فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

باب مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[ سـ :4545 ... بـ :2404]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ كُلُّهُمْ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ أَبُو سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي قَالَ سَعِيدٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهَ بِهَا سَعْدًا فَلَقِيتُ سَعْدًا فَحَدَّثْتُهُ بِمَا حَدَّثَنِي عَامِرٌ فَقَالَ أَنَا سَمِعْتُهُ فَقُلْتُ آنْتَ سَمِعْتَهُ فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ وَإِلَّا فَاسْتَكَّتَا

قَوْلُهُ : ( عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : ( يُوسُفَ الْمَاجِشُونِ ) بِحَذْفِ لَفْظَةِ ( ابْنِ ) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ دِينَارٌ ، وَالْمَاجِشُونُ لَقَبُ يَعْقُوبَ ، وَهُوَ لَقَبٌ جَرَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَخِيهِ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ ، وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ لَفْظٌ فَارِسِيٌّ ، وَمَعْنَاهُ الْأَحْمَرُ الْأَبْيَضُ الْمُوَرَّدُ ، سُمِّيَ يَعْقُوبُ بِذَلِكَ لِحُمْرَةِ وَجْهِهِ وَبَيَاضِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ) قَالَ الْقَاضِي : هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِضُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ حَقًّا لِعَلِيٍّ ، وَأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهَا .

قَالَ : ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ ، فَكَفَّرَتِ الرَّوَافِضُ سَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيمِهِمْ غَيْرَهُ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكَفَّرَ عَلِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِي طَلَبِ حَقِّهِ بِزَعْمِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ أَسْخَفُ مَذْهَبًا وَأَفْسَدُ عَقْلًا مِنْ أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُمْ ، أَوْ يُنَاظَرَ .

وَقَالَ الْقَاضِي : وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ هَذَا ؛ لِأَنَّ مَنْ كَفَّرَ الْأُمَّةَ كُلَّهَا وَالصَّدْرَ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَبْطَلَ نَقْلَ الشَّرِيعَةِ ، وَهَدَمَ الْإِسْلَامَ ، وَأَمَّا مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ الْغُلَاةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ .

فَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ فَيَقُولُونَ : هُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ لَا كُفَّارٌ . وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَقُولُ بِالتَّخْطِئَةِ لِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عِنْدَهُمْ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ ، بَلْ فِيهِ إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعَلِيٍّ ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِثْلَهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِخْلَافِهِ بَعْدَهُ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِعَلِيٍّ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ هَارُونَ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ مُوسَى ، بَلْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ مُوسَى ، وَقَبْلَ وَفَاةِ مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ .

قَالُوا : وَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ حِينَ ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ لِلْمُنَاجَاةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَزَلَ حَكَمًا مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يَنْزِلُ نَبِيًّا ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ .

قَوْلُهُ : ( فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَإِلَّا فَاسْتَكَّتَا ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ صُمَّتَا .




[ سـ :4547 ... بـ :2404]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ قَالَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ فَقَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ ادْعُوا لِي عَلِيًّا فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي

قَوْلُهُ : ( إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ ؟ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا . قَالُوا : وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ .

فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : هَلِ امْتَنَعْتَ تَوَرُّعًا ، أَوْ خَوْفًا ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ ، ولَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ مَعَهُمْ ، وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ، فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ . قَالُوا : وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ ، وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا ، وَأَنَّهُ أَخْطَأَ ؟ .




[ سـ :4549 ... بـ :2405]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ قَالَ فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ قَالَ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ

قَوْلُهُ ( فَتَسَاوَرْتُ لَهَا ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْوَاوِ ثُمَّ الرَّاءِ ، وَمَعْنَاهُ تَطَاوَلْتُ لَهَا كَمَا صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، أَيْ حَرَصْتُ عَلَيْهَا ، أَيْ أَظْهَرْتُ وَجْهِي ، وَتَصَدَّيْتُ لِذَلِكَ لِيَتَذَكَّرَنِي .

قَوْلُهُ : ( فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمئِذٍ ) إِنَّمَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لَهَا لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِمَارَةُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَحَبَّتِهِمَا لَهُ ، وَالْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَسَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا ، ثُمَّ وَقَفَ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ ، فَصَرَخَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ ؟ ) هَذَا الِالْتِفَاتُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ لَا تَلْتَفِتْ بِعَيْنَيْكَ لَا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ، بَلِ امْضِ عَلَى جِهَةِ قَصْدِكَ . وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ الْحَثُّ عَلَى الْإِقْدَامِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ ، وَحَمَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ بِعَيْنِهِ حِينَ احْتَاجَ ، وَفِي هَذَا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِهِ . وَقِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَنْصَرِفُ بَعْدَ لِقَاءِ عَدُوِّكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلِيَّةٌ " وَفِعْلِيَّةٌ " ، فَالْقَوْلِيَّةُ إِعْلَامُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ ، فَكَانَ كَذَلِكَ . وَالْفِعْلِيَّةُ بُصَاقُهُ فِي عَيْنِهِ ، وَكَانَ أَرْمَدَ ، فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ . وَفِيهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَبَيَانُ شَجَاعَتِهِ ، وَحُسْنِ مُرَاعَاتِهِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحُبِّهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَحُبِّهِمَا إِيَّاهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ الدُّعَاءُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ ، وَقَدْ قَالَ بِإِيجَابِهِ طَائِفَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَجَبَ إِنْذَارُهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا إِذَا بَذَلُوهَا ، وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ .

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ فِي غَيْرِهِ . وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ أَنَّا نَكُفُّ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ، وَنَجَا مِنَ النَّارِ كَمَا نَفَعَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ ، بَلْ يَكُونُ مُنَافِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ . وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَفَتْهُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4550 ... بـ :2406]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَاللَّفْظُ هَذَا حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ

قَوْلُهُ : ( فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَالرِّوَايَاتِ : ( يَدُوكُونَ ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْوَاوِ أَيْ يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ فِي ذَلِكَ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : ( يَذْكُرُونَ ) بِإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ) هِيَ الْإِبِلُ الْحُمْرُ ، وَهِيَ أَنْفَسُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ ، يَضْرِبُونَ بِهَا الْمَثَلَ فِي نَفَاسَةِ الشَّيْءِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْهُ . وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ تَشْبِيهَ أُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ لِلتَّقْرِيبِ مِنَ الْأَفْهَامِ ، وَإِلَّا فَذَرَّةٌ مِنَ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ خَيْرٌ مِنَ الْأَرْضِ بِأَسْرِهَا وَأَمْثَالِهَا مَعَهَا لَوْ تُصُوِّرَتْ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ ، وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى ، وَسَنُّ السُّنَنِ الْحَسَنَةِ .




[ سـ :4552 ... بـ :2408]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ وَغَزَوْتَ مَعَهُ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَقَدُمَ عَهْدِي وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا وَمَا لَا فَلَا تُكَلِّفُونِيهِ ثُمَّ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ قَالَ وَمَنْ هُمْ قَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ قَالَ نَعَمْ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ حَدَّثَنَا حَسَّانُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَيَّانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَعِيلَ وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ مَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ حَدَّثَنَا حَسَّانُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ لَقَدْ رَأَيْتَ خَيْرًا لَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَلَا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ مَنْ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَفِيهِ فَقُلْنَا مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ لَا وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنْ الدَّهْرِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَرْجِعُ إِلَى أَبِيهَا وَقَوْمِهَا أَهْلُ بَيْتِهِ أَصْلُهُ وَعَصَبَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ

قَوْلُهُ : ( مَاءٌ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ ، وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْضَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْحَسَنَةِ ، عِنْدَهَا غَدِيرٌ مَشْهُورٌ يُضَافُ إِلَى الْغَيْضَةِ فَيُقَالُ : غَدِيرُ خُمٍّ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ لِعِظَمِهِمَا وَكَبِيرِ شَأْنِهِمَا ، وَقِيلَ : لِثِقَلِ الْعَمَلِ بِهِمَا .

قَوْلُهُ : ( وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةِ ، وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَنَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ ، وَقِيلَ : بَنُو قُصَيٍّ ، وَقِيلَ : قُرَيْشٌ كُلُّهَا .

قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَقُلْنَا : مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ : لَا ) هَذَا دَلِيلٌ لِإِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ : هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا ؛ فَقَدْ كَانَ فِي نِسَائِهِ قُرَشِيَّاتٌ ، وَهُنَّ عَائِشَةُ ، وَحَفْصَةُ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ ، وَسَوْدَةُ ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ) قَالَ : وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : فَقُلْنَا : ( مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ : لَا ) فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ ظَاهِرُهُمَا التَّنَاقُضُ ، وَالْمَعْرُوفُ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ نِسَاؤُهُ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَتُتَأَوَّلُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ يُسَاكِنُونَ ، وَيَعُولُهُمْ ، وَأَمَرَ بِاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ ، وَسَمَّاهُمْ ثَقَلًا وَوَعَظَ فِي حُقُوقِهِمْ وَذَكَرَ ، فَنِسَاؤُهُ دَاخِلَاتٌ فِي هَذَا كُلِّهِ ، وَلَا يَدْخُلْنَ فِيمَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ : ( نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ ) فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَتَانِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ ) قِيلَ الْمُرَادُ بِحَبْلِ اللَّهِ عَهْدُهُ ، وَقِيلَ : السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى رِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ ، وَقِيلَ : هُوَ نُورُهُ الَّذِي يَهْدِي بِهِ .

قَوْلُهُ : ( الْمَرْأَةُ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ ) أَيِ الْقِطْعَةَ مِنْهُ .




[ سـ :4553 ... بـ :2409]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ قَالَ فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا قَالَ فَأَبَى سَهْلٌ فَقَالَ لَهُ أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَقُلْ لَعَنَ اللَّهُ أَبَا التُّرَابِ فَقَالَ سَهْلٌ مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي التُّرَابِ وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ فَقَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا التُّرَابِ قُمْ أَبَا التُّرَابِ

قَوْلُهَا : ( فَخَرَجَ وَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ ، وَهِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ .

وَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَاسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الْغَضْبَانِ ، وَمُمَازَحَتِهِ ، وَالْمَشْيِ إِلَيْهِ لِاسْتِرْضَائِهِ .