فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ

باب شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ
[ سـ :4355 ... بـ :2283]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : أَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ إِنْذَارَ قَوْمِهِ وَإِعْلَامَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْمَخَافَةَ نَزَعَ ثَوْبَهُ ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَيْهِمْ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ لِيُخْبِرَهُمْ بِمَا دَهَمَهُمْ ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ هَذَا رَبِيئَةُ الْقَوْمِ ، وَهُوَ طَلِيعَتُهُمْ وَرَقِيبُهُمْ . قَالُوا : وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ لِلنَّاظِرِ ، وَأَغْرَبُ وَأَشْنَعُ مَنْظَرًا ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي اسْتِحْثَاثِهِمْ فِي التَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ .

وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَا النَّذِيرُ الَّذِي أَدْرَكَنِي جَيْشُ الْعَدُوِّ ، فَأَخَذَ ثِيَابِي ، فَأَنَا أُنْذِرُكُمْ عُرْيَانًا .

قَوْلُهُ : ( فَالنَّجَاءَ ) مَمْدُودٌ أَيِ انْجُوا النَّجَاءَ أَوِ اطْلُبُوا النَّجَاءَ . قَالَ الْقَاضِي : الْمَعْرُوفُ فِي النَّجَاءِ إِذَا أُفْرِدَ الْمَدُّ ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ فِيهِ الْقَصْرَ أَيْضًا ، فَإِذَا مَا كَرَّرُوهُ فَقَالُوا : النَّجَاءَ النَّجَاءَ فَفِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعًا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ ) أَمَّا ( أَدْلَجُوا ) فَبِإِسْكَانِ الدَّالِ ، وَمَعْنَاهُ سَارُوا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ . يُقَالُ : أَدْلَجْتُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ إِدْلَاجًا كَأَكْرَمْتُ إِكْرَامًا ، وَالِاسْمُ الدَّلْجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ . فَإِنْ خَرَجْتَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قُلْتَ : ادَّلَجْتُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَدَّلِجُ ادِّلَاجًا بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا . وَالِاسْمُ الدُّلْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ : وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ الْوَجْهَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( عَلَى مُهْلَتِهِمْ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بِتَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ . وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ ( مَهَلِهِمْ ) بِحَذْفِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ ، وَهُمَا صَحِيحَانِ .

قَوْلُهُ : ( فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ ) أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ .




[ سـ :4358 ... بـ :2285]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سَلِيمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي ) أَمَّا ( الْفَرَاشُ ) فَقَالَ الْخَلِيلُ : هُوَ الَّذِي يَطِيرُ كَالْبَعُوضِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : مَا تَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقِّ يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ ، وَأَمَّا ( الْجَنَادِبُ ) فَجَمْعُ جُنْدُبٍ ، وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ : جُنْدُبٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا ، وَالثَّالِثَةُ حَكَاهُ الْقَاضِي بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ . وَالْجَنَادِبُ هَذَا الصِّرَارُ الَّذِي يُشْبِهُ الْجَرَادَ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : الْجُنْدُبُ عَلَى خِلْقَةِ الْجَرَادِ ، لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ كَالْجَرَادَةِ وَأَصْغَرُ مِنْهَا ، يَطِيرُ ، وَيُصِرُّ بِاللَّيْلِ صَرًّا شَدِيدًا ، وَقِيلَ : غَيْرُهُ . أَمَّا ( التَّقَحُّمُ ) فَهُوَ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ . وَ ( الْحُجَزُ ) جَمْعُ حُجْزَةٍ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ ) فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا اسْمُ فَاعِلٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَنْوِينِ الذَّالِ ، وَالثَّانِي مِثْلُ مُضَارِعٍ بِضَمِّ الذَّالِ بِلَا تَنْوِينٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُمَا صَحِيحَانِ ، وَأَمَّا ( تَفَلَّتُونَ ) فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا فَتْحُ التَّاءِ وَالْفَاءِ واللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَالثَّانِي ضَمُّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ . يُقَالُ : أَفْلَتَ مِنِّي ، وَتَفَلَّتَ إِذَا نَازَعَكَ الْغَلَبَةَ وَالْهَرَبَ ، ثُمَّ غَلَبَ وَهَرَبَ . وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ فِي نَارِ الْآخِرَةِ ، وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ ، مَعَ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ ، وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ ، بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا ، لِهَوَاهُ ، وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ ، وَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ ، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَلِيمٌ عَنْ سَعِيدٍ ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، وَهُوَ سَلِيمُ بْنُ حِبَّانَ .