فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ فَضْلِ مَنْ يَمُوتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ

باب فَضْلِ مَنْ يَمُوتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ
[ سـ :4895 ... بـ :2632]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ مَالِكٍ وَبِمَعْنَى حَدِيثِهِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : ( تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ) مَا يَنْحَلُّ بِهِ الْقَسَمُ ، وَهُوَ الْيَمِينُ ، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَالْقَسَمُ مُقَدَّرٌ أَيْ : وَاَللَّهِ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : مَعْنَاهُ تَقْلِيلُ مُدَّةِ وِرْدِهَا . قَالَ : وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ تُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَقِيلَ : تَقْدِيرُهُ وَلَا تَحِلَّةُ الْقَسَمِ أَيْ لَا تَمَسُّهُ أَصْلًا ، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَمِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَيْهَا . وَقِيلَ : الْوُقُوفُ عِنْدَهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ ، ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ : وَاثْنَيْنِ ) مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ بِهِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سُؤَالِهَا أَوْ قَبْلِهُ ، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ : ( وَوَاحِدًا )

قَوْلُهُ : ( لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ) أَيْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْحِنْثُ ، وَهُوَ الْإِثْمُ

قَوْلُهُ : ( صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ ) هُوَ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَاتِ ، وَاحِدُهُمْ ( دُعْمُوصٍ ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ صِغَارُ أَهْلِهَا ، وَأَصْلُ الدُّعْمُوصِ دُوَيْبَّةٌ تَكُونُ فِي الْمَاءِ لَا تُفَارِقُهُ ، أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِيرَ فِي الْجَنَّةِ لَا يُفَارِقُهَا .

وَقَوْلُهُ ( بِصَنِفَةِ ثَوْبكَ ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ طَرَفُهُ ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا صَنِيفَةٌ ( فَلَا يَتَنَاهَى أَوْ قَالَ : يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلُهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ الْجَنَّةَ ) . يَتَنَاهَى وَيَنْتَهِي بِمَعْنًى أَيْ لَا يَتْرُكُهُ ،

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّارِ ) أَيْ امْتَنَعْتِ بِمَانِعٍ وَثِيقٍ ، وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ ، وَأَصْلُ الْحِظَارِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مَا يُجْعَلُ حَوْلَ الْبُسْتَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ قُضْبَانٍ وَغَيْرِهَا كَالْحَائِطِ .

فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ : أَمَّا أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَالْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقٌ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، أَمَّا أَطْفَالُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَطْعِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينِ فِيهَا ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَهُمْ كَالْمُكَلَّفِينَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .