فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ وَغَيْرَهَا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ عَمَّا

باب بَيَانِ أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ وَغَيْرَهَا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ عَمَّا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ
[ سـ :4943 ... بـ :2663]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ قَالَ وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ قَالَ مِسْعَرٌ وَأُرَاهُ قَالَ وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا وَقَدْ كَانَتْ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ ابْنِ بِشْرٍ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ

قَوْلُهُ : ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، وَلَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) أَمَّا ( حِلِّهِ ) فَضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ فَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ جَمِيعَ الرُّوَاةِ عَلَى الْفَتْحِ ، وَمُرَادُهُ رُوَاةُ بِلَادِهِمْ ، وَإِلَّا فَالْأَشْهَرُ عِنْدَ رُوَاةِ بِلَادِنَا الْكَسْرُ ، وَهُمَا لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُ وُجُوبُهُ وَحِينُهُ . يُقَالُ حَلَّ الْأَجَلُ يَحِلُّ حِلًّا وَحَلًّا . وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ مُقَدَّرَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ عَمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ فِي الْأَزَلِ ، فَيَسْتَحِيلُ زِيَادَتُهَا وَنَقْصُهَا حَقِيقَةً عَنْ ذَلِكَ .

وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ صِلَةِ الرَّحِمِ تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَنَظَائِرِهِ فَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُهُ فِي بَابِ صِلَةِ الْأَرْحَامِ وَاضِحًا . قَالَ الْمَازِرِيُّ هُنَا : قَدْ تَقَرَّرَ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ وَغَيْرِهَا ، وَحَقِيقَةُ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ زَيْدًا يَمُوتُ سِنُّهُ خَمْسُمِائَةٌ اسْتَحَالَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لِئَلَّا يَنْقَلِبَ الْعِلْمُ جَهْلًا ، فَاسْتَحَالَ أَنَّ الْآجَالَ الَّتِي عَلِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى تَزِيدُ وَتَنْقُصُ ، فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ ، وَأَمَرَهُ فِيهَا بِآجَالٍ مَمْدُودَةٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ أَوْ يُثْبِتُهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُصُ مِنْهُ وَيَزِيدُ عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ فِي الْأَزَلِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَاتَ بِأَجَلِهِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ : قُطِعَ أَجَلُهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَةُ فِي نَهْيِهَا عَنِ الدُّعَاءِ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ لِأَنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ ، وَنَدْبِهَا إِلَى الدُّعَاءِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْعَذَابِ ، مَعَ أَنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ أَيْضًا كَالْأَجَلِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَمِيعَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ ، لَكِنِ الدُّعَاءَ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهِمَا عِبَادَةٌ ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالْعِبَادَاتِ ، فَقِيلَ : أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَمَا سَبَقَ لَنَا مِنَ الْقَدَرِ ؟ فَقَالَ : اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِطُولِ الْأَجَلِ فَلَيْسَ عِبَادَةً ، وَكَمَا لَا يَحْسُنُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ فَكَذَا الدُّعَاءُ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَنَحْوِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4944 ... بـ :2663]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَاللَّفْظُ لِحَجَّاجٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ وَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ حَدَّثَنِيهِ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ قَالَ ابْنُ مَعْبَدٍ وَرَوَى بَعْضُهُمْ قَبْلَ حِلِّهِ أَيْ نُزُولِهِ

4815 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ قَبْلَ مَسْخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَسْخِ . وَجَاءَ ( كَانُوا ) بِضَمِيرِ الْعُقَلَاءِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ جَرَى فِي الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهَا لِلْعُقَلَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ وَ كُلٌّ فِي فَلَكِ يَسْبَحُونَ .