فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رُئِيَ خَالِيًا بِامْرَأَةٍ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ

باب بَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رُئِيَ خَالِيًا بِامْرَأَةٍ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ مَحْرَمًا لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ فُلَانَةُ لِيَدْفَعَ ظَنَّ السُّوءِ بِهِ
[ سـ :4157 ... بـ :2174]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ يَا فُلَانُ هَذِهِ زَوْجَتِي فُلَانَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَزِيَارَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعْتِكَافِهِ عِشَاءً ، فَرَأَى الرَّجُلَيْنِ ، فَقَالَ : ( إِنَّهَا صَفِيَّةُ . فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، فَقَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ) .

الْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ ، وَمُرَاعَاتِهِ لِمَصَالِحِهِمْ ، وَصِيَانَةِ قُلُوبِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ ، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا فَخَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْقِيَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمَا فَيَهْلِكَا ، فَإِنَّ ظَنَّ السُّوءِ بِالْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْكَبَائِرُ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَيْهِمْ .

وَفِيهِ أَنَّ مَنْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ ، وَفِيهِ جَوَازُ زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمُعْتَكِفِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ اعْتِكَافَهُ ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ مُجَالَسَتِهَا وَالِاسْتِلْذَاذِ بِحَدِيثِهَا لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى الْوِقَاعِ أَوْ إِلَى الْقُبْلَةِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ .

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ ظَنِّ النَّاسِ فِي الْإِنْسَانِ ، وَطَلَبِ السَّلَامَةِ وَالِاعْتِذَارِ بِالْأَعْذَارِ الصَّحِيحَةِ ، وَأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَا قَدْ يُنْكَرُ ظَاهِرُهُ مِمَّا هُوَ حَقٌّ ، وَقَدْ يَخْفَى ، أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَدْفَعَ ظَنَّ السُّوءِ . وَفِيهِ الِاسْتِعْدَادُ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، فَيَتَأَهَّبُ الْإِنْسَانُ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ وَسَاوِسِهِ ، وَشَرِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : قِيلَ : هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَى الْجَرْيِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ مَجَارِي دَمِهِ . وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِكَثْرَةِ إِغْوَائِهِ وَوَسْوَسَتِهِ ، فَكَأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يُفَارِقُهُ دَمُهُ . وَقِيلَ : يُلْقِي وَسْوَسَتَهُ فِي مَسَامٍّ لَطِيفَةٍ مِنَ الْبَدَنِ ، فَتَصِلُ الْوَسْوَسَةُ إِلَى الْقَلْبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا فُلَانُ هَذِهِ زَوْجَتِي فُلَانَةٌ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالتَّاءِ قَبْلَ الْيَاءِ ، وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْأَشْهَرُ حَذْفُهَا ، وَبِالْحَذْفِ جَاءَتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ ، وَالْإِثْبَاتُ كَثِيرٌ أَيْضًا .

قَوْلُهَا : ( فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ لِيَرُدَّنِي إِلَى مَنْزِلِي . فِيهِ جَوَازُ تَمَشِّي الْمُعْتَكِفِ مَعَهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَى رِسْلِكُمَا ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ، لُغَتَانِ ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، أَيْ عَلَى هَيْئَتِكُمَا فِي الْمَشْيِ ، فَمَا هُنَا شَيْءٌ تَكْرَهَانِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ) فِيهِ جَوَازُ التَّسْبِيحِ تَعْظِيمًا لِلشَّيْءِ وَتَعَجُّبًا مِنْهُ ، وَقَدْ كَثُرَ فِي الْأَحَادِيثِ ، وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ .