فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا

باب فِي فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
[ سـ :4595 ... بـ :2438]
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ، وَهِيَ الشُّقَقُ الْبِيضُ مِنَ الْحَرِيرِ ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَقُولُ : إِنْ يَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ )

قَالَ الْقَاضِي : إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، وَقَبْلَ تَخْلِيصِ أَحْلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَضْغَاثِ فَمَعْنَاهَا إِنْ كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ . وإِنْ كَانَتْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ : أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ تَكُنِ الرُّؤْيَا عَلَى وَجْهِهَا وَظَاهِرِهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَتَفْسِيرٍ فَسَيُمْضِيهِ اللَّهُ تَعَالَى وَيُنَجِّزُهُ ، فَالشَّكُّ عَائِدٌ إِلَى أَنَّهَا رُؤْيَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَمْ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَصَرْفٍ عَلَى ظَاهِرِهَا .

الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ فِي الدُّنْيَا يُمْضِهَا اللَّهُ ، فَالشَّكُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْجَنَّةِ .

الثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ ، وَلَكِنْ أُخْبِرَ عَلَى التَّحْقِيقِ ، وَأَتَى بِصُورَةِ الشَّكِّ كَمَا قَالَ : أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ ؟ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ يُسَمُّونَهُ تَجَاهُلُ الْعَارِفِ ، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ .




[ سـ :4596 ... بـ :2439]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ فَقُلْتُ وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ قَالَ أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ وَحَدَّثَنَاه ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ : ( إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى . . . . إِلَى قَوْلِهَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ) قَالَ الْقَاضِي : مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ مِمَّا سَبَقَ مِنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ كَمَا سَبَقَ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ : يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ . قَالَ : وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " " ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ مَا فِيهِ ، لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَجْرَهُ كَبِيرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَلِهَذَا قَالَتْ : لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ فِي النِّسَاءِ لِفَرْطِ الْمَحَبَّةِ .

قَالَ الْقَاضِي : وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى فِي الْمَخْلُوقِينَ ، وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَالِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ مِنْ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ لُغَةً وَلَا نَظَرًا ، وَلَا شَكَّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَجَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، أَوْ مُخَالِفِيهِمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ ، أَنَّ الِاسْمَ قَدْ يَقَعُ أَحْيَانًا وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْمِيَةُ حَيْثُ كَانَ فِي خَالِقٍ أَوْ مَخْلُوقٍ . فَفِي حَقِّ الْخَالِقِ تَسْمِيَةُ الْمَخْلُوقِ لَهُ بِاسْمِهِ ، وَفِعْلُ الْمَخْلُوقِ ذَلِكَ بِعِبَارَاتِهِ الْمَخْلُوقَةِ . وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فَقَدِيمَةٌ ، كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ قَدِيمَةٌ ، وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لَفْظَةَ الِاسْمِ إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا الْمَخْلُوقُ فَتِلْكَ اللَّفْظَةُ وَالْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الْمُقَطَّعَةُ الْمُنْفَهِمُ مِنْهَا الِاسْمُ أَنَّهَا غَيْرُ الذَّاتِ ، بَلْ هِيَ التَّسْمِيَةُ ، وَإِنَّمَا الِاسْمُ الَّذِي هُوَ الذَّاتُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ خَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي .




[ سـ :4597 ... بـ :2440]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيْتِهِ وَهُنَّ اللُّعَبُ

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

قَالَ الْقَاضِي : فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ . قَالَ : وَهُنَّ مَخْصُوصَاتٌ مِنَ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَدْرِيبِ النِّسَاءِ فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ . قَالَ : وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ بَيْعَهُنَّ وَشِرَاءَهُنَّ ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ شِرَائِهِنَّ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا ، وَتَنْزِيهِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَنْ تَوَلِّي بَيْعِ ذَلِكَ ، لَا كَرَاهَةِ اللَّعِبِ . قَالَ : وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الصُّوَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي .

قَوْلُهَا : ( وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي ، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ ) مَعْنَى ( يَنْقَمِعْنَ ) يَتَغَيَّبْنَ حَيَاءً مِنْهُ وَهَيْبَةً ، وَقَدْ يَدْخُلْنَ فِي بَيْتٍ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ .

( وَيُسَرِّبُهُنَّ ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يُرْسِلُهُنَّ ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ .




[ سـ :4599 ... بـ :2442]
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ عَبْدٌ حَدَّثَنِي وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ وَأَنَا سَاكِتَةٌ قَالَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ فَقَالَتْ بَلَى قَالَ فَأَحِبِّي هَذِهِ قَالَتْ فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهَا مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولِي لَهُ إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَعْظَمَ صَدَقَةً وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ قَالَتْ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ قَالَتْ ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا قَالَتْ فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ قَالَتْ فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَسَّمَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَى غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً

قَوْلُهَا : ( يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ) مَعْنَاهُ يَسْأَلْنَكَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَبِيتِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْقَلْبِ فَكَانَ يُحِبُّ عَائِشَةَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ .

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُنَّ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ فِي الدَّوَامِ ، وَالْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ ، بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ إِيثَارٍ وَحِرْمَانٍ ؟ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا الْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ ، فَإِنَّهُ كَانَ حَاصِلًا قَطْعًا ، وَلِهَذَا كَانَ يُطَافُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ عَلَيْهِنَّ ، حَتَّى ضَعُفَ ، فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَأَذِنَّ لَهُ .

قَوْلُهَا : ( يَنْشُدْنَكَ ) أَيْ يَسْأَلْنَكَ .

قَوْلُهَا : ( هِيَ الَّتِي تُسَامِينِي ) أَيْ تُعَادِلُنِي وَتُضَاهِينِي فِي الْحَظْوَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ ، مَأْخُوذٌ مِنَ السُّمُوِّ ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ .

قَوْلُهَا : ( مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ : ( سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا هَاءٍ ، وَفِي بَعْضِهَا ( مِنْ حِدَّةٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْهَاءِ . وَقَوْلُهَا : ( سَوْرَةً ) هِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ . وَالسَّوْرَةُ الثَّوَرَانُ وَعَجَلَةُ الْغَضَبِ . وَأَمَّا ( الْحِدَّةُ ) فَهِيَ شِدَّةُ الْخُلُقِ وَثَوَرَانُهُ . وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ إِلَّا أَنَّ فِيهَا شِدَّةَ خُلُقٍ وَسُرْعَةَ غَضَبٍ تُسْرِعُ مِنْهَا ( الْفَيْئَةُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْهَمْزِ وَهِيَ الرُّجُوعُ أَيْ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهَا رَجَعَتْ عَنْهُ سَرِيعًا ، وَلَا تُصِرُّ عَلَيْهِ . وَقَدْ صَحَّفَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفًا قَبِيحًا جِدًّا ، فَقَالَ : ( مَا عَدَا سَوْدَةَ ) بِالدَّالِ ، وَجَعَلَهَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ ، وَهَذَا مِنَ الْغَلَطِ الْفَاحِشِ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ .

قَوْلُهَا : ( ثُمَّ وَقَعَتْ بِي ، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا ؟ فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ ، فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِينَ أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا ) أَمَّا ( أَنْحَيْتُ ) فَبِالنُّونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَصَدْتُهَا وَاعْتَمَدْتُهَا بِالْمُعَارَضَةِ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( حَتَّى بُدِّلَ حِينَ ) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي ( حِينَ ) بِالنُّونِ . وَمَعْنَى ( لَمْ أَنْشَبْهَا ) لَمْ أُمْهِلْهَا .

وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا عَلْيَهِ ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ . وَ ( أَثْخَنْتُهَا ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَمَعْتُهَا وَقَهَرْتُهَا . وَقَوْلُهَا أَوَّلًا ( ثُمَّ وَقَعَتْ بِي ) أَيِ اسْتَطَاعَتْ عَلَيَّ ، وَنَالَتْ مِنِّي بِالْوَقِيعَةِ فِيَّ .

اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ ، وَلَا أَشَارَ بِعَيْنِهِ وَلَا غَيْرِهَا ، بَلْ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ لِنَفْسِهَا فَلَمْ يَنْهَهَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ) فَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى كَمَالِ فَهْمِهَا ، وَحُسْنِ نَظَرِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4600 ... بـ :2443]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي

قَوْلُهَا : ( قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ) السَّحْرُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهِيَ الرِّئَةُ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : إِنَّمَا هُوَ ( شَجَرِي ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ ، وَشَبَّكَ هَذَا الْقَائِلُ أَصَابِعَهُ ، وَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّهَا ضَمَّتْهُ إِلَى نَحْرِهَا مُشَبِّكَةً يَدَيْهَا عَلَيْهِ ، وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهَا : ( فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ ) أَيْ يَوْمُهَا الْأَصِيلُ بِحِسَابِ الدَّوْرِ وَالْقَسْمِ ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ صَارَ جَمِيعَ الْأَيَّامِ فِي بَيْتِهَا .




[ سـ :4601 ... بـ :2444]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ) الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى الْأَنْبِيَاءُ السَّاكِنُونَ أَعْلَى عَلِيِّينَ ، وَلَفْظَةُ ( رَفِيقٍ ) تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وَقِيلَ : هُوَ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ : اللَّهُ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ ، مِنَ الرِّفْقِ وَالرَّأْفَةِ ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ . وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ ، وَقِيلَ : أَرَادَ مُرْتَفَقَ الْجَنَّةِ .




[ سـ :4602 ... بـ :2444]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَتْ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا قَالَتْ فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهَا : ( وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ ) هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ ، وَهِيَ غِلَظٌ فِي الصَّوْتِ .




[ سـ :4603 ... بـ :2444]
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدُهُ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِذًا لَا يَخْتَارُنَا قَالَتْ عَائِشَةُ وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى

قَوْلُهَا : ( فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَلَمْ يَطْرِفْ .




[ سـ :4604 ... بـ :2445]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ عَبْدٌ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ مَعَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ قَالَتْ بَلَى فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ ثُمَّ سَارَ مَعَهَا حَتَّى نَزَلُوا فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي رَسُولُكَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا

قَوْلُهَا ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ ) أَيْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُمَا . فَفِيهِ صِحَّةُ الْإِقْرَاعِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ، وَفِي الْأَمْوَالِ ، وَفِي الْعِتْقِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِمَّا فِي مَعْنَى هَذَا ، وَبِإِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ .

وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا بِبَعْضِ نِسَائِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ كَذَلِكَ ، وَهَذَا الْإِقْرَاعُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي وُجُوبِ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ ، فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَسْمِ يَجْعَلُ إِقْرَاعَهُ وَاجِبًا ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ يَقُولُ : إِقْرَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ عِشْرَتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ .

قَوْلُهَا : ( إِنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَلَّا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ ) قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الْمُهَلَّبُ : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلِهَذَا تَحَيَّلَتْ حَفْصَةُ عَلَى عَائِشَةَ بِمَا فَعَلَتْ ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَحَرُمَ ذَلِكَ عَلَى حَفْصَةَ . وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْقَسْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ حَدِيثَ الْأُخْرَى فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْمِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْمِ إِلَى غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ ، فَيَأْخُذُ الْمَتَاعَ أَوْ يَضَعُهُ ، أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الْحَاجَاتِ ، وَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَيَلْمِسَهَا مِنْ غَيْرِ إِطَالَةٍ . وَعِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ هُوَ وَقْتُ النُّزُولِ ، فَحَالَةُ السَّيْرِ لَيْسَتْ مِنْهُ ، سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا .

قَوْلُهَا : ( جَعَلَتْ رِجْلَهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ إِلَى آخِرِهِ ) هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْطُ الْغَيْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْرَ الْغَيْرَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ .




[ سـ :4606 ... بـ :2447]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ قَالَتْ فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْمُلَائِيُّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ السَّلَامِ ، وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ . وَفِيهِ بَعْثُ الْأَجْنَبِيِّ السَّلَامَ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّالِحَةِ إِذَا لَمْ يُخَفْ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ ، وَأَنَّ الَّذِي يَبْلُغُهُ السَّلَامُ يَرُدُّ عَلَيْهِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَهَذَا الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ سَلَامٌ فِي وَرَقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا قَرَأَهُ . وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الرَّدِّ أَنْ يَقُولَ : وَعَلَيْكَ أَوْ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بِالْوَاوِ ، فَلَوْ قَالَ : عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يُجْزِئُهُ ، وَسَبَقَتْ مَسَائِلُ السَّلَامِ فِي بَابِهِ مُسْتَوْفَاةً . وَمَعْنَى يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ يُسَلِّمُ عَلَيْكِ .