فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ

باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ
[ سـ :5351 ... بـ :169]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ قَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ بَيَانُ اشْتِقَاقِهِ وَغَيْرِهِ ، وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ تَسْمِيَتِهِ الْمَسِيحَ وَاشْتِقَاقُهُ ، وَالْخِلَافُ فِي ضَبْطِهِ . قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي صِحَّةِ وُجُودِهِ ، وَأَنَّهُ شَخْصٌ بِعَيْنِهِ ، ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ، وَأَقْدَرَهُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ ، وَمِنْ ظُهُورِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا ، وَالْخِصْبِ مَعَهُ ، وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَنَهَرَيْهِ ، وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ لَهُ ، وَأَمْرِهِ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ ، وَالْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ ، فَيَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ ، ثُمَّ يُعْجِزُهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَا غَيْرِهِ ، وَيُبْطِلُ أَمْرَهُ ، وَيَقْتُلُهُ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا . هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ ، خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَهُ ، وَأَبْطَلَ أَمْرَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَخِلَافًا لِلْبُخَارِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ وَمُوَافِقِيهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّهُ صَحِيحُ الْوُجُودِ ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَدَّعِي مَخَارِفَ وَخَيَالَاتٍ لَا حَقَائِقَ لَهَا ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَوْثُقْ بِمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ . وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ فَيَكُونَ مَا مَعَهُ كَالتَّصْدِيقِ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ ، وَهُوَ فِي نَفْسِ دَعْوَاهُ مُكَذِّبٌ لَهَا بِصُورَةِ حَالِهِ ، وَوُجُودِ دَلَائِلِ الْحُدُوثِ فِيهِ ، وَنَقْصِ صُورَتِهِ ، وَعَجْزِهِ عَنْ إِزَالَةِ الْعَوَرِ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ ، وَعَنْ إِزَالَةِ الشَّاهِدِ بِكُفْرِهِ الْمَكْتُوبِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ . وَلِهَذِهِ الدَّلَائِلِ وَغَيْرِهَا لَا يَغْتَرُّ بِهِ إِلَّا رِعَاعٌ مِنَ النَّاسِ لِسَدِّ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ رَغْبَةً فِي سَدِّ الرَّمَقِ ، أَوْ تَقِيَّةً وَخَوْفًا مِنْ أَذَاهُ ; لِأَنَّ فِتْنَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا تَدْهَشُ الْعُقُولَ ، وَتُحَيِّرُ الْأَلْبَابَ ، مَعَ سُرْعَةِ مُرُورِهِ فِي الْأَمْرِ ، فَلَا يَمْكُثُ بِحَيْثُ يَتَأَمَّلُ الضُّعَفَاءُ حَالَهُ وَدَلَائِلَ الْحُدُوثِ فِيهِ وَالنَّقْصِ فَيُصَدِّقُهُ مَنْ صَدَّقَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِهَذَا حَذَّرَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ مِنْ فِتْنَتِهِ ، وَنَبَّهُوا عَلَى نَقْصِهِ وَدَلَائِلِ إِبْطَالِهِ . وَأَمَّا أَهْلُ التَّوْفِيقِ فَلَا يَغْتَرُّونَ بِهِ ، وَلَا يُخْدَعُونَ لِمَا مَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُكَذِّبَةِ لَهُ مَعَ مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِحَالَهِ ، وَلِهَذَا يَقُولُ لَهُ الَّذِي يَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ : مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ ) أَمَّا ( طَافِئَةُ ) فَرُوِيَتْ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، فَالْمَهْمُوزَةُ هِيَ الَّتِي ذَهَبَ نُورُهَا ، وَغَيْرُ الْمَهْمُوزَةِ الَّتِي نَتَأَتْ وَطَفَتْ مُرْتَفِعَةٌ وَفِيهَا ضَوْءٌ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ ، وَبَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ ( أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( الْيُسْرَى ) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ . وَالْعَوَرُ فِي اللُّغَةِ الْعَيْبُ ، وَعَيْنَاهُ مَعِيبَتَانِ عَوَرًا ، وَأَنَّ إِحْدَاهُمَا طَافِئَةٌ بِالْهَمْزِ لَا ضَوْءَ فِيهَا ، وَالْأُخْرَى طَافِيَةٌ بِلَا هَمْزَةٍ ظَاهِرَةٍ نَاتِئَةٍ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَالدَّجَّالُ أَعْوَرُ ) فَبَيَانٌ لِعَلَامَةٍ بَيِّنَةٍ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الدَّجَّالِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً بَدِيهِيَّةً ، يُدْرِكُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى كَوْنِهِ جِسْمًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ لِكَوْنِ بَعْضِ الْعَوَامِّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :5354 ... بـ :2933]
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ثُمَّ تَهَجَّاهَا فَقَالَ كَ فَ رَ يَقْرَأُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرُ كَاتِبٍ ) الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَأَنَّهَا كِتَابَةٌ حَقِيقَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً وَعَلَامَةً مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ الْقَاطِعَةِ بِكُفْرِهِ وَكَذِبِهِ وَإِبْطَالِهِ ، وَيُظْهِرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ، وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ أَرَادَ شَقَاوَتَهُ وَفِتْنَتَهُ ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ خِلَافًا : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ كِتَابَةٌ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مَجَازٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى سِمَاتِ الْحُدُوثِ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ : " يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " ، وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ .




[ سـ :5355 ... بـ :2934]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى جُفَالُ الشَّعَرِ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَجَنَّتُهُ نَارٌ وَنَارُهُ جَنَّةٌ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( نَهْرَانِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَاءٌ وَنَارٌ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا مِنْ جُمْلَةِ فِتْنَتِهِ امْتَحَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ ، ثُمَّ يَفْضَحُهُ وَيُظْهِرُ لِلنَّاسِ عَجْزَهُ .




[ سـ :5356 ... بـ :2934]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِمَّا أَدْرَكْنَ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ( أَدْرَكْنَ ) وَفِي بَعْضِهَا ( أَدْرَكَهُ ) وَهَذَا الثَّانِي ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَغَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ ، لِأَنَّ هَذِهِ النُّونُ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَعَلَّهُ ( يُدْرِكْنَ ) يَعْنِي فَغَيَّرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ . وَقَوْلُهُ ( يَرَاهُ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَمْسُوحُ الْعَيْنِ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ) هِيَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ ، وَهِيَ جِلْدَةٌ تُغْشِي الْبَصَرَ ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : لَحْمَةٌ تَنْبُتُ عِنْدَ الْمَآقِي .




[ سـ :5361 ... بـ :2937]
حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ حُجْرٍ دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَيْ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ

قَوْلُهُ : ( سَمِعَ النَّوَاسَ بْنَ سَمْعَانَ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا .

( ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ فِيهِمَا ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ خَفَّضَ بِمَعْنَى حَقَّرَ ، وَقَوْلُهُ ( رَفَّعَ ) أَيْ عَظَّمَهُ وَفَخَّمَهُ ، فَمِنْ تَحْقِيرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَوَرُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ إِلَّا ذَلِكَ الرَّجُلُ ، ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ ، وَأَنَّهُ يَضْمَحِلُّ أَمْرُهُ ، وَيُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ وَأَتْبَاعُهُ . وَمِنْ تَفْخِيمِهِ وَتَعْظِيمِ فِتْنَتِهِ وَالْمِحْنَةِ بِهِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ ، وَأَنَّهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ خَفَّضَ مِنْ صَوْتِهِ فِي حَالِ الْكَثْرَةِ فِيمَا تَكَلَّمَ فِيهِ ، فَخَفَّضَ بَعْدَ طُولِ الْكَلَامِ وَالتَّعَبِ لِيَسْتَرِيحَ ، ثُمَّ رَفَعَ لِيَبْلُغَ صَوْتُهُ كُلَّ أَحَدٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا : ( أَخْوَفُنِي ) بِنُونٍ بَعْدَ الْفَاءِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ . قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِحَذْفِ النُّونِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ . قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ ، فَأَمَّا لَفْظُهُ لِكَوْنِهِ تَضَمَّنَ مَا لَا يُعْتَادُ مِنْ إِضَافَةِ أَخْوَفِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مَقْرُونَةٌ بِنُونِ الْوِقَايَةِ ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ الْأَصْلُ إِثْبَاتَهَا ، وَلَكِنَّهُ أَصْلٌ مَتْرُوكٌ ، فَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي قَلِيلٍ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْهَا مَا أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ .


فَمَا أَدْرِي فَظَنِّي كُلُّ ظَنٍّ أَمُسْلِمَتِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي يَعْنِي شَرَاحِيلَ فَرَخَّمَهُ فِي غَيْرِ النِّدَا لِلضَّرُورَةِ وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ :


وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي لِيَرْفِدَ خَائِبًا فَإِنَّ لَهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلَا
وَلِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ أَيْضًا شَبَهٌ بِالْفِعْلِ ، وَخُصُوصًا بِفِعْلِ التَّعَجُّبِ ، فَجَازَ أَنْ تَلْحَقُهُ النُّونُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا لَحِقَتْ فِي الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ . هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ النُّونِ هُنَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَخْوَفُ لِي فَأُبْدِلَتِ النُّونُ مِنَ اللَّامِ كَمَا أُبْدِلَتْ فِي ( لِعَنْ وَعَنْ ) بِمَعْنَى ( لَعَلَّ وَعَلَّ ) . وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ ، وَتَقْدِيرُهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مُخُوفَاتِي عَلَيْكُمْ ، ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَى الْيَاءِ ، وَمِنْهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ . وَالثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ أَخْوَفُ مِنْ أَخَافَ بِمَعْنَى خَوْفٍ ، وَمَعْنَاهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَشَدُّ مُوجِبَاتِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ . وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمَعَانِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ : شِعْرُ شَاعِرٍ ، وَخَوْفُ فُلَانٍ أَخْوَفُ مِنْ خَوْفِكَ ، وَتَقْدِيرُهُ خَوْفُ غَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ، ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ الثَّانِي . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطُ ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ أَيْ شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعْرِ ، مُبَاعِدٌ لِلْجُعُودَةِ الْمَحْبُوبَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ) هَكَذَا فِي نُسَخِ بِلَادِنَا : ( خَلَّةً ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ . وَقَالَ الْقَاضِي : الْمَشْهُورُ فِيهِ ( حَلَّةَ ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَنَصْبِ التَّاءِ يَعْنِي غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ . قِيلَ : مَعْنَاهُ سَمْتُ ذَلِكَ وَقُبَالَتُهُ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ الْحَلَّةُ مَوْضِعُ حَزْنٍ وَصُخُورٍ . قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ( حَلُّهُ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَبِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ نُزُولَهُ وَحُلُولَهُ قَالَ : وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ .

قَالَ : وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ ( خَلَّةً ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ ، وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ . هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ الْهَرَوِيِّ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا بِبِلَادِنَا ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ ، وَفَسَّرَهُ بِالطَّرِيقِ بَيْنَهُمَا .

قَوْلُهُ : ( فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ) هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ، وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ ، وَالْعَيْثُ الْفَسَادُ ، أَوْ أَشَدُّ الْفَسَادِ وَالْإِسْرَاعِ فِيهِ ، يُقَالُ مِنْهُ : عَاثَ يَعِيثُ ، وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَعَاثٍ بِكَسْرِ الثَّاءِ مَنُوَّنَةٍ اسْمُ فَاعِلٍ ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ) فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ . قَالُوا : وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ ، وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا ، لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ . وَمَعْنَى ( اقْدُرُوا ) أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ، ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ ، وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ ، وَكَذَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ، ثُمَّ الظُّهْرَ ، ثُمَّ الْعَصْرَ ، ثُمَّ الْمَغْرِبَ ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِي ذَلِكَ الْيَوْمُ . وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سَنَةٍ ، فَرَائِضُ كُلُّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا . وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ ، وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ ، فَقِيَاسُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلُ مَا كَانَتْ ذَرًّا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدُّهُ خَوَاصِرَ ) أَمَّا ( تَرُوحُ ) فَمَعْنَاهُ تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ ، ( وَالسَّارِحَةُ ) هِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى الْمَرْعَى . وَأَمَّا ( الذُّرَى ) فَبِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْأَعَالِي وَ ( الْأَسْنِمَةُ ) جَمْعُ ذُرْوَةِ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا . وَقَوْلُهُ : ( وَأَسْبَغَهُ ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَطْوَلَهُ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ ، وَكَذَا ( أَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ) لِكَثْرَةِ امْتِلَائِهَا مِنَ الشِّبَعِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبَ النَّحْلِ ) هِيَ ذُكُورُ النَّحْلِ ، هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ . قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَادُ جَمَاعَةُ النَّحْلِ لَا ذُكُورُهَا خَاصَّةً ، لَكِنَّهُ كَنَّى عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالْيَعْسُوبِ ، وَهُوَ أَمِيرُهَا ، لِأَنَّهُ مَتَى طَارَ تَبِعَتْهُ جَمَاعَتُهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ كَسْرَهَا ، أَيْ قِطْعَتَيْنِ . وَمَعْنَى ( رَمْيَةَ الْغَرَضِ ) أَنَّهُ يَجْعَلُ بَيْنَ الْجَزْلَتَيْنِ مِقْدَارَ رَمْيَتِهِ . هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ ، وَحَكَى الْقَاضِي هَذَا ، ثُمَّ قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ، وَتَقْدِيرُهُ فَيُصِيبُهُ إِصَابَةَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ : ( فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ) أَمَّا ( الْمَنَارَةُ ) فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَهَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، وَدِمَشْقَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ كَسْرَ الْمِيمِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ فَضَائِلَ دِمَشْقَ . وَفِي ( عِنْدَ ) ثَلَاثُ لُغَاتٍ : كَسْرُ الْعَيْنِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا ، وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ . وَأَمَّا ( الْمَهْرُوذَتَانِ ) فَرُوِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْمُهْمَلَةُ أَكْثَرُ ، وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النُّسَخِ بِالْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَمَعْنَاهُ لَابِسَ مَهْرُوذَتَيْنِ أَيْ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ ، وَقِيلَ : هُمَا شَقَّتَانِ ، وَالشَّقَّةُ نِصْفُ الْمُلَاءَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ) الْجُمَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ هِيَ حَبَّاتٌ مِنَ الْفِضَّةِ تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ ، وَالْمُرَادُ يَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي صَفَائِهِ ، فَسُمِّي الْمَاءُ جُمَانًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الصَّفَاءِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفْسِهِ إِلَّا مَاتَ ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ : ( فَلَا يَحِلُّ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ . وَ ( نَفْسِهِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ . وَمَعْنَى ( لَا يَحِلُّ ) لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقَعُ ، وَقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ عِنْدِي حَقٌّ وَوَاجِبٌ . قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْحَاءِ ، وَهُوَ وَهَمٌ وَغَلَطٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُدْرِكُهُ بِبَابِ لُدٍّ ) هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مَصْرُوفٌ ، وَهُوَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْمَسْحَ حَقِيقَةٌ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَيَمْسَحُ عَلَى وُجُوهِهِمْ تَبَرُّكًا وَبِرًّا . وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى كَشْفِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْخَوْفِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ) فَقَوْلُهُ ( لَا يَدَانِ ) بِكَسْرِ النُّونِ تَثْنِيَةُ ( يَدٍ ) . قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ لَا قُدْرَةَ وَلَا طَاقَةَ ، يُقَالُ : مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ يَدٌ ، وَمَا لِي بِهِ يَدَانِ ; لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالدَّفْعَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ ، وَكَأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتَانِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ . وَمَعْنَى ( حَرِّزْهُمْ إِلَى الطُّورِ ) أَيْ ضُمَّهُمْ وَاجْعَلْهُ لَهُمْ حِرْزًا . يُقَالُ : أَحْرَزْتُ الشَّيْءَ أُحْرِزُهُ إِحْرَازًا إِذَا حَفِظْتُهُ وَضَمَمْتُهُ إِلَيْكَ ، وَصُنْتُهُ عَنِ الْأَخْذِ . وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( حَزِّبْ ) بِالْحَاءِ وَالزَّايِ وَالْبَاءِ أَيِ اجْمَعْهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَرُوِيَ ( حَوِّزْ ) بِالْوَاوِ وَالزَّايِ ، وَمَعْنَاهُ نَحِّهِمْ وَأَزِلْهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ إِلَى الطُّورِ .

قَوْلُهُ : ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) ( الْحَدَبُ ) النَّشْزُ وَ ( يَنْسِلُونَ ) يَمْشُونَ مُسْرِعِينَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى ) ( النَّغَفُ ) بِنُونٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ ، وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ، الْوَاحِدَةُ : نَغَفَةٌ . وَ ( الْفَرْسَى ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ أَيْ قَتْلَى ، وَاحِدُهُمْ فَرِيسٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَلَأَهُ زَهْمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ دَسْمُهُمْ وَرَائِحَتُهُمُ الْكَرِيهَةُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَكُنْ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ ) أَيْ لَا يَمْنَعُ مِنْ نُزُولِ الْمَاءِ بَيْتٌ . ( الْمَدَرُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالدَّالِ ، وَهُوَ الطِّينُ الصُّلْبُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ) رُوِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ ، وَرُوِيَ ( الزُّلْفَةُ ) بِضَمِّ الزَّاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ ، وَرُوِيَ ( الزَّلَفَةُ ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَبِالْفَاءِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : رُوِيَ بِالْفَاءِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ وَبِإِسْكَانِهَا . وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ . قَالَ فِي الْمَشَارِقِ : وَالزَّايُ مَفْتُوحَةٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ ، فَقَالَ ثَعْلَبٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَآخَرُونَ : مَعْنَاهُ كَالْمِرْآةِ ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، شَبَّهَهَا بِالْمِرْآةِ فِي صَفَائِهَا وَنَظَافَتِهَا ، وَقِيلَ : كَمَصَانِعِ الْمَاءِ أَيْ إِنَّ الْمَاءَ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالْمَصْنَعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : مَعْنَاهُ كَالْإِجَّانَةِ الْخَضْرَاءِ ، وَقِيلَ : كَالصَّحْفَةِ ، وَقِيلَ : كَالرَّوْضَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا ) الْعِصَابَةُ الْجَمَاعَةُ ، وَ ( قِحْفُهَا ) بِكَسْرِ الْقَافِ هُوَ مُقَعَّرُ قِشْرِهَا ، شَبَّهَهَا بِقِحْفِ الرَّأْسِ ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الدِّمَاغِ ، وَقِيلَ : مَا انْفَلَقَ مِنْ جُمْجُمَتِهِ وَانْفَصَلَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَيُبَارِكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ) ( الرِّسْلُ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ هُوَ اللَّبَنُ ، وَاللِّقْحَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ ، وَهِيَ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ ، وَجَمْعُهَا لِقَحٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ ، كَبِرْكَةٍ وَبِرَكٌ . وَاللَّقُوحُ ذَاتُ اللَّبَنِ ، وَجَمْعُهَا لِقَاحٌ . وَالْفِئَامُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ . هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَكُتُبِ الْغَرِيبِ ، وَرِوَايَةُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْهَمْزِ . قَالَ الْقَاضِي : وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُجِيزُ الْهَمْزَ ، بَلْ يَقُولُهُ بِالْيَاءِ . وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ : وَحَكَاهُ الْخَلِيلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْقَابِسِيِّ .

قَالَ : وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ ، فَأَدْخَلَهُ فِي حَرْفِ الْيَاءِ ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِتَكْفِي الْفَخْذَ مِنَ النَّاسِ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْفَخْذُ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْأَقَارِبِ ، وَهُمْ دُونَ الْبَطْنِ ، وَالْبَطْنُ دُونَ الْقَبِيلَةِ . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ ابْنُ فَارِسٍ : الْفَخْذُ هُنَا بِإِسْكَانِ الْخَاءِ لَا غَيْرُ ، فَلَا يُقَالُ إِلَّا بِإِسْكَانِهَا ، بِخِلَافِ الْفَخِذِ الَّتِي هِيَ الْعُضْوُ ، فَإِنَّهَا تُكْسَرُ وَتُسَكَّنُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ : ( وَكُلِّ مُسْلِمٍ ) بِالْوَاوِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ ) أَيْ يُجَامِعُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَمِيرُ ، وَلَا يَكْتَرِثُونَ لِذَلِكَ : ( وَالْهَرْجُ ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْجِمَاعُ ، يُقَالُ : هَرَجَ زَوْجَتَهُ أَيْ جَامَعَهَا يَهْرَجُهَا ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ ) هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ، وَالْخَمَرُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ الَّذِي يَسْتُرُ مَنْ فِيهِ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .