فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ لَا عَدْوَى ، وَلَا طِيَرَةَ ، وَلَا هَامَةَ ، وَلَا

باب لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا نَوْءَ وَلَا غُولَ وَلَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ
[ سـ :4234 ... بـ :2220]
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لِأَبِي الطَّاهِرِ قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا قَالَ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَصَالِحٍ وَعَنْ شُعَيْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ : ( لَا عَدْوَى ، وَلَا صَفَرَ ، وَلَا هَامَةَ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ ، فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ ، فَيَدْخُلُ فِيهَا ، فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا ؟ قَالَ : ( فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا عَدْوَى ، وَلَا طِيَرَةَ ، وَلَا صَفَرَ ، وَلَا هَامَةَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ ( لَا عَدْوَى ) وَيُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) ثُمَّ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اقْتَصَرَ عَلَى رِوَايَةِ حَدِيثِ ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) وَأَمْسَكَ عَنْ حَدِيثِ ( لَا عَدْوَى ) فَرَاجِعُوهُ فِيهِ ، وَقَالُوا لَهُ : إِنَّا سَمِعْنَاكَ تُحَدِّثُهُ ، فَأَبَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ ؟ ) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، وَهُمَا صَحِيحَانِ . قَالُوا : وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ حَدِيثَ ( لَا عَدْوَى ) الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ وَتَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمَرَضَ وَالْعَاهَةَ تَعْدِي بِطَبْعِهَا لَا بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى . وَأَمَّا حَدِيثُ ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) فَأُرْشِدَ فِيهِ إِلَى مُجَانَبَةِ مَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ عِنْدَهُ فِي الْعَادَةِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ .

فَنَفَى فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا ، وَلَمْ يَنْفِ حُصُولَ الضَّرَرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلِهِ ، وَأَرْشَدَ فِي الثَّانِي إِلَى الِاحْتِرَازِ مِمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ بِفِعْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَدَرِهِ .

فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَدِيثَيْنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ . وَلَا يُؤَثِّرُ نِسْيَانُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِحَدِيثِ ( وَلَا عَدْوَى ) لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ نِسْيَانَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ . وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكِ ، وَابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَحَكَى الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَدِيثَ ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ( لَا عَدْوَى ) وَهَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسْخَ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ، بَلْ قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا .

وَالثَّانِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّارِيخِ ، وَتَأَخُّرُ النَّاسِخِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا هُنَا .

وَقَالَ آخَرُونَ : حَدِيثُ ( لَا عَدْوَى ) عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ فَلَيْسَ لِلْعَدْوَى ، بَلْ لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ ، وَقُبْحِ صُورَتِهِ ، وَصُورَةِ الْمَجْذُومِ . وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا صَفَرَ ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ ، وَهُوَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ . وَالثَّانِي أَنَّ الصَّفَرَ دَوَابٌّ فِي الْبَطْنِ ، وَهِيَ دُودٌ ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْبَطْنَ دَابَّةً تَهِيجُ عِنْدَ الْجُوعِ ، وَرُبَّمَا قَتَلَتْ صَاحِبَهَا ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَرَاهَا أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَاوِي الْحَدِيثِ ، فَيَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَذَا وَالْأَوَّلَ جَمِيعًا ، وَأَنَّ الصَّفَرَيْنِ جَمِيعًا بَاطِلَانِ ، لَا أَصْلَ لَهُمَا ، وَلَا تَصْرِيحَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا هَامَةَ ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَرَبَ تَتَشَاءَمُ بِالْهَامَةِ ، وَهِيَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ : هِيَ الْبُومَةُ . قَالُوا : كَانَتْ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى دَارِ أَحَدِهِمْ رَآهَا نَاعِيَةً لَهُ نَفْسَهُ ، أَوْ بَعْضَ أَهْلِهِ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ .

وَالثَّانِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ ، وَقِيلَ : رُوحُهُ تَنْقَلِبُ هَامَةً تَطِيرُ ، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّوْعَيْنِ ، فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَانِ ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْطَالَ ذَلِكَ ، وَضَلَالَةَ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ ذَلِكَ .

وَ ( الْهَامَةُ ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرُ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ ، وَقِيلَ : بِتَشْدِيدِهَا ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْإِمَامِ فِي اللُّغَةِ .


[ سـ :4236 ... بـ :2220]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا نَوْءَ ) أَيْ لَا تَقُولُوا : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا ، وَلَا تَعْتَقِدُوهُ ، وَسَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ .




[ سـ :4237 ... بـ :2222]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا غُولَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا غُولَ ) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغِيلَانَ فِي الْفَلَوَاتِ ، وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ ، فَتَتَرَاءَى لِلنَّاسِ ، وَ ( تَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا ) أَيْ تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا ، فَتُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ فَتُهْلِكُهُمْ ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ نَفْيَ وُجُودِ الْغِيلَانِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَا تَزْعُمُهُ الْعَرَبُ مِنْ تَلَوُّنِ الْغُولِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَاغْتِيَالِهَا . قَالُوا : وَمَعْنَى ( لَا غُولَ ) أَيْ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضِلَّ أَحَدًا ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ آخَرُ ( لَا غُولَ وَلَكِنِ السَّعَالِيَ ) ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : السَّعَالِي بِالسِّينِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، وَهُمْ سَحَرَةُ الْجِنِّ ، أَيْ وَلَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرَةٌ لَهُمْ تَلْبِيسٌ وَتَخَيُّلٌ .

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : ( إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ ) أَيِ ارْفَعُوا شَرَّهَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ وُجُودِهَا . وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ : ( كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَةٍ ، وَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ ) .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ؟ ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ الَّذِي جَرِبَ مَنْ أَجْرَبَهُ ، أَيْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَتَعْتَرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَوْجَدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُلَاصَقَةٍ لِبَعِيرٍ أَجْرَبَ ، فَاعْلَمُوا أَنَّ الْبَعِيرَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَمَا بَعْدَهُمَا إِنَّمَا جَرِبَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ ، لَا بِعَدْوَى تُعْدِي بِطَبْعِهَا ، وَلَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِالْعَدْوَى بِالطَّبَائِعِ لَمْ يَجْرَبِ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُعْدِي . فَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) قَوْلُهُ : ( يُورِدُ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ، وَالْمُمْرِضُ وَالْمُصِحُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالصَّادِ ، وَمَفْعُولُ ( يُورِدُ ) مَحْذُوفٌ أَيْ لَا يُورِدُ إِبِلَهُ الْمِرَاضَ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُمْرِضُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ ، وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يُورِدُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ إِبِلَهُ عَلَى إِبِلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهَا الْمَرَضُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ الَّذِي أَجْرَى بِهِ الْعَادَةَ ، لَا بِطَبْعِهَا ، فَيَحْصُلُ لِصَاحِبِهَا ضَرَرٌ بِمَرَضِهَا ، وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا ، فَيَكْفُرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمَا كِلْتَيْهِمَا ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( كِلْتَيْهِمَا ) بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ مَجْمُوعَتَيْنِ ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْكَلِمَتَيْنِ أَوِ الْقِصَّتَيْنِ أَوِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .




[ سـ :4239 ... بـ :2222]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا غُولَ وَسَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ يَذْكُرُ أَنَّ جَابِرًا فَسَّرَ لَهُمْ قَوْلَهُ وَلَا صَفَرَ فَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ الصَّفَرُ الْبَطْنُ فَقِيلَ لِجَابِرٍ كَيْفَ قَالَ كَانَ يُقَالُ دَوَابُّ الْبَطْنِ قَالَ وَلَمْ يُفَسِّرْ الْغُولَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْغُولُ الَّتِي تَغَوَّلُ

قَوْلُهُ ( قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْغُولُ الَّتِي تَغَوَّلُ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا : ( قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ ) وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ . وَقَالَ : وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ أَحَدُ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ) قَالَ : وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الصَّفَرِ ( هِيَ دَوَابُّ الْبَطْنِ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا ( دَوَابُّ ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ قَالَ : وَفِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ : ( ذَوَاتُ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ ، وَلَهُ وَجْهٌ ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَعْرُوفَ هُوَ الْأَوَّلُ . قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا عَدْوَى ) فَقِيلَ : هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ ، أَوْ يُعْتَقَدَ . وَقِيلَ : هُوَ خَبَرٌ ، أَيْ لَا تَقَعُ عَدْوَى بِطَبْعِهَا .