجَوَابُ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ وَالتَّعْذِيبِ أَنَّهُ عَامٌّ ، وَحَدِيثُ الْوَسْمِ خَاصٌّ ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

أما ( الْمِرْبَدُ ) فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ الْإِبِلُ ، وَهُوَ مِثْلُ الْحَظِيرَةِ لِلْغَنَمِ . فَقَوْلُهُ هُنَا : ( فِي مِرْبَدٍ ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَظِيرَةَ الَّتِي لِلْغَنَمِ ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْمِرْبَدِ مَجَازًا لِمُقَارَبَتِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ الْغَنَمَ إِلَى مِرْبَدِ الْإِبِلِ لِيَسِمَهَا فِيهِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( يَسِمُ الظَّهْرَ ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبِلَ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ عَلَى ظُهُورِهَا .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا جَوَازُ الْوَسْمِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَاسْتِحْبَابُهُ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي فِعْلِهِ دَنَاءَةٌ وَلَا تَرْكُ مُرُوءَةٍ ، فَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَمِنْهَا بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَفِعْلِ الْأَشْغَالِ بِيَدِهِ ، وَنَظَرِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِ مَوَاشِيهِمْ بِالْوَسْمِ وَغَيْرِهِ .

وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ ، وَسَنَبْسُطُهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَمِنْهَا حَمْلُ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ يُحَنِّكُهُ بِتَمْرَةٍ لِيَكُونَ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ فِي جَوْفِهِ رِيقُ الصَّالِحِينَ فَيَتَبَرَّكَ بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .