فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ


[ سـ :4639 ... بـ :2466]
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَاهْتِزَازُ الْعَرْشِ تَحَرُّكُهُ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِ سَعْدٍ ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَرْشِ تَمْيِيزًا حَصَلَ بِهِ هَذَا ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ . وَقَالَ الْمَازِرِيُّ : قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَأَنَّ الْعَرْشَ تَحَرَّكَ لِمَوْتِهِ . قَالَ : وَهَذَا لَا يُنْكَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ ; لِأَنَّ الْعَرْشَ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ يَقْبَلُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ . قَالَ : لَكِنْ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ سَعْدٍ بِذَلِكَ ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ حَرَكَتَهُ عَلَامَةً لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى مَوْتِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُرَادُ اهْتِزَازُ أَهْلِ الْعَرْشِ ، وَهُمْ حَمَلَتُهُ ، وَغَيْرِهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ ، وَالْمُرَادُ بِالِاهْتِزَازِ الِاسْتِبْشَارُ وَالْقَبُولُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ : فُلَانٌ يَهْتَزُّ لِلْمَكَارِمِ ، لَا يُرِيدُونَ اضْطِرَابَ جِسْمِهِ وَحَرَكَتَهُ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارْتِيَاحَهُ إِلَيْهَا ، وَإِقْبَالَهُ عَلَيْهَا . وَقَالَ الْحَرْبِيُّ : هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ وَفَاتِهِ . وَالْعَرَبُ تَنْسُبُ الشَّيْءَ الْمُعَظَّمَ إِلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءَ ، فَيَقُولُونَ : أَظْلَمَتْ لِمَوْتِ فُلَانٍ الْأَرْضُ ، وَقَامَتْ لَهُ الْقِيَامَةُ . وَقَالَ جَمَاعَةٌ : الْمُرَادُ اهْتِزَازُ سَرِيرِ الْجِنَازَةِ ، وَهُوَ النَّعْشُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ ، يَرُدُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ : اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : هَؤُلَاءِ هَذَا التَّأْوِيلَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4641 ... بـ :2468]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنِي أَبُو إِسْحَقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِ حَرِيرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ هَذَا أَوْ بِمِثْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ

قَوْلُهُ : ( فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ ) الْمَنَادِيلُ جَمْعُ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمُفْرَدِ ، وَهُوَ هَذَا الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ . قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا : هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدْلِ ، وَهُوَ النَّقْلُ ; لِأَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ . وَقِيلَ : مِنَ النَّدَلِ ، وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يَنْدَلُّ بِهِ . قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ : يُقَالُ مِنْهُ : تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ . قَالَ : وَأَنْكَرَ الْكَسَائِيُّ قَالَ : وَيُقَالُ أَيْضًا : تَمَدَّلْتُ . وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ مَنْزِلَةِ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنَّ أَدْنَى ثِيَابِهِ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ ، لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ أَدْنَى الثِّيَابِ ، لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْوَسَخِ وَالِامْتِهَانِ ، فَغَيْرُهُ أَفْضَلُ . وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْجَنَّةِ لِسَعْدٍ .

قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : ( أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( ثَوْبُ حَرِيرٍ ) ، وَفِي الْأُخْرَى : ( جُبَّةُ ) . قَالَ الْقَاضِي : رِوَايَةُ الْجُبَّةِ بِالْجِيمِ وَالْبَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ : الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ ، يَحُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَلَا يَصِحُّ الْحُلَّةُ هُنَا . وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ : الْحُلَّةُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ جَدِيدٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِحِلِّهِ مِنْ طَيِّهِ ، فَيَصِحُّ . وَقَدْ جَاءَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبَاءٌ .




[ سـ :4642 ... بـ :2469]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا حَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ

وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ : ( أَهْدَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ ) فَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ أُكَيْدِرٍ ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي إِسْلَامِهِ وَنَسَبِهِ ، وَأَنَّ ( دَوْمَةَ ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا ، وَذَكَرْنَا مَوْضِعَهَا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي ، وَسَبَقَ بَيَانُ أَحْكَامِ الْحَرِيرِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .