فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ سـ :4335 ... بـ :2270]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ

قَوْلُهُ : ( بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ ) هُوَ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ : رُطَبُ ابْنِ طَابٍ ، وَتَمْرُ ابْنِ طَابٍ ، وَعِذْقُ ابْنِ طَابٍ ، وَعُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ ، وَهِيَ مُضَافٌ إِلَى ابْنِ طَابٍ : رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .




[ سـ :4337 ... بـ :2272]
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَدِّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمْ النَّفَرُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ ) أَمَّا ( الْوَهَلُ ) فَبِفَتْحِ الْهَاءِ ، وَمَعْنَاهُ وَهْمِي وَاعْتِقَادِي . ( وَهَجَرُ ) مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، وَهِيَ قَاعِدَةُ الْبَحْرَيْنِ ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ . وَأَمَّا ( يَثْرِبُ ) فَهُوَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَدِينَةَ ، وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ طَيْبَةَ وَطَابَةَ ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا ( يَثْرِبَ ) لِكَرَاهَةِ لَفْظِ التَّثْرِيبِ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَسَمَّاهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَثْرِبَ ، فَقِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ ، وَقِيلَ : لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ، وَقِيلَ : خُوطِبَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُهَا بِهِ ، وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِهِ الشَّرْعِيِّ ، فَقَالَ : " الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ " .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا ، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ ) أَمَّا ( هَزَزْتُ وَهَزَزْتُهُ ) فَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالزَّائِينَ فِيهِمَا ، وَفِي بَعْضِهَا ( هَزَّتْ وَهَزَّتْهُ ) بِزَايٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَإِسْكَانِ التَّاءِ ، وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَتَفْسِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ سَيْفَ الرَّجُلِ أَنْصَارُهُ الَّذِينَ يَصُولُ بِهِمْ كَمَا يَصُولُ بِسَيْفِهِ . وَقَدْ يُفَسَّرُ السَّيْفُ فِي غَيْرِ هَذَا بِالْوَلَدِ ، وَالْوَالِدِ ، وَالْعَمِّ ، أَوِ الْأَخِ أَوِ الزَّوْجَةِ ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْوِلَايَةِ أَوِ الْوَدِيعَةِ ، وَعَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ وَحُجَّتِهِ ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسْبِ قَرَائِنَ تَنْضَمُّ تَشْهَدُ لِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي الرَّائِي أَوْ فِي الرُّؤْيَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا ، وَاللَّهُ خَيْرٌ ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ ) قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ( وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُنْحَرُ ) وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتِمُّ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بِمَا ذَكَرَ ، فَنَحْرُ الْبَقَرِ هُوَ قَتْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : ضَبَطْنَا هَذَا الْحَرْفَ عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ ( وَاللَّهُ خَيْرٌ ) بِرَفْعِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ . وَ ( بَعْدُ يَوْمَ بَدْرٍ ) بِضَمِّ دَالِ ( بَعْدُ ) ، وَنَصْبِ ( يَوْمَ ) قَالَ : وَرُوِيَ بِنَصْبِ الدَّالِ . قَالُوا : وَمَعْنَاهُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ بَدْرٍ الثَّانِيَةِ مِنْ تَثْبِيتِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، لِأَنَّ النَّاسَ جَمَعُوا لَهُمْ وَخَوَّفُوَّهُمْ فَزَادَهُمْ ذَلِكَ إِيمَانًا ، وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ، وَتَفَرَّقَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ هَيْبَةً لَهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ : مَعْنَاهُ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ أَيْ صُنْعُ اللَّهِ بِالْمَقْتُولِينَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ بَقَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا . قَالَ الْقَاضِي : وَالْأَوْلَى قَوْلُ مَنْ قَالَ : ( وَاللَّهُ خَيْرٌ ) مِنْ جُمْلَةِ الرُّؤْيَا وَكَلِمَةٍ أُلْقِيَتْ إِلَيْهِ وَسَمِعَهَا فِي الرُّؤْيَا عِنْدَ رُؤْيَا الْبَقَرِ بِدَلِيلِ تَأْوِيلِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4338 ... بـ :2273]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ فَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدَةٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ قَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أَرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ

قَوْلُهُ : ( أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ وَرَدَ الْمَدِينَةَ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ ، فَجَاءَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّمَا جَاءَهُ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ رَجَاءَ إِسْلَامِهِمْ ، وَلِيُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ . قَالَ الْقَاضِي : وَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ قَصَدَهُ مِنْ بَلَدِهِ لِلِقَائِهِ ، فَجَاءَهُ مُكَافَأَةً لَهُ . قَالَ : وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ إِذْ ذَاكَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ كُفْرُهُ وَارْتِدَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ هُوَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا مَرَّتَانِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُسَيْلَمَةَ : ( وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ ) فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ .

وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ ( وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ ) قَالَ الْقَاضِي : هُمَا صَحِيحَانِ . فَمَعْنَى الْأَوَّلِ لَنْ أَعْدُوَ أَنَا أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ مِنْ أَنِّي لَا أُجِيبُكَ إِلَى مَا طَلَبْتَهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لَك مِنَ الِاسْتِخْلَافِ أَوِ الْمُشَارَكَةِ ، وَمِنْ أَنِّي أُبَلِّغُ مَا أُنْزِلَ إِلَيَّ ، وَأَدْفَعُ أَمْرَكَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَمَعْنَى الثَّانِي وَلَنْ تَعْدُوَ أَنْتَ أَمْرَ اللَّهِ فِي خَيْبَتِكَ فِيمَا أَمَّلْتَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَهَلَاكِكَ دُونَ ذَلِكَ ، أَوْ فِيمَا سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فِي شَقَاوَتِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ ) أَيْ إِنْ أَدْبَرْتَ عَنْ طَاعَتِي لَيَقْتُلَنَّكَ اللَّهُ . وَالْعَقْرُ الْقَتْلُ وَعَقَرُوا النَّاقَةَ قَتَلُوهَا . وَقَتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْيَمَامَةِ . وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ خَطِيبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُجَاوِبُ الْوُفُودَ عَنْ خُطَبِهِمْ وَتَشَدُّقِهِمْ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ ، وَالْآخَرُ مُسَيْلَمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْرُجَانِ بَعْدِي " أَيْ يُظْهِرَانِ شَوْكَتَهُمَا أَوْ مُحَارَبَتَهُمَا وَدَعْوَاهُمَا النُّبُوَّةَ ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَا فِي زَمَنِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَوَضَعَ فِي يَدَيَّ أُسْوَارَيْنِ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : ( سِوَارٌ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا ، وَ ( أُسْوَارٍ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ ، ثَلَاثٌ لُغَاتٍ . وَوَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( أُسْوَارَيْنِ ) فَيَكُونُ وَضَعَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالضَّادِ ، وَفِيهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ ، أَيْ وَضَعَ الْآتِي بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ فِي يَدَيَّ أَسُوَارَيْنِ ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ . وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ ( فَوُضِعَ ) بِضَمِّ الْوَاوِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِنَصْبِ أَسُوَارَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ . وَقَوْلُهُ : ( يَدَيَّ ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ . وَنَفْخُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمَا فَطَارَا دَلِيلٌ لِانْمِحَاقِهِمَا وَاضْمِحْلَالِ أَمْرِهِمَا ، وَكَانَ كَذَلِكَ ، وَهُوَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ .




[ سـ :4339 ... بـ :2274]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوَضَعَ فِي يَدَيَّ أُسْوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ

قَوْلُهُ : ( أُوتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ ) ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ ) وَفِي بَعْضِهَا ( أُتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ ) وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا . وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ ( مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى سُلْطَانِهَا وَمُلْكِهَا ، وَفَتْحِ بِلَادِهَا ، وَأَخْذِ خَزَائِنِ أَمْوَالِهَا ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، وَهُوَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ .




[ سـ :4340 ... بـ :2275]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا

قَوْلُهُ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا ؟ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ( الْبَارِحَةَ ) .

فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِطْلَاقِ الْبَارِحَةِ عَلَى اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ . وَقَوْلُ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ : إِنَّهُ لَا يُقَالُ الْبَارِحَةُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا حَقِيقَتُهُ ، وَلَا يُمْتَنَعُ إِطْلَاقُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مَجَازًا ، وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى الْمَجَازِ ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُمْ بَاطِلٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ .

وَفِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ إِقْبَالِ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ . وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّؤَالِ عَنِ الرُّؤْيَا وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى تَأْوِيلِهَا وَتَعْجِيلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الذِّهْنَ جُمِعَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَعَّبَ بِإِشْغَالِهِ فِي مَعَايِشِ الدُّنْيَا ، وَلِأَنَّ عَهْدَ الرَّائِي قَرِيبٌ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُهَوِّشُ الرُّؤْيَا عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ كَالْحَثِّ عَلَى خَيْرٍ ، أَوِ التَّحْذِيرِ مِنْ مَعْصِيَةٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .

وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ وَتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا وَنَحْوِهِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ . وَفِيهِ أَنَّ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِي جُلُوسِهِ لِلْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مُبَاحٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .