فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا

باب تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ
[ سـ :168 ... بـ :95]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَاللَّفْظُ مُتَقَارِبٌ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ جَمِيعًا عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ فَفِي حَدِيثِهِمَا قَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ فِي حَدِيثِهِ وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَفِي حَدِيثِهِ فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لِأَقْتُلَهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ

بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

فِيهِ حَدِيثُ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ : أَسْلَمْتُ لِلَّهِ . أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا تَقْتُلْهُ إِلَى أَنْ قَالَ : فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ )




[ سـ :169 ... بـ :96]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ قَالَ فَقَالَ سَعْدٌ وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونُ فِتْنَةٌ

وَفِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ( قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ ؟ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ قَالَ : أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ قَالَهَا أَمْ لَا ؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ قَالَ : فَقَالَ سَعْدٌ : وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ قَالَ سَعْدٌ : قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكُ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ ( فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي : يَا أُسَامَةُ قَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا . فَقَالَ : أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ) وَفِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا أُسَامَةُ فَسَأَلَهُ : لِمَ قَتَلْتَهُ ؟ إِلَى أَنْ قَالَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ؟ .

أَمَّا أَلْفَاظُ أَسْمَاءِ الْبَابِ فَفِيهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( حَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو ابْنَ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ) ، فَالْمِقْدَادُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ هَذَا نَسَبُهُ الْحَقِيقِيُّ . وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ قَدْ تَبَنَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ وَصَارَ بِهِ أَشْهَرَ وَأَعْرَفَ . فَقَوْلُهُ ثَانِيًا : إِنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ قَدْ يُغْلَطُ فِي ضَبْطِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَالصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُقْرَأَ ( عَمْرٌو ) مَجْرُورًا مُنَوَّنًا ( وَابْنُ الْأَسْوَدِ ) بِنَصْبِ النُّونِ وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمِقْدَادِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ فَيُنْصَبُ ، وَلَيْسَ ( ابْنُ ) هَاهُنَا وَاقِعًا بَيْنَ عَلَمَيْنِ مُتَنَاسِلَيْنِ ; فَلِهَذَا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ كِتَابَتُهُ بِالْأَلِفِ . وَلَوْ قُرِئَ ابْنِ الْأَسْوَدِ بِجَرِّ ( ابْنٍ ) لَفَسَدَ الْمَعْنَى وَصَارَ عَمْرُو ابْنَ الْأَسْوَدِ . وَذَلِكَ غَلَطٌ صَرِيحٌ . وَلِهَذَا الِاسْمُ نَظَائِرٌ مِنْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ . كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرَ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ ابْنُ بُحَيْنَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ابْنُ مَاجَهْ ; فَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمُ الْأَبُ ابْنًا لِمَنْ بَعْدَهُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُكْتَبَ ( ابْنُ ) بِالْأَلِفِ وَأَنْ يُعْرَبَ بِإِعْرَابِ الِابْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَأُمُّ مَكْتُومٍ زَوْجَةُ عَمْرٍو ، وَسَلُولُ زَوْجَةُ أُبَيٍّ ، وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبُحَيْنَةُ زَوْجَةُ مَالِكٍ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ زَوْجَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَعُلَيَّةُ زَوْجَةُ إِبْرَاهِيمَ ، وَرَاهَوَيْهِ هُوَ إِبْرَاهِيمُ وَالِدُ إِسْحَاقَ ، وَكَذَلِكَ مَاجَهْ هُوَ يَزِيدُ فَهُمَا لَقَبَانِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَمُرَادُهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ تَعْرِيفُ الشَّخْصِ بِوَصْفَيْهِ لِيَكْمُلَ تَعْرِيفُهُ ; فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِأَحَدِ وَصْفَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَهُمَا لِيَتِمَّ التَّعْرِيفُ لِكُلِّ أَحَدٍ . وَقَدَّمَ هُنَا نِسْبَتَهُ إِلَى عَمْرٍو عَلَى نِسْبَتِهِ إِلَى الْأَسْوَدِ لِكَوْنِ عَمْرٍو هُوَ الْأَصْلَ ، وَهَذَا مِنَ الْمُسْتَحْسَنَاتِ النَّفِيسَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكَانَ الْمِقْدَادُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَةٌ مِنْهُمُ الْمِقْدَادُ . وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ يُكْنَى أَبَا الْأَسْوَدِ . وَقِيلَ : أَبَا عَمْرٍو ، وَقِيلَ : أَبَا مَعْبَدٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ ) فَذَلِكَ لِمُحَالَفَتِهِ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيَّ ; فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَسْوَدَ حَالَفَهُ أَيْضًا مَعَ تَبَنِّيهِ إِيَّاهُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي نَسَبِهِ : الْكِنْدِيُّ فَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَهْلَ النَّسَبِ قَالُوا : إِنَّهُ بَهْرَانِيٌّ صُلْبِيَّةٌ مِنْ بَهْرَاءَ بْنِ الْحَافِّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ ابْنُ قُضَاعَةَ لَا خِلَافَ بَيْنهمْ فِي هَذَا . وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ . وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ الْإِمَامَ الْحَافِظَ الْمِصْرِيَّ كَاتِبَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى قَالَ : إِنَّ وَالِدَ الْمِقْدَادِ حَالَفَ كِنْدَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهَا . وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ شَمَاسَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صُهَابَةَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَهْرِيِّ قَالَ : كُنْتُ صَاحِبَ الْمِقْدَادِ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ بَهْرَاءَ فَأَصَابَ فِيهِمْ دَمًا ، فَهَرَبَ إِلَى كِنْدَةَ فَحَالَفَهُمْ ، ثُمَّ أَصَابَ فِيهِمْ دَمًا فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ . فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى بَهْرَاءَ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ ، وَكَذَلِكَ إِلَى قُضَاعَةَ ، وَتَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى كِنْدَةَ لِحِلْفِهِ أَوْ لِحِلْفِ أَبِيهِ ، وَتَصِحُّ إِلَى زُهْرَةَ لِحِلْفِهِ مَعَ الْأَسْوَدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو ابْنَ الْأَسْوَدِ إِلَى قَوْلِهِ : أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ . . . فَأَعَادَ ( أَنَّهُ ) لِطُولِ الْكَلَامِ ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لَكَانَ صَحِيحًا بَلْ هُوَ الْأَصْلُ ، وَلَكِنْ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ جَازَ أَوْ حَسُنَ ذِكْرُهَا . وَنَظِيرُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ ، وَالْأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ . وَمِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ : أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ فَأَعَادَ ( أَنَّكُمْ ) لِلطُّولِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَأَعَادَ ( لَمَّا جَاءَهُمْ ) وَقَدْ قَدَّمْنَا نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( عَدِيُّ بْنُ الْخِيَارِ ) فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ .

وَأَمَّا ( عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ ) فَبِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبَعْدَهَا دَالٌ ثُمَّ عَيْنٌ مُهْمَلَتَانِ ، وَتُفْتَحُ الدَّالُ وَتُضَمُّ لُغَتَانِ . وَجُنْدَعٌ بَطْنٌ مِنْ لَيْثٍ فَلِهَذَا قَالَ : اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ ، فَبَدَأَ بِالْعَامِّ وَهُوَ لَيْثٌ ثُمَّ الْخَاصِّ وَهُوَ جُنْدَعٌ . وَلَوْ عَكَسَ هَذَا فَقِيلَ : الْجُنْدَعِيُّ اللَّيْثِيُّ لَكَانَ خَطَأً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ اللَّيْثِيُّ بَعْدَ الْجُنْدَعِيِّ ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ لَيْثًا بَطْنٌ مِنْ جُنْدَعٍ ، وَهُوَ خَطَأٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهَا وَهُوَ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ابْنُ شِهَابٍ وَعَطَاءٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا ; فَأَهْلُ اللُّغَةِ يَفْتَحُونَهَا وَيُلَحِّنُونَ مَنْ يَكْسِرَهَا ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا . وَكَذَلِكَ قَيَّدَهُ ابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُ . وَاسْمُ أَبِي ظَبْيَانَ حَصِينُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عَمْرٍو كُوفِيٌّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِينَ .

وَأَمَّا ( الْحُرَقَاتُ ) فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ .

وَأَمَّا ( الدَّوْرَقِيُّ ) فَتَقَدَّمَ مَرَّاتٍ . وَكَذَلِكَ ( أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ .




[ سـ :171 ... بـ :97]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدًا الْأَثْبَجَ ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ حَدَّثَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ فَقَالَ تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ إِنِّي أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّهُمْ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ قَالَ وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لِمَ قَتَلْتَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَتَلْتَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

أَمَّا ( خَالِدٌ الْأَثْبَجُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ جِيمٌ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَثْبَجُ : هُوَ عَرِيضُ الثَّبَجِ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْبَاءِ وَقِيلَ : نَاتِئُ الثَّبَجِ . وَالثَّبَجُ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ وَالظَّهْرِ . وَأَمَّا ( صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ ) فَبِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ . وَأَمَّا ( جُنْدُبٌ ) فَبِضَمِّ الدَّالِ . وَفَتْحِهَا . وَأَمَّا ( عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ ) فَبِعَيْنَيْنِ وَسِينَيْنِ مُهْمَلَاتٍ وَالْعَيْنَانِ مَفْتُوحَتَانِ وَالسِّينُ بَيْنَهُمَا سَاكِنَةٌ . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ( الِاسْتِيعَابِ ) : هُوَ بَصْرِيٌّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ : إِنَّ حَدِيثَهُ مُرْسَلٌ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ : حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ . وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّابِعِينَ . قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ . كُنْيَةُ ( عَسْعَسٍ ) أَبُو صُفْرَةَ وَهُوَ تَمِيمِيٌّ بَصْرِيٌّ وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا لُغَاتُ الْبَابِ وَمَا يُشْبِهُهَا فَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ ؟ ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ . وَفِي بَعْضِهَا أَرَأَيْتَ لَقِيتُ بِحَذْفِ ( إِنْ ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ .

وَقَوْلُهُ : ( لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ ) أَيِ اعْتَصَمَ مِنِّي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : قَالَهَا مُتَعَوِّذًا أَيْ مُعْتَصِمًا وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ .

قَوْلُهُ : ( أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِهِمَا ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ فِي حَدِيثِهِمَا بِفَاءٍ وَاحِدَةٍ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ : ( فَفِي ) حَدِيثِهِمَا بِفَاءَيْنِ . وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْجَيِّدُ . وَالْأَوَّلُ أَيْضًا جَائِزٌ فَإِنَّ الْفَاءَ فِي جَوَابِ ( أَمَّا ) يَلْزَمُ إِثْبَاتُهَا إِلَّا إِذَا كَانَ الْجَوَابُ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُهَا إِذَا حُذِفَ الْقَوْلُ ، وَهَذَا مِنْ ذَاكَ فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ فَقَالَا فِي حَدِيثِهِمَا كَذَا . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ . فَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ ؟ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لِأَقْتُلَهُ ) أَيْ مِلْتُ . يُقَالُ : هَوَيْتُ وَأَهْوَيْتُ . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟ ) الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ ، وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ بِاللِّسَانِ . وَقَالَ : أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ قَالَهَا الْقَلْبُ وَاعْتَقَدَهَا وَكَانَتْ فِيهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ بَلْ جَرَتْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ يَعْنِي وَأَنْتَ لَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى هَذَا فَاقْتَصِرْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ ، يَعْنِي وَلَا تَطْلُبْ غَيْرَهُ . وَقَوْلُهُ ( حَتَّى تَمَنَّيْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ ) مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامِي بَلِ ابْتَدَأْتُ الْآنَ الْإِسْلَامَ لِيَمْحُوَ عَنِّي مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ عِظَمِ مَا وَقَعَ فِيهِ .

وَقَوْلُهُ : ( فَقَالَ سَعْدٌ وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ ) أَمَّا ( سَعْدٌ ) فَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . وَأَمَّا ( ذُو الْبُطَيْنِ ) فَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ تَصْغِيرُ بَطْنٍ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : قِيلَ لِأُسَامَةَ ذُو الْبُطَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ بَطْنٌ عَظِيمٌ .

وَقَوْلُهُ : ( حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ : إِنِّي أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بَعْثًا ) .

قَوْلُهُ : ( حَسَرَ ) أَيْ كَشَفَ ، وَ ( الْبُرْنُسُ ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالنُّونِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هُوَ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مُلْتَصِقٌ بِهِ ، دُرَّاعَةً كَانَتْ أَوْ جُبَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ ) فَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ( بَعَثَ إِلَى عَسْعَسٍ فَقَالَ : اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهُ أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ ) ; فَيَحْتَمِلُ هَذَا الْكَلَامُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ ( لَا ) زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، بَلْ أَعِظُكُمْ وَأُحَدِّثُكُمْ بِكَلَامٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِي لَكِنِّي الْآنَ أَزِيدُكُمْ عَلَى مَا كُنْتُ نَوَيْتُهُ فَأُخْبِرُكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بَعْثًا ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ ( وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ مِنْ نُحَدَّثُ وَفَتْحِ الدَّالِ .

وَقَوْلُهُ ( فَلَمَّا رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيْفُ ) كَذَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ ( رَجَعَ ) بِالْجِيمِ وَفِي بَعْضِهَا ( رَفَعَ ) بِالْفَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالسَّيْفُ مَنْصُوبٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَرَفَعَ لِتَعَدِّيهِ وَرَجَعَ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ رَجَعَ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُتَعَدِّي . وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ فِي إِسْنَادِ بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا : أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَهَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَادُ فِي رِوَايَةِ الْجُلُودِيِّ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَلَمْ يَقَعْ هَذَا الْإِسْنَادُ عِنْدَ ابْنِ مَاهَانَ يَعْنِي رَفِيقًا الْجُلُودِيَّ . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ : هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنِ الْوَلِيدِ لِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ . قَالَ : وَفِيهِ خِلَافٌ عَلَى الْوَلِيدِ وَعَلَى الْأَوْزَاعِيِّ . وَقَدْ بَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ ( الْعِلَلِ ) الْخِلَافَ فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَرْوِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ . وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ ، عَنِ الْمِقْدَادِ ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ . وَاخْتُلِفَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ الْوَلِيدُ الْقُرَشِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَطَاءً وَأَسْقَطَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُرَّةَ وَخَالَفَهُ عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ فَرَوَاهُ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُرَّةَ ، وَجَعَلَ مَكَانَ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ . وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ : الصَّحِيحُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَمَعْمَرٍ وَيُونُسَ وَابْنِ جُرَيْجٍ ، وَتَابَعَهُمْ صَالِحُ ابْنُ كَيْسَانَ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . قُلْتُ : وَحَاصِلُ هَذَا الْخِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ وَمَعْمَرٍ وَيُونُسَ وَابْنِ جُرَيْجٍ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهَا . وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ هِيَ الْمُسْتَقِلَّةُ بِالْعَمَلِ وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ . وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ فَذَكَرَهَا مُتَابَعَةً ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُتَابَعَاتِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا فِيهِ نَوْعُ ضَعْفٍ لِكَوْنِهَا لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهَا إِنَّمَا هِيَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِئْنَاسِ ; فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَابَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ أَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَكْثَرَ اسْتِدْرَاكَاتِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا النَّحْوِ . لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْمُتُونِ . وَقَدَّمْنَا أَيْضًا فِي الْفُصُولِ اعْتِذَارَ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ نَحْوِ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيثِ وَفِقْهُهَا فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ( لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ فِي مَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ ) ، اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَظْهَرَهُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ ، مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا كُنْتَ أَنْتَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ . وَإِنَّكَ بَعْدَ قَتْلِهِ غَيْرُ مَعْصُومِ الدَّمِ ، وَلَا مُحَرَّمُ الْقَتْلِ كَمَا كَانَ هُوَ قَبْلَ قَوْلِهِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ : يَعْنِي لَوْلَا عُذْرُكَ بِالتَّأْوِيلِ الْمُسْقِطِ لِلْقِصَاصِ عَنْكَ . قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّكَ مِثْلَهُ فِي مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَارْتِكَابِ الْإِثْمِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الْمُخَالَفَةِ وَالْإِثْمِ فَيُسَمَّى إِثْمُهُ كُفْرًا وَإِثْمُكَ مَعْصِيَةً وَفِسْقًا . وَأَمَّا كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ عَلَى أُسَامَةَ قِصَاصًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِإِسْقَاطِ الْجَمِيعِ ، وَلَكِنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ ، وَالْقِصَاصُ سَاقِطٌ لِلشُّبْهَةِ ; فَإِنَّهُ ظَنَّهُ كَافِرًا وَظَنَّ أَنَّ إِظْهَارَهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ فِي هَذَا الْحَالِ لَا يَجْعَلُهُ مُسْلِمًا . وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ . وَيُجَابُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ هِيَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ . وَأَمَّا الدِّيَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعْسِرًا بِهَا فَأُخِّرَتْ إِلَى يَسَارِهِ .

وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جَمْعِ النَّفَرِ وَوَعْظِهِمْ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَالرَّجُلِ الْعَظِيمِ الْمُطَاعِ وَذِي الشُّهْرَةِ أَنْ يُسَكِّنَ النَّاسَ عِنْدَ الْفِتَنِ وَيَعِظَهُمْ وَيُوَضِّحَ لَهُمُ الدَّلَائِلَ . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ .

وَأَمَّا قَوْلُ أُسَامَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي : يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ ؟ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ ، فَدَعَاهُ يَعْنِي أُسَامَةَ ، فَسَأَلَهُ ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ أُسَامَةَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بَعْدَ قَتْلِهِ ، وَنَوَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ فَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ مَقْدَمِ أُسَامَةَ ، وَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا بَعْدَ قُدُومِهِمْ فَسَأَلَ أُسَامَةَ فَذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ : ( فَذَكَرْتُهُ ) مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ تَقَدُّمِ عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .