فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَجَوَازِ تَرْكِ

باب فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا
[ سـ :5066 ... بـ :2750]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّيْمِيُّ وَقَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

قَوْلُهُ : ( قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ ) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا : ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ . وَالثَّانِي : كَذَلِكَ ، إِلَّا أَنَّهُ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي إِلَّا هَذَا الثَّانِي ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَىبَنِي أُسَيْدٍ بَطْنٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ .

قَوْلُهُ : ( وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ كَذَلِكَ ، وَعَنْ أَكْثَرِهِمْ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ ، وَأَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ : عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ .

قَوْلُهُ : ( يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ ) قَالَ الْقَاضِي : ضَبَطْنَاهُ ( رَأْيُ عَيْنٍ ) بِالرَّفْعِ أَيْ : كَأَنَّا بِحَالِ مَنْ يَرَاهَا بِعَيْنٍ ، قَالَ : وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ ، أَيْ نَرَاهَا رَأْيَ عَيْنٍ .

قَوْلُهُ : ( عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ) هُوَ بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ : مَعْنَاهُ حَاوَلْنَا ذَلِكَ وَمَارَسْنَاهُ وَاشْتَغَلْنَا بِهِ ، أَيْ : عَالَجْنَا مَعَايِشَنَا وَحُظُوظَنَا ، وَالضَّيْعَاتُ : جَمْعُ ضَيْعَةٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهِيَ : مَعَاشُ الرَّجُلِ مِنْ مَالٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ ، وَرَوَى الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَرْفَ ( عَانَسْنَا ) بِالنُّونِ ، قَالَ : وَمَعْنَاهُ : لَاعَبْنَا ، وَرَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، قَالَ : وَمَعْنَاهُ : عَانَقْنَا ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَهُوَ أَعَمُّ .

قَوْلُهُ : ( نَافَقَ حَنْظَلَةُ ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُ خَافَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ ، حَيْثُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ الْخَوْفُ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ الْمُرَاقَبَةِ وَالْفِكْرِ ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ ، فَإِذَا خَرَجَ اشْتَغَلَ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَمَعَاشِ الدُّنْيَا ، وَأَصْلُ النِّفَاقِ إِظْهَارُ مَا يَكْتُمُ خِلَافَهُ مِنَ الشَّرِّ ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقًا ، فَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاقٍ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَلَّفُونَ الدَّوَامَ عَلَى ذَلِكَ ، و ( سَاعَةً وَسَاعَةً ) أَيْ : سَاعَةً كَذَا وَسَاعَةً كَذَا .

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ : فَقَالَ : مَهْ ؟ ) قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ الِاسْتِفْهَامُ ، أَيْ : مَا تَقُولُ ، وَالْهَاءُ هُنَا هِيَ هَاءُ السَّكْتِ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلْكَفِّ وَالزَّجْرِ وَالتَّعْظِيمِ لِذَلِكَ .