فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ

باب مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ
[ سـ :5156 ... بـ :2811]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ قَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : هِيَ النَّخْلَةُ ، قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ : لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا ) أَمَّا قَوْلُهُ : ( لَأَنْ تَكُونَ ) فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( الْبَوَادِي ) وَفِي بَعْضِهَا ( الْبَوَادِ ) بِحَذْفِ الْيَاءِ ، وَهِيَ لُغَةٌ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ : مِنْهَا اسْتِحْبَابُ إِلْقَاءِ الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، لِيَخْتَبِرَ أَفْهَامَهُمْ ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِي الْفِكْرِ وَالِاعْتِنَاءِ .

وَفِيهِ : ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ .

وَفِيهِ : تَوْقِيرُ الْكِبَارِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْكِبَارُ الْمَسْأَلَةَ فَيَنْبَغِي لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْرِفُهَا أَنْ يَقُولَهَا .

وَفِيهِ : سُرُورُ الْإِنْسَانِ بِنَجَابَةِ وَلَدِهِ ، وَحُسْنِ فَهْمِهِ ، وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ ) أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو لِابْنِهِ ، وَيَعْلَمُ حُسْنَ فَهْمِهِ وَنَجَابَتِهِ .

وَفِيهِ فَضْلُ النَّخْلِ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَشَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُسْلِمِ فِي كَثْرَةِ خَيْرِهَا ، وَدَوَامِ ظِلِّهَا ، وَطِيبِ ثَمَرِهَا ، وَوُجُودِهِ عَلَى الدَّوَامِ ، فَإِنَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ ثَمَرُهَا لَا يَزَالُ يُؤْكَلُ مِنْهُ حَتَّى يَيْبَسَ ، وَبَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ يُتَّخَذُ مِنْهُ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ، وَمِنْ خَشَبِهَا وَوَرَقِهَا وَأَغْصَانِهَا ، فَيُسْتَعْمَلُ جُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّا وَمَخَاصِرَ وَحُصْرًا وَحِبَالًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ، ثُمَّ آخِرُ شَيْءٍ مِنْهَا نَوَاهَا ، وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَفًا لِلْإِبِلِ ، ثُمَّ جَمَالُ نَبَاتِهَا ، وَحُسْنُ هَيْئَةِ ثَمَرِهَا ، فَهِي مَنَافِعُ كُلُّهَا ، وَخَيْرٌ وَجَمَالٌ ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلُّهُ ، مِنْ كَثْرَةِ طَاعَاتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ ، وَيُوَاظِبُ عَلَى صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَذِكْرِهِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ ، قِيلَ : وَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ رَأْسَهَا مَاتَتْ بِخِلَافِ بَاقِي الشَّجَرِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُلَقَّحَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ) أَيْ : ذَهَبَتْ أَفْكَارُهُمْ إِلَى أَشْجَارِ الْبَوَادِي ، وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍ يُفَسِّرُهَا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ شَجَرِ الْبَوَادِي وَذَهِلُوا عَنِ النَّخْلَةِ .




[ سـ :5157 ... بـ :2811]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ الضُّبَعِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا سَكَتُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُمَّارٍ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ

قَوْلُهُ : ( قَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَأُلْقِي فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا ، فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ ) الرُّوعُ هُنَا بِضَمِّ الرَّاءِ ، وَهُوَ النَّفْسُ وَالْقَلْبُ وَالْخَلَدُ ، وَأَسْنَانُ الْقَوْمِ يَعْنِي : كِبَارُهُمْ وَشُيُوخُهُمْ .

قَوْلُهُ : ( فَأُتِي بِجُمَّارٍ ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْ قَلْبِ النَّخْلِ يَكُونُ لَيِّنًا .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ) هَكَذَا صَوَابُهُ ( سَيْفٌ ) قَالَ الْقَاضِي : وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ ( سُفْيَانَ ) وَهُوَ غَلَطٌ ، بَلْ هُوَ سَيْفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَكِيعٌ يَقُولُ : هُوَ سَيْفٌ أَبُو سُلَيْمَانَ ، وَابْنُ الْمُبَارَكَ يَقُولُ : سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَيَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ يَقُولُ : سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ .




[ سـ :5158 ... بـ :2811]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ شِبْهِ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَعَلَّ مُسْلِمًا قَالَ وَتُؤْتِي أُكُلَهَا وَكَذَا وَجَدْتُ عِنْدَ غَيْرِي أَيْضًا وَلَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَتَحَاتَّ وَرَقُهَا ) أَيْ : لَا يَتَنَاثَرَ وَيَتَسَاقَطَ . قَوْلُهُ : ( لَا يَتَحَاتَّ وَرَقُهَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ : لَعَلَّ مُسْلِمًا قَالَ : وَتُؤْتِي ، وَكَذَا وَجَدْتُ عِنْدَ غَيْرِي أَيْضًا ، وَلَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) مَعْنَى هَذَا : أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ صَاحِبِ مُسْلِمٍ وَرِوَايَةِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ مُسْلِمٍ لَا يَتَحَاتَّ وَرَقُهَا ، وَلَا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ، وَاسْتَشْكَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ هَذَا لِقَوْلِهِ : وَلَا تُؤْتِي أُكُلَهَا ، خِلَافُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ ، فَقَالَ : لَعَلَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ وَتُؤْتِي بِإِسْقَاطِ ( لَا ) وَأَكُونُ أَنَا وَغَيْرِي غَلِطْنَا فِي إِثْبَاتِ ( لَا ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ : وَلَيْسَ هُوَ بِغَلَطٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ إِبْرَاهِيمُ ، بَلِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ صَحِيحٌ بِإِثْبَاتِ ( لَا ) وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِإِثْبَاتِ ( لَا ) وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَةَ ( لَا ) لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِتُؤْتِي ، بَلْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : لَا يَتَحَاتَّ وَرَقُهَا ، وَلَا مُكَرَّرٌ أَيْ : لَا يُصِيبُهَا كَذَا وَلَا كَذَا ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي تِلْكَ الْأَشْيَاءَ الْمَعْطُوفَةَ ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ : تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ .