فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[ سـ :4698 ... بـ :2473]
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ فَقُلْتُ أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا قَالَ وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ قُلْتُ لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ قُلْتُ فَأَيْنَ تَوَجَّهُ قَالَ أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ فَقَالَ أُنَيْسٌ إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ عَلَيَّ ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ مَا صَنَعْتَ قَالَ لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ قُلْتُ فَمَا يَقُولُ النَّاسُ قَالَ يَقُولُونَ شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ قَالَ أُنَيْسٌ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ قَالَ قُلْتُ فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ قَالَ فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْتُ أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ الصَّابِئَ فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ قَالَ فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ قَالَ فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ قَالَ فَبَيْنَا أَهْلِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ قَالَ فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى قَالَ فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا قَالَ فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا قَالَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ قَالَ مَا لَكُمَا قَالَتَا الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا قَالَ مَا قَالَ لَكُمَا قَالَتَا إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ قُلْتُ مِنْ غِفَارٍ قَالَ فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي كَرِهَ أَنْ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا قَالَ قُلْتُ قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَالَ فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ قَالَ قُلْتُ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ قَالَ إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ قَالَ مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ وَقَالَ نِصْفُهُمْ إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ الْبَاقِي وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِخْوَتُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ قُلْتُ فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ قَالَ نَعَمْ وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ يَا ابْنَ أَخِي صَلَّيْتُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ قَالَ حَيْثُ وَجَّهَنِيَ اللَّهُ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْكُهَّانِ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ أَخِي أُنَيْسٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ قَالَ فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَى صِرْمَتِنَا وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِهِ قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَإِنِّي لَأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ قُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ مَنْ أَنْتَ وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا فَقَالَ مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَاهُنَا قَالَ قُلْتُ مُنْذُ خَمْسَ عَشَرَةَ وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ اللَّيْلَةَ

قَوْلُهُ : ( فَثَنَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ ) هُوَ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ أَيْ أَشَاعَهُ وَأَفْشَاهُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا ) هِيَ بِكَسْرِ الصَّادِ ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْإِبِلِ ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الْغَنَمِ .

قَوْلُهُ : ( فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا ، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا ، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا ، وَمِثْلِهَا مَعَهَا ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ هَذَا : الْمُنَافَرَةُ الْمُفَاخَرَةُ وَالْمُحَاكَمَةُ ، فَيَفْخَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، ثُمَّ يَتَحَاكَمَانِ إِلَى رَجُلٍ لِيَحْكُمَ أَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَعَزُّ نَفَرًا ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُفَاخَرَةُ فِي الشِّعْرِ أَيُّهُمَا أَشْعَرُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .

وَقَوْلُهُ : ( نَافَرَ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا ) مَعْنَاهُ تَرَاهَنَ هُوَ وَآخَرُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ، وَكَانَ الرَّهْنُ صِرْمَةُ ذَا ، وَصِرْمَةُ ذَاكَ ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَفْضَلُ أَخْذَ الصِّرْمَتَيْنِ ، فَتَحَاكَمَا إِلَى الْكَاهِنِ ، فَحَكَمَ بِأَنَّ أُنَيْسًا أَفْضَلُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : فَخَيَّرَ أُنَيْسًا أَيْ جَعَلَهُ الْخِيَارَ وَالْأَفْضَلَ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَلْقَيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ ، وَهُوَ الْكِسَاءُ ، وَجَمْعُهُ أَخْفِيَةٌ ، كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ مَاهَانَ ( جُفَاءٌ ) بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ، وَهُوَ غُثَاءُ السَّيْلِ ، وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ : ( فَرَاثَ عَلَيَّ ) أَيْ أَبْطَأَ .

قَوْلُهُ : ( أَقْرَاءُ الشِّعْرِ ) أَيْ طُرُقُهُ وَأَنْوَاعُهُ ، وَهِيَ بِالْقَافِ وَالرَّاءِ وَبِالْمَدِّ .

قَوْلُهُ : ( أَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ ) يَعْنِي نَظَرْتُ إِلَى أَضْعَفِهِمْ فَسَأَلْتُهُ ، لِأَنَّ الضَّعِيفَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ غَالِبًا . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ ( فَتَضَيَّفْتُ ) بِالْيَاءِ ، وَأَنْكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ . قَالُوا : لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا .

قَوْلُهُ : ( كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ ) يَعْنِي مِنْ كَثْرَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي سَالَتْ فِي بَصَرِهِمْ وَالنُّصُبُ الصَّنَمُ . وَالْحَجَرُ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَنْصِبُهُ وَتَذْبَحُ عِنْدَهُ ، فَيَحْمَرُّ بِالدَّمِ ، وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا ، وَجَمْعُهُ أَنْصَابٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي ) يَعْنِي انْثَنَتْ لِكَثْرَةِ السِّمَنِ وَانْطَوَتْ .

قَوْلُهُ : ( وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهِيَ رِقَّةُ الْجُوعِ وَضَعْفِهِ وَهُزَالِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ ، وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ ) أَمَّا قَوْلُهُ : ( قَمْرَاءَ ) فَمَعْنَاهُ مُقْمِرَةٌ طَالِعٌ قَمَرُهَا ، وَالْإِضْحِيَانُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْمُضِيئَةُ ، وَيُقَالُ : لَيْلَةٌ إِضْحِيَانُ وَإِضْحِيَانَةُ وَضَحْيَاءُ وَيَوْمٌ ضَحْيَانُ . وَقَوْلُهُ : ( عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ، وَهُوَ جَمْعُ صِمَاخٍ ، وَهُوَ الْخَرْقُ الَّذِي فِي الْأُذُنِ يُفْضِي إِلَى الرَّأْسِ ، يُقَالُ : صِمَاخٌ بِالصَّادِ ، وَسِمَاخٌ بِالسِّينِ الصَّادِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، وَالْمُرَادُ بِأَصْمِخَتِهِمْ هُنَا آذَانُهُمْ أَيْ نَامُوا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ أَيْ أَنَمْنَاهُمْ .

قَوْلُهُ : ( وَامْرَأَتَيْنِ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ ، وَفِي بَعْضِهَا : ( وَامْرَأَتَانِ ) بِالْأَلِفِ ، وَالْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَرَأَيْتُ امْرَأَتَيْنِ .

قَوْلُهُ : ( فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا ) أَيْ مَا انْتَهَيَا عَنْ قَوْلِهِمَا ، بَلْ دَامَتَا عَلَيْهِ . وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ( فَمَا تَنَاهَتَا عَلَى قَوْلِهِمَا ) وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا ، وَتَقْدِيرُهُ مَا تَنَاهَتَا مِنَ الدَّوَامِ عَلَى قَوْلِهِمَا .

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ : هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي ) الْهَنُ وَالْهَنَةُ بِتَخْفِيفِ نُونِهِمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ كِنَايَةً عَنِ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ . فَقَالَ لَهُمَا : وَمَثَّلَ الْخَشَبَةَ بِالْفَرْجِ ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ سَبَّ إِسَافَ وَنَائِلَةَ وَغَيْظَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ ، وَتَقُولَانِ : لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا ) الْوَلْوَلَةُ الدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ . وَالْأَنْفَارُ جَمْعُ نَفَرٍ أَوْ نَفِيرٍ ، وَهُوَ الَّذِي يَنْفِرُ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ . وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ : أَنْصَارُنَا ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ ، وَتَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْصَارِنَا لَانْتَصَرَ لَنَا .

قَوْلُهُ : ( كَلِمَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ ) أَيْ عَظِيمَةٌ لَا شَيْءَ أَقْبَحَ مِنْهَا كَالشَّيْءِ الَّذِي يَمْلَأُ الشَّيْءَ وَلَا يَسَعُ غَيْرَهُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا وَحِكَايَتُهَا ، كَأَنَّهَا تَسُدُّ فَمَ حَاكِيهَا وَتَمْلَؤُهُ لِاسْتِعْظَامِهَا .

قَوْلُهُ : ( فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ : وَعَلَيْكَ رَحْمَةُ اللَّهِ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( وَعَلَيْكَ ) مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّلَامِ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ فِي رَدِّ السَّلَامِ : وَعَلَيْكَ يُجْزِئُهُ ; لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ جَوَابًا ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْوَالِ السَّلَفِ رَدُّ السَّلَامِ بِكَمَالِهِ ، فَيَقُولُ : وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَوْ رَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ ، وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي بَابِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ ) أَيْ كَفَّنِي . يُقَالُ : قَدَعَهُ وَأَقْدَعَهُ إِذَا كَفَّهُ وَمَنَعَهُ ، وَهُوَ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمْزَمَ : ( إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْ تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَمَا يُشْبِعُهُ الطَّعَامُ .

قَوْلُهُ : ( غَبَرَتْ مَا غَبَرَتْ ) أَيْ بَقِيَتْ مَا بَقِيَتْ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ) أَيْ رَأَيْتُ جِهَتَهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ ) ضَبَطُوهُ ( أُرَاهَا ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ تَسْمِيَةِ الْمَدِينَةِ ( طَابَةَ وَطَيْبَةَ ) ، وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا ( يَثْرِبَ ) ، أَوْ أَنَّهُ سَمَّاهَا بِاسْمِهَا الْمَعْرُوفِ عِنْدَ النَّاسِ حِينَئِذٍ .

قَوْلُهُ : ( مَا بِي رَغْبَةً عَنْ دِينِكُمَا ) أَيْ لَا أَكْرَهُهُ بَلْ أَدْخُلُ فِيهِ .

قَوْلُهُ : ( فَاحْتَمَلْنَا ) يَعْنِي حَمَلْنَا أَنْفُسَنَا وَمَتَاعَنَا عَلَى إِبِلِنَا وَسِرْنَا .

قَوْلُهُ : ( إِيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ ) قَوْلُهُ : ( إِيْمَاءُ ) مَمْدُودٌ ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِهِ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَهَا أَيْضًا ، وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِهِ ، وَلَيْسَ بِرَاجِحٍ . وَ ( رَحَضَةَ ) بِرَاءٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَاتٍ .

قَوْلُهُ : ( شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا ) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ فَاءٍ أَيْ أَبْغَضُوهُ ، وَيُقَالُ : رَجُلٌ شَنِفٌ مِثَالُ حَذِرٍ أَيْ شَانِئٌ مُبْغِضٌ . وَقَوْلُهُ : ( تَجَهَّمُوا ) أَيْ قَابَلُوهُ بِوُجُوهٍ غَلِيظَةٍ كَرِيهَةٍ .

قَوْلُهُ : ( فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهَ ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْجِيمِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( تُوَجِّهُ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

قَوْلُهُ : ( فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ ) أَيْ تَحَاكَمَا إِلَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ ) أَيْ خُصَّنِي بِهَا ، وَأَكْرِمْنِي بِذَلِكَ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : التُّحْفَةُ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا هُوَ مَا يُكْرَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَتْحَفَهُ .




[ سـ :4648 ... بـ :2474]
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَتَقَارَبَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَاتِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ لِأَخِيهِ ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ فَقَالَ مَا شَفَيْتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَعْرِفُهُ وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ يَعْنِي اللَّيْلَ فَاضْطَجَعَ فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَمْسَى فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ مَا أَنَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ فَأَقَامَهُ فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ وَلَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَقَامَهُ عَلِيٌّ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ قَالَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنِّي فَعَلْتُ فَفَعَلَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِي فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتَّبِعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي فَفَعَلَ فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَثَارَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ فَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَالَ وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ وَأَنَّ طَرِيقَ تُجَّارِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيْهِمْ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهَا وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ

قَوْلُهُ : ( إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَعَرْعَرَةُ بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ .

قَوْلُهُ : ( فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( الْأَخُ ) بَدَلَ الْآخَرِ ، وَهُوَ هُوَ ، فَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

قَوْلُهُ : ( مَا شَفَيْتنِي فِيمَا أَرَدْتُ ) كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ( فِيمَا ) بِالْفَاءِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ( مِمَّا ) بِالْمِيمِ ، وَهُوَ أَجْوَدُ ، أَيْ مَا بَلَّغْتنِي غَرَضِي ، وَأَزَلْتُ عَنِّي هَمَّ كَشْفِ هَذَا الْأَمْرِ .

قَوْلُهُ : ( وَحَمَلَ شَنَّةً ) هِيَ بِفَتْحِ الشِّينِ ، وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْبَالِيَةُ .

قَوْلُهُ : ( فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ( تَبِعَهُ ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ( أَتْبَعُهُ ) . قَالَ الْقَاضِي : هِيَ أَحْسَنُ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْكَلَامِ ، وَتَكُونُ بِإِسْكَانِ التَّاءِ أَيْ قَالَ لَهُ : اتْبَعْنِي .

قَوْلُهُ : ( احْتَمَلَ قُرَيْبَتَهُ ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى التَّصْغِيرِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قِرْبَتَهُ ) بِالتَّكْبِيرِ ، وَهِيَ الشَّنَّةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهُ .

قَوْلُهُ ( مَا أَنَى لِلرَّجُلِ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : ( آنَ ) ، وَهُمَا لُغَتَانِ . أَيْ مَا حَانَ ؟ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( أَمَا ) بِزِيَادَةِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، وَلَكِنْ حُذِفَتْ ، وَهُوَ جَائِزٌ .

قَوْلُهُ : ( فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ ) أَيْ يَتْبَعُهُ .

قَوْلُهُ : ( لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ لَأَصْرُخَنَّ أَيْ لَأَرْفَعَنَّ صَوْتِي بِهَا . وَقَوْلُهُ : ( بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ) ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ ، وَيُقَالُ : بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ .