فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ

باب قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ
[ سـ :5055 ... بـ :2743]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيَّبِيُّ حَدَّثَنِي أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ أَبَا ضَمْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحْ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ عَنْهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً فَفَرَجَ لَهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا فَجَاءَنِي فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي قُلْتُ اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ مَا بَقِيَ وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ح وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَرَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنُونَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَزَادُوا فِي حَدِيثِهِمْ وَخَرَجُوا يَمْشُونَ وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ يَتَمَاشَوْنَ إِلَّا عُبَيْدَ اللَّهِ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ وَخَرَجُوا وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا شَيْئًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمْ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا وَقَالَ فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَقَالَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَارْتَعَجَتْ وَقَالَ فَخَرَجُوا مِنْ الْغَارِ يَمْشُونَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ ) الْغَارُ : النَّقْبُ فِي الْجَبَلِ وَ ( أَوَوْا ) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا .

قَوْلُهُ : ( انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا ) اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ كَرْبِهِ ، وَفِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ بِصَالِحِ عَمَلِهِ ، وَيَتَوَسَّلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ ، وَذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ ، وَجَمِيلِ فَضَائِلِهِمْ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْلِ خِدْمَتِهِمَا وَإِيثَارِهِمَا عَمَّنْ سِوَاهُمَا مِنَ الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَفِيهِ فَضْلُ الْعَفَافِ وَالِانْكِفَافِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ ، لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَالْهَمِّ بِفِعْلِهَا ، وَيُتْرَكُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا . وَفِيهِ جَوَازُ الْإِجَارَةِ وَفَضْلُ حُسْنِ الْعَهْدِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَالسَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ . وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ .

قَوْلُهُ : ( فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ ) مَعْنَاهُ : إِذَا رَدَدْتُ الْمَاشِيَةَ مِنَ الْمَرْعِي إِلَيْهِمْ ، وَإِلَى مَوْضِعِ مَبِيتِهَا ، وَهُوَ مُرَاحُهَا بِضَمِّ الْمِيمِ ، يُقَالُ : أَرَحْتُ الْمَاشِيَةَ وَرَوَّحْتُهَا بِمَعْنًى .

قَوْلُهُ : ( نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ ) وَفِي بَعْضٍ ( نَاءٍ بِي ) ، فَالْأَوَّلُ بِجَعْلِ الْهَمْزَةِ قَبْلَ الْأَلِفِ ، وَبِهِ قَرَأَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ ، الثَّانِي عَكْسُهُ ، وَهُمَا لُغَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ ، وَمَعْنَاهُ ( بَعُدَ ) وَالثَّانِي ( الْبُعْدُ ) .

قَوْلُهُ : ( فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ ، وَهُوَ : الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ ، هُنَا اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ . قَوْلُهُ : ( وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ ) أَيْ : يَصِيحُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ مِنَ الْجُوعِ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي ) أَيْ : حَالِي اللَّازِمَةُ ، وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا : فَرْجٌ ، سَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ .

قَوْلُهُ : ( وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا ) أَيْ : جَلَسْتُ مَجْلِسَ الرَّجُلُ لِلْوِقَاعِ .

قَوْلُهَا : ( لَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ) الْخَاتَمُ كِنَايَةٌ عَنْ بَكَارَتِهَا ، وَقَوْلُهُ ( بِحَقِّهِ ) أَيْ : بِنِكَاحٍ لَا بِزِنًا . قَوْلُهُ : ( بِفَرَقِ أُرْزٍ ) الْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ ، الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَأَشْهَرُ ، وَهُوَ : إِنَاءٌ يَسَعُ ثَلَاثَةَ آصَعٍ ، وَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ .

قَوْلُهُ : ( فَرَغِبَ عَنْهُ ) أَيْ : كَرِهَهُ وَسَخِطَهُ وَتَرَكَهُ .

قَوْلُهُ : ( لَا أَغْبُقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا ) فَقَوْلُهُ ( لَا أَغْبُقُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ أَيْ : مَا كُنْتُ أُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا أَحَدًا فِي شُرْبِ نَصِيبِهِمَا عِشَاءً مِنَ اللَّبَنِ ، وَالْغَبُوقُ شُرْبُ الْعِشَاءِ ، وَالصَّبُوحُ شُرْبُ أَوَّلِ النَّهَارِ ، يُقَالُ مِنْهُ : غَبَقْتُ الرَّجُلَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - أَغْبُقُهُ - بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ - غَبْقًا فَاغْتَبَقَ ، أَيْ : سَقَيْتُهُ عِشَاءً فَشَرِبَ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ ضَبْطِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ ، وَكُتُبِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالشُّرُوحِ ، وَقَدْ يُصَحِّفُهُ بَعْضُ مَنْ لَا حُجِّةَ لَهُ ، فَيَقُولُ : أُغْبِقُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ ، وَهَذَا غَلَطٌ .

قَوْلُهُ : ( أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ ) أَيْ : وَقَعَتْ فِي سَنَةٍ قَحْطٍ .

قَوْلُهُ : ( فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ ) أَيْ : ثَمَنَهُ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَارْتَعَجَتْ ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْجِيمِ ، أَيْ : كَثُرَتْ ، حَتَّى ظَهَرَتْ حَرَكَتُهَا وَاضْطِرَابُهَا ، وَمَوْجُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ لِكَثْرَتِهَا ، وَالِارْتِعَاجُ الِاضْطِرَابُ وَالْحَرَكَةُ ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُجِيزُ بَيْعَ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ إِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَوَضْعُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ : ( فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : ( فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرُكَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ ) وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُجِيزُ التَّصَرُّفَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا ، وَفِي كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْأُصُولِيِّينَ ، فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا فَلَا حُجَّةَ ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِأُرْزٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَيْهِ ، بَلْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ لِرَدَائِهِ ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ صَحِيحٍ فَبَقِيَ عَلَى مَالِكِ الْمُسْتَأْجِرِ ; لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ تَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ لِنَفْسِهِ أَمْ لِلْأَجِيرِ ، ثُمَّ تَبَرَّعَ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ عَلَى الْأَجِيرِ بِتَرَاضِيهِمَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .