فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى

باب مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى وَهَلْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ
[ سـ :288 ... بـ :175]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ رَأَى جِبْرِيلَ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ : رَأَى جِبْرِيلَ ) وَهَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ : قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : الْمُرَادُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رَأَى رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَعَلَى هَذَا مَعْنَى نَزْلَةً أُخْرَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَتْ لَهُ عَرَجَاتٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِاسْتِحْطَاطِ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ فَكُلُّ عَرْجَةٍ نَزْلَةٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَبِي جَهْمَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ : رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ : رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَرَّتَيْنِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَتَيْنِ وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا بِالْفُؤَادِ أَمْ بِالْعَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ الْأَعْمَشُ وَزِيَادٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَاسْمُ الْأَعْمَشِ ( سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ ، وَ ( جَهْمَةُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ ، وَاسْمُ أَبِي الْعَالِيَةِ ( رُفَيْعٌ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :290 ... بـ :176]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَبِي جَهْمَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو جَهْمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَوْلُهُ : ( أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ ) هِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ الْكَذِبُ ، يُقَالُ : فَرِيَ الشَّيْءَ يَفْرِيهُ فَرْيًا وَافْتَرَاهُ يَفْتَرِيهِ افْتِرَاءً إِذَا اخْتَلَقَهُ ، وَجَمْعُ الْفِرْيَةِ فِرًى .

قَوْلُهُ ( أَنْظِرِينِي ) أَيْ : أَمْهِلِينِي .

قَوْلُهُ : ( عَنْ مَسْرُوقٍ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : ( أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا ) ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ أَيْضًا : ( وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ثُمَّ قَالَتْ : وَاللَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ : قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ هَذَا كُلُّهُ تَصْرِيحٌ مِنْ عَائِشَةَ وَمَسْرُوقٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِجَوَازِ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ، وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ التَّابِعِيُّ . فَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ مُطَرِّفٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافَ مَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا اسْتَعْمَلَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَنْ فِي عَصْرِهَا وَبَعْدَهَا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَيْسَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ حُجَّةٌ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنَ النُّصُوصِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهَا : ( أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : مَا كَانَ لِبَشَرٍ ) فَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ ( مَا كَانَ ) بِحَذْفِ الْوَاوِ وَالتِّلَاوَةُ وَمَا كَانَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ ; وَلَكِنْ لَا يَضُرُّ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَيْسَ مَقْصُودَهُ التِّلَاوَةُ عَلَى وَجْهِهَا . وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ بَيَانُ مَوْضِعِ الدَّلَالَةِ ، وَلَا يُؤَثِّرُ حَذْفُ الْوَاوِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْهَا قَوْلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتِّلَاوَةُ بِالْوَاوِ فِيهِمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( مَسْرُوقٌ ) فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ : سُمِّيَ مَسْرُوقًا ; لِأَنَّهُ سَرَقَهُ إِنْسَانٌ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ وُجِدَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ) وَهُوَ صَحِيحٌ وَأَمَّا ( عِظَمُ خَلْقِهِ ) فَضُبِطَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الظَّاءِ ، وَالثَّانِي : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الظَّاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

قَوْلُهُ : ( سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؟ فَقَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي لِمَا قُلْتَ ) أَمَّا قَوْلُهَا : ( سُبْحَانَ اللَّهِ ) ، فَمَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ مِنْ جَهْلِ مِثْلِ هَذَا ، وَكَأَنَّهَا تَقُولُ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْكَ مِثْلُ هَذَا ؟ وَلَفْظَةُ ( سُبْحَانَ اللَّهِ ) لِإِرَادَةِ التَّعَجُّبِ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ ، وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَجُّبِ أَبُو بَكْرِ بْنُ السَّرَّاجِ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي التَّعَجُّبِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : ( قَفَّ شَعَرِي ) فَمَعْنَاهُ : قَامَ شَعَرِي مِنَ الْفَزَعِ لِكَوْنِي سَمِعْتُ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ، قَالَابْنُ الْأَعَرَابِيِّ . تَقُولُ الْعَرَبُ عِنْدَ إِنْكَارِ الشَّيْءِ : قَفَّ شَعَرِي ، وَاقْشَعَرَّ جِلْدِي ، وَاشْمَأَزَّتْ نَفْسِي ، قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ : الْقَفُّ كَهَيْئَةِ الْقُشَعْرِيرَةِ ، وَأَصْلُهُ التَّقَبُّضُ وَالِاجْتِمَاعُ ; لِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقَبِضُ عِنْدَ الْفَزَعِ وَالِاسْتِهْوَالِ ، فَيَقُومُ الشَّعْرُ لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْقُفَّةُ الَّتِي هِيَ الزِّنْبِيلُ لِاجْتِمَاعِهَا وَلِمَا يَجْتَمِعُ فِيهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :291 ... بـ :177]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ قُلْتُ مَا هُنَّ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ قَالَ وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَتْ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ قَالَتْ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ قَالَتْ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَزَادَ قَالَتْ وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي لِمَا قُلْتَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ وَحَدِيثُ دَاوُدَ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ

قَوْلُ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ ) هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ وَابْنُ نُمَيْرٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو أُسَامَةَ اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ ، وَزَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ . وَاسْمُ أَبِي زَائِدَةَ خَالِدُ بْنُ مَيْمُونٍ ، ، وَقِيلَ : هُبَيْرَةُ : وَابْنُ أَشْوَعَ هُوَ سَعْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشْوَعَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ .

قَوْلُهُ : ( قُلْتُ لِعَائِشَةَ ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى فَقَالَتْ : إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ : مَعْنَى التَّدَلِّي الِامْتِدَادُ إِلَى جِهَةِ السُّفْلِ هَكَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْبِ مِنَ الْعُلُوِّ ، هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ ، وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا لِأَنَّ التَّدَلِّيَ سَبَبُ الدُّنُوِّ ، قَالَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : تَدَلَّى إِذَا قَرُبَ بَعْدَ عُلُوٍّ ، قَالَ الْكَلْبِيُّ : الْمَعْنَى دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرُبَ مِنْهُ ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ : ثُمَّ دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَالْقَابُ مَا بَيْنَ الْقَبْضَةِ وَالسِّيَةِ وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابَانِ ، وَالْقَابُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا : الْقَدْرُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَالْمُرَادُ الْقَوْسُ الَّتِي يُرْمَى عَنْهَا وَهِيَ الْقَوْسُ الْعَرَبِيَّةُ ، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ عَلَى عَادَتِهِمْ ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْسِ الذِّرَاعُ ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَشَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْقَوْسِ مَا يُقَاسَ بِهِ الشَّيْءُ ، أَيْ : يُذْرَعُ . قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ : هَذِهِ الْمَسَافَةُ كَانَتْ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : أَوْ أَدْنَى مَعْنَاهُ أَوْ أَقْرَبُ ، قَالَ مُقَاتِلٌ : بَلْ أَقْرَبُ ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ : خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ عَلَى لُغَتِهِمْ وَمِقْدَارِ فَهْمِهِمُ الْمَعْنَى : أَوْ أَدْنَى فِيمَا تُقَدِّرُونَ أَنْتُمْ ، وَاللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ، وَلَكِنَّهُ خَاطَبَنَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُنَا ، وَمَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ عِظَمِ خَلْقِهِ وَكَثْرَةِ أَجْزَائِهِ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الدُّنُوُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :292 ... بـ :177]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ ابْنِ أَشْوَعَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْله ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى قَالَتْ إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ ؟ فَقَالَ : نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( رَأَيْتُ نُورًا ) أَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ) فَهُوَ بِتَنْوِينِ نُورٍ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِي ( أَنَّى ) وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِهَا ، وَ ( أَرَاهُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ : حِجَابُهُ نُورٌ فَكَيْفَ أَرَاهُ ؟ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : الضَّمِيرُ فِي ( أَرَاهُ ) عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النُّورَ مَنَعَنِي مِنَ الرُّؤْيَةِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِغْشَاءِ الْأَنْوَارِ الْأَبْصَارَ ، وَمَنْعِهَا مِنْ إِدْرَاكِ مَا حَالَتْ بَيْنَ الرَّائِي وَبَيْنَهُ .