فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ سـ :4344 ... بـ :2279]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّئُونَ فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ قَالَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ

قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ، وَتَكْثِيرِهِ ، وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ . هَذِهِ كُلُّهَا مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ وُجِدَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ ، وَعَلَى أَحْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ ، وَبَلَغَ مَجْمُوعُهَا التَّوَاتُرَ .

وَأَمَّا تَكْثِيرُ الْمَاءِ فَقَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، وَكَذَا تَكْثِيرُ الطَّعَامِ وُجِدَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ ، وَعَلَى أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ ، وَصِفَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الرُّقَى بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمُعْجِزَةِ ، وَالْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَرَامَةِ ، وَسَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ تَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَأَتَى بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَيُقَالُ لَهُ : ( رَحْرَحٌ ) بِحَذْفِ الْأَلْفِ ، وَهُوَ الْوَاسِعُ الْقَصِيرُ الْجِدَارِ .

قَوْلُهُ : ( فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ . وَفِي كَيْفِيَّةِ هَذَا النَّبْعِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : أَحَدُهُمَا - وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْمُزَنِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ - أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَنْبُعُ مِنْ ذَاتِهَا . قَالُوا : وَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْمُعْجِزَةِ مِنْ نَبْعِهِ مِنْ حَجَرٍ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ : ( فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ أَصَابِعِهِ ) .

وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ كَثَّرَ الْمَاءَ فِي ذَاتِهِ ، فَصَارَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ لَا مِنْ نَفْسِهَا ، وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَآيَةٌ بَاهِرَةٌ .




[ سـ :4345 ... بـ :2279]
وَحَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ قَالَ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ

قَوْلُهُ ( فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ ، وَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ ) هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ : ( مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ ) وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَ ( مِنْ ) هُنَا بِمَعْنَى ( إِلَى ) وَهِيَ لُغَةٌ .

قَوْلُهُ : ( كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ ) أَمَّا ( زُهَاءَ ) فَبِضَمِّ الزَّايِ وَبِالْمَدِّ أَيْ قَدْرَ ثَلَاثِمِائَةٍ ، وَيُقَالُ أَيْضًا ( لَهَا ) بِاللَّامِ . وَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ( ثَلَاثِمِائَةٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ( مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ ) . قَالَ الْعُلَمَاءُ : هُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتَا فِي وَقْتَيْنِ ، وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا أَنَسٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ ( الثَّلَاثُمِائَةِ ) فَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ : ( الثَّلَاثُمِائَةِ ) ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ ( اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ ) . قَوْلُهُ ( لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ ) أَيْ لَا يُغَطِّيهَا .




[ سـ :4346 ... بـ :2279]
حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالزَّوْرَاءِ قَالَ وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فِيمَا ثَمَّهْ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ قَالَ قُلْتُ كَمْ كَانُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاثِ مِائَةِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَأُتِيَ بِإِنَاءِ مَاءٍ لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ أَوْ قَدْرَ مَا يُوَارِي أَصَابِعَهُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ

قَوْلُهُ : ( وَالْمَسْجِدُ فِيمَا ثَمَّةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( ثَمَّةَ ) . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : ثَمَّ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَ ( ثَمَّةَ ) بِالْهَاءِ بِمَعْنَى هُنَاكَ وَهُنَا ، فَثَمَّ لِلْبَعِيدِ ، وَثَمَّةَ لِلْقَرِيبِ .




[ سـ :4347 ... بـ :2280]
وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَصَرْتِيهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا ) أَيْ مَوْجُودًا حَاضِرًا .




[ سـ :4349 ... بـ :706]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ قَالَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا قَالَا نَعَمْ فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ قَالَ ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ قَالَ وَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ أَوْ قَالَ غَزِيرٍ شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ قَالَ يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ غَزْوَةِ تَبُوكَ : ( كَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ ) إِلَى آخِرِهِ هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَفِيهِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ ، وَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ .

قَوْلُهُ : ( وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ هُنَا ( تَبِضُّ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ . وَنَقَلَ الْقَاضِي اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ هُنَا عَلَى أَنَّهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، وَمَعْنَاهُ تَسِيلُ . وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ هُنَاكَ ، فَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ تَبْرُقُ . وَ ( الشِّرَاكُ ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ سَيْرُ النَّعْلِ ، وَمَعْنَاهُ مَاءٌ قَلِيلٌ جِدًّا .

قَوْلُهُ : ( فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) أَيْ كَثِيرِ الصَّبِّ وَالدَّفْعِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ مُلِئَ جِنَانًا ) أَيْ بَسَاتِينَ وَعُمْرَانًا ، وَهُوَ جَمْعُ جَنَّةٍ ، وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ .

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا حِينَ عَصَرَتِ الْعُكَّةَ ذَهَبَتْ بَرَكَةُ السَّمْنِ ، وَفِي حَدِيثِ الرَّجُلِ حِينَ كَالَ الشَّعِيرَ فَنِيَ ، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ حِينَ كَالَتِ الشَّعِيرَ فَفَنِيَ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَصْرَهَا وَكَيْلَهُ مُضَادَّةٌ لِلتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَتَضَمَّنُ التَّدْبِيرَ ، وَالْأَخْذَ بِالْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَتَكَلُّفِ الْإِحَاطَةِ بِأَسْرَارِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ ، فَعُوقِبَ فَاعِلُهُ بِزَوَالِهِ .




[ سـ :4351 ... بـ :1392]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْرُصُوهَا فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ وَقَالَ أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَهُبُّ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا فَقَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِيَ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ هَذِهِ طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ خَيْرَ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَنَا آخِرًا فَأَدْرَكَ سَعْدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا فَقَالَ أَوَ لَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنْ الْخِيَارِ وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَزَادَ فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيقَةِ : ( اخْرُصُوهَا ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ ؛ أَيِ احْزِرُوا كَمْ يَجِيءُ مِنْ تَمْرِهَا . فِيهِ اسْتِحْبَابُ امْتِحَانِ الْعَالِمِ أَصْحَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا التَّمْرِينِ . وَالْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَغِيبِ ، وَخَوْفِ الضَّرَرِ مِنَ الْقِيَامِ وَقْتَ الرِّيحِ ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ ، وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ ، وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ ، وَتَحْذِيرِهِمْ مَا يَضُرُّهُمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا . وَإِنَّمَا أَمَرَ بِشَدِّ عَقْلِ الْجِمَالِ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَيَحْتَاجُ صَاحِبُهُ إِلَى الْقِيَامِ فِي طَلَبِهِ ، فَيَلْحَقُهُ ضَرَرُ الرِّيحِ ، وَجَبَلَا طَيِّئٍ مَشْهُورَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا أَجَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ ، وَبِالْهَمْزِ ، وَالْآخَرُ سَلْمَى بِفَتْحِ السِّينِ . وَطَيِّئٍ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ عَلَى وَزْنِ سَيِّدٍ ، وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ ، وَهُوَ طَيِّئُ بْنُ أُدَرَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأِ بْنِ حِمْيَرَ . قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ : وَطَيِّئٌ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ لُغَتَانِ .

قَوْلُهُ : ( وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ .

قَوْلُهُ : ( وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ ) فِيهِ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ ، وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَمَا يُعَارِضُهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا .

وَهَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ دُلْدُلُ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ الْمَعْرُوفَةُ ، لَكِنْ ظَاهِرُ لَفْظِهِ هُنَا أَنَّهُ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَغْلَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَحَضَرَ عَلَيْهَا غَزَاةَ حُنَيْنٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَكَانَتْ حُنَيْنٌ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةٌ غَيْرُهَا . قَالَ : فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَهْدَاهَا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَقَدْ عَطَفَ الْإِهْدَاءَ عَلَى الْمَجِيءِ بِالْوَاوِ ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَهَذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ) سَبَقَ شَرْحُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ ) قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَادُ أَهْلُ الدُّورِ ، وَالْمُرَادُ الْقَبَائِلُ ، وَإِنَّمَا فَضَّلَ بَنِي النَّجَّارِ لِسَبْقِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَآثَارِهِمُ الْجَمِيلَةِ فِي الدِّينِ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ دَارِ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ : ( بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ ) ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي . قَالَ : وَهُوَ خَطَأٌ مِنَ الرُّوَاةِ ، وَصَوَابُهُ ( بَنِي الْحَارِثِ ) بِحَذْفِ لَفْظَةِ ( عَبْدِ ) .

قَوْلُهُ : ( وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ ) أَيْ بِبَلَدِهِمْ ، وَالْبِحَارُ الْقُرَى .