فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَنْعِ الْمُخَنَّثِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ

باب مَنْعِ الْمُخَنَّثِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ
[ سـ :4165 ... بـ :2180]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَيْضًا وَاللَّفْظُ هَذَا حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ قَالَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا يَدْخُلْ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَدْخُلُ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ ) إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ الْمُخَنَّثِينَ لِمَا رَأَى مِنْ وَصْفِهِمْ لِلنِّسَاءِ ، وَمَعْرِفَتِهِمْ مَا يَعْرِفُهُ الرِّجَالُ مِنْهُنَّ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُخَنَّثُ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مِنْ خُلِقَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَتَكَلَّفِ التَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ ، وَزِيِّهِنَّ ، وَكَلَامِهِنَّ ، وَحَرَكَاتِهِنَّ ، بَلْ هُوَ خِلْقَةٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَهَذَا لَا ذَمَّ عَلَيْهِ ، وَلَا عَتَبَ ، وَلَا إِثْمَ وَلَا عُقُوبَةَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا دُخُولَهُ عَلَى النِّسَاءِ ، وَلَا خَلْقَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ حِينَ كَانَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْرِفَتَهُ لِأَوْصَافِ النِّسَاءِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ صِفَتَهُ وَكَوْنَهُ مُخَنَّثًا .

الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْمُخَنَّثِ هُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ خِلْقَةً ، بَلْ يَتَكَلَّفُ أَخْلَاقَ النِّسَاءِ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَهَيْئَاتِهِنَّ وَكَلَامَهُنَّ ، وَيَتَزَيَّا بِزِيِّهِنَّ ، فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُومُ الَّذِي جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَعْنُهُ ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ ( لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ ) وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بِمَلْعُونٍ ، وَلَوْ كَانَ مَلْعُونًا لَمَا أَقَرَّهُ أَوَّلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4166 ... بـ :2181]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ قَالَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً قَالَ إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ قَالَتْ فَحَجَبُوهُ

قَوْلُهَا : ( كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً قَالَ : إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَاهُنَا ، لَا يَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ . فَحَجَبُوهُ ) . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْمُخَنَّثُ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا ، وَهُوَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ فِي أَخْلَاقِهِ وَكَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ ، وَتَارَةً يَكُونُ هَذَا خُلُقَهُ مِنَ الْأَصْلِ ، وَتَارَةً بِتَكَلُّفٍ ، وَسَنُوضِحُهُمَا . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَى قَوْلِهِ : ( تُقْبِلُ بِأَرْبَعِ ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ) أَيْ أَرْبَعِ عُكَنٍ ، وَثَمَانِ عُكَنٍ . قَالُوا : وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ تُقْبَلُ بِهِنَّ ، مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ثِنْتَانِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَرَفَانِ ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتِ الْأَطْرَافُ ثَمَانِيَةً . قَالُوا : وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ بِثَمَانٍ ، وَكَانَ أَصْلُهُ أَنْ يَقُولَ : بِثَمَانِيَةٍ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ الْأَطْرَافُ ، وَهِيَ مُذَكَّرَةٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُذَكَّرِ ، وَمَتَى لَمْ يَذْكُرْهُ جَازَ حَذْفُ الْهَاءِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ ) سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ وَاضِحَةً .

وَأَمَّا دُخُولُ هَذَا الْمُخَنَّثِ أَوَّلًا عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ بَيَّنَ سَبَبَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ، وَأَنَّهُ مُبَاحٌ دُخُولُهُ عَلَيْهِنَّ ، فَلَمَّا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْكَلَامَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْإِرْبَةِ ، فَمَنَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّخُولَ . فَفِيهِ مَنْعُ الْمُخَنَّثِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ ، وَمَنْعُهُنَّ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ ، وَبَيَانُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرِّجَالِ الْفُحُولِ الرَّاغِبِينَ فِي النِّسَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَكَذَا حُكْمُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ ذَكَرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الْمُخَنَّثِ . قَالَ الْقَاضِي : الْأَشْهَرُ أَنَّ اسْمَهُ ( هِيْتٌ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ . قَالَ : وَقِيلَ : صَوَابُهُ ( هَنْبٌ ) بِالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَهُ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ ، وَقَالَ : إِنَّمَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ . قَالَ : وَالْهَنَبُ الْأَحْمَقُ ، وَقِيلَ ( مَاتِعٌ ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ مَوْلَى فَاخِتَةَ الْمَخْزُومِيَّةِ ، وَجَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذُكِرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّبَ مَاتِعًا هَذَا وَهِيتًا إِلَى الْحِمَى ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ .

وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَادَرْدِيُّ نَحْوَ الْحِكَايَةِ عَنْ مُخَنَّثٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ ( أَنَهُ ) وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ . وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ هِيْتٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِخْرَاجُهُ وَنَفْيُهُ كَانَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ : أَحَدُهَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ، وَكَانَ مِنْهُمْ ، وَيَتَكَتَّمُ بِذَلِكَ . وَالثَّانِي وَصْفُهُ النِّسَاءَ وَمَحَاسِنَهُنَّ وَعَوْرَاتَهُنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ ، وَقَدْ نُهِيَ أَنْ تَصِفَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا ، فَكَيْفَ إِذَا وَصَفَهَا الرَّجُلُ لِلرِّجَالِ ؟ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ مِنَ النِّسَاءِ وَأَجْسَامِهِنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ ، فَكَيْفَ الرِّجَالُ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ وَصَفَهَا حَتَّى وَصَفَ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا أَيْ فَرْجَهَا وَحَوَالَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .