فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُتَّبِعِيهِ ،

باب النَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُتَّبِعِيهِ وَالنَّهْيِ عَنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ
[ سـ :4946 ... بـ :2665]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى . وَأَمَّا التَّاءُ الثَّانِيَةُ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا ، وَلَمْ يَذْكُرِ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِهِ ( الْأَنْسَابِ ) ، وَالْحَازِمِيُّ فِي ( الْمُؤْتَلِفِ ) ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَالْأَكْثَرُونَ غَيْرَهُ . وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ( الْمَشَارِقِ ) أَنَّهَا مَضْمُومَةٌ كَالْأُولَى . قَالَ : وَضَبَطَهَا الْبَاجِيُّ بِالْفَتْحِ . قَالَ السَّمْعَانِيُّ : هِيَ بَلْدَةٌ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ مِنْ بِلَادِ خُورِسْتَانَ ، يَقُولُ لَهَا النَّاسُ : ( شَتَرُ ) ، بِهَا قَبْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصَّحَابِيِّ أَخِي أَنَسٍ .

قَوْلُهَا : ( تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ قَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأُصُولِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا . قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى : إِذَا لَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي تَفْسِيرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ . وَتَنَاسُبُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعِ . وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : الْمُتَشَابِهُ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ، وَالْمُحْكَمُ مَا سِوَاهُ . وَلَا قَوْلُهُمْ : الْمُحْكَمُ مَا يَعْرِفُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا انْفَرَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ . وَلَا قَوْلُهُمْ : الْمُحْكَمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ، وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ . فَهَذَا أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ . قَالَ : بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحْكَمَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْمَكْشُوفُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِشْكَالٌ وَاحْتِمَالٌ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا يَتَعَارَضُ فِيهِ الِاحْتِمَالِ . وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا انْتَظَمَ تَرْتِيبُهُ مُفِيدًا إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا بِتَأْوِيلٍ ، وَأَمَّا الْمُتَشَابِهِ فَالْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَاَلْقُرْءِ وَكَاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ ، وَكَالْمَسِّ . فَالْأَوَّلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ، وَالثَّانِي بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ ، وَالثَّالِثُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ ، وَنَحْوِهَا . قَالَ : وَيُطْلَقُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا يُوهِمُ ظَاهِرُهُ الْجِهَةَ وَالتَّشْبِيهَ ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هَلْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ ؟ وَتَكُونُ الْوَاوُ فِي وَالرَّاسِخُونَ عَاطِفَةً أَمْ لَا ؟ وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ قَوْلَهُ تَعَالَى : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَلٌ ، وَاخْتَارَهُ طَوَائِفُ ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، وَأَنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَهُ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا لَا يُفِيدُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُخَالَطَةِ أَهْلِ الزَّيْغِ ، وَأَهْلِ الْبِدَعِ ، وَمَنْ يَتَّبِعُ الْمُشْكِلَاتِ لِلْفِتْنَةِ . فَأَمَّا مَنْ سَأَلَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا لِلِاسْتِرْشَادِ ، وَتَلَطَّفَ فِي ذَلِكَ ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ ، وَجَوَابُهُ وَاجِبٌ . وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُجَابُ ، بَلْ يُزْجَرُ ، وَيُعَزَّرُ كَمَا عَزَّرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَبِيغَ بْنَ عُسَيْلٍ حِينَ كَانَ يَتْبَعُ الْمُتَشَابِهَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4947 ... بـ :2666]
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَالَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَالَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ

قَوْلُهُ : ( هَجَّرْتُ يَوْمًا ) أَيْ بَكَّرْتُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ )


[ سـ :4948 ... بـ :2667]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا

وَفِي رِوَايَةٍ : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا ) الْمُرَادُ بِهَلَاكِ مَنْ قَبْلَنَا هُنَا هَلَاكُهُمْ فِي الدِّينِ بِكُفْرِهِمْ وَابْتِدَاعِهِمْ ، فَحَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ .

وَالْأَمْرُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافٍ لَا يَجُوزُ ، أَوْ اخْتِلَافٍ يُوقِعُ فِيمَا لَا يَجُوزُ كَاخْتِلَافٍ فِي نَفْسِ الْقُرْآنِ ، أَوْ فِي مَعْنًى مِنْهُ لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، أَوِ اخْتِلَافٍ يُوقِعُ فِي شَكٍّ أَوْ شُبْهَةٍ ، أَوْ فِتْنَةٍ وَخُصُومَةٍ ، أَوْ شِجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي اسْتِنْبَاطِ فُرُوعِ الدِّينِ مِنْهُ ، وَمُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَائِدَةِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ ، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى الْآنِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .