فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا

باب أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا
[ سـ :307 ... بـ :188]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ فَقَالَ أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَزَادَ فِيهِ وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ سَلْ كَذَا وَكَذَا فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ قَالَ ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولَانِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ قَالَ فَيَقُولُ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ الْأَشْعَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ ، وَاسْمُهُ : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ أَبْجَرَ ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ ، وَقَدْ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي فَقَالَ : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ أَبْجَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( سَمِعْتُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ أَبْجَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سُفْيَانُ : رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا أَرَاهُ ابْنُ أَبْجَرَ قَالَ : سَأَلَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ قَوْلَهُمْ : رِوَايَةً أَوْ يَرْفَعُهُ أَوْ يُنْمِيهِ أَوْ يَبْلُغُ بِهِ ، كُلُّهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِإِضَافَةِ الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ . فَقَوْلُهُ : ( رِوَايَةً ) مَعْنَاهُ : قَالَ : قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَيَّنَهُ هُنَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) فَلَا يَضُرُّهُ هَذَا الشَّكُّ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ .

أَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ : ( رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ أَحَدَهُمَا رَفَعَهُ وَأَضَافَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرَ وَقَفَهُ عَلَى الْمُغِيرَةِ فَقَالَ : عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ : سَأَلَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَالضَّمِيرُ فِي ( أَحَدِهِمَا ) يَعُودُ عَلَى مُطَرِّفٍ وَابْنِ أَبْجَرَ شَيْخَيْ سُفْيَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : سَأَلَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَالَ الْآخَرُ : عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ : سَأَلَ مُوسَى ، ثُمَّ إِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ : أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَرُوِيَ مَوْقُوفًا فَالْحُكْمُ لِلْمَوْصُولِ وَالْمَرْفُوعِ ; لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ أَصْحَابِ فَنُونِ الْعُلُومِ ، فَلَا يَقْدَحُ اخْتِلَافُهُمْ هَاهُنَا فِي رَفْعِ الْحَدِيثِ وَوَقْفِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ مَرْفُوعًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( مَا أَدْنَى ) وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَمَعْنَاهُ : مَا صِفَةُ أَوْ مَا عَلَامَةُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَالضَّمُّ أَشْهَرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ؟ ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ ، قَالَ الْقَاضِي : هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ كَرَامَةِ مَوْلَاهُمْ وَحَصَّلُوهُ ، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ : قَصَدُوا مَنَازِلَهُمْ قَالَ ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ) أَمَّا ( أَرَدْتُ ) فَبِضَمِّ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ : اخْتَرْتُ وَاصْطَفَيْتُ .

وَأَمَّا ( غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ) . . . إِلَى آخِرِهِ فَمَعْنَاهُ : اصْطَفَيْتُهُمْ وَتَوَلَّيْتُهُمْ ، فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَى كَرَامَتِهِمْ تَغْيِيرٌ ، وَفِي آخِرِ الْكَلَامِ حَذْفٌ اخْتُصِرَ لِلْعِلْمِ بِهِ تَقْدِيرُهُ : وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مَا أَكْرَمْتُهُمْ بِهِ وَأَعْدَدْتُهُ لَهُمْ ، وَقَوْلُهُ : ( وَمِصْدَاقُهُ ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ : دَلِيلُهُ وَمَا يُصَدِّقُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ أَخَسِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا السِّينُ الْمُشَدَّدَةُ ، وَهَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَمَعْنَاهُ أَدْنَاهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .




[ سـ :308 ... بـ :189]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ أَبْجَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يُخْبِرُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ أَبْجَرَ سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا أُرَاهُ ابْنَ أَبْجَرَ قَالَ سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ قَالَ رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الْآيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَخَسِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْهَا حَظًّا وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ

قَوْلُهُ : ( عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ .




[ سـ :309 ... بـ :190]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ فَقَالَ : نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ قَالَ : فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا إِلَى آخِرِهِ ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَاتَّفَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَتَغْيِيرٌ وَاخْتِلَاطٌ فِي اللَّفْظِ . قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِهِ ( الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ ) : هَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ تَخْلِيطٌ مِنْ أَحَدِ النَّاسِخِينَ أَوْ كَيْفَ كَانَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هَذِهِ صُورَةُ الْحَدِيثِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ، وَفِيهِ تَغْيِيرٌ كَثِيرٌ وَتَصْحِيفٌ قَالَ : وَصَوَابُهُ : ( نَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْمٍ ) هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى تَلٍّ وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ ) وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَيَرْقَى هُوَ يَعْنِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتُهُ عَلَى كَوْمٍ فَوْقَ النَّاسِ ، وَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ ) قَالَ الْقَاضِي : فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ مَا تَغَيَّرَ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ كَانَ أَظْلَمَ هَذَا الْحَرْفُ عَلَى الرَّاوِي أَوْ أُمْحِيَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ : أَيْ : فَوْقَ النَّاسِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ انْظُرْ تَنْبِيهًا فَجَمَعَ النَّقَلَةُ الْكُلَّ وَنَسَّقُوهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ كَمَا تَرَاهُ ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْقَاضِي : ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ جَاءَ كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ إِذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَأَدْخَلَهُ فِي الْمُسْنَدِ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ ، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ يَرْفَعُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ : يَضْحَكُ " قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : فَيُنْطَلَقُ بِهِمْ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِخْرَاجِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ ، وَذَكَرَ إِسْنَادَهُ وَسَمَاعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى بَعْضِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا مَعْنَى الضَّحِكِ . وَأَمَّا التَّجَلِّي فَهُوَ الظُّهُورُ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنَ الرُّؤْيَةِ ، وَمَعْنَى ( يَتَجَلَّى يَضْحَكُ ) أَيْ : يَظْهَرُ وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ) رُوِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَهُمَا صَحِيحَانِ مَعْنَاهُمَا ظَاهِرٌ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَفِي أَكْثَرِهَا الْمُؤْمِنِينَ ) بِالْيَاءِ .

قَوْلُهُ ( أَوَّلُ زُمْرَةٍ ) أَيْ : جَمَاعَةٍ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا ( نَبَاتَ الشَّيْءِ ) ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ، وَعَنْ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ ( نَبَاتَ الدِّمْنِ ) يَعْنِي بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَوْجُودَةُ فِي ( الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ ) لِعَبْدِ الْحَقِّ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ ( نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ) ، وَأَمَّا نَبَاتُ الدِّمْنِ فَمَعْنَاهَا أَيْضًا كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الدِّمْنَ الْبَعْرُ ، وَالتَّقْدِيرُ : نَبَاتَ ذِي الدِّمْنِ فِي السَّيْلِ ، أَيْ كَمَا يَنْبُتُ الشَّيْءُ الْحَاصِلُ فِي الْبَعْرِ وَالْغُثَاءِ الْمَوْجُودِ فِي أَطْرَافِ النَّهَرِ ، وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ بِهِ فِي السُّرْعَةِ وَالنَّضَارَةِ ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ ( الْمَطَالِعِ ) إِلَى تَصْحِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَلَكِنْ لَمْ يُنَقِّحِ الْكَلَامَ فِي تَحْقِيقِهَا ; بَلْ قَالَ : عِنْدِي أَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَمَعْنَاهُ سُرْعَةُ نَبَاتِ الدِّمْنِ مَعَ ضَعْفِ مَا يَنْبُتُ فِيهِ وَحُسْنِ مَنْظَرِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ) فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( حُرَاقِهِ ) يَعُودُ عَلَى الْمُخْرَجِ مِنَ النَّارِ وَعَلَيْهِ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ ، وَمَعْنَى ( حُرَاقِهِ ) أَثَرُ النَّارِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :310 ... بـ :191]
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحٍ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْوُرُودِ فَقَالَ نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ قَالَ فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ مَنْ تَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ نَنْظُرُ رَبَّنَا فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ قَالَ فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي السَّيْلِ وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْمَكِّيُّ أَبُو عُثْمَانَ قِيلَ لَهُ : ( الْفَقِيرُ ) ; لِأَنَّهُ أُصِيبَ فِي فَقَارِ ظَهْرِهِ فَكَانَ يَأْلَمُ مِنْهُ حَتَّى يَنْحَنِيَ لَهُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( حَتَّى يَدْخُلُونَ ) بِالنُّونِ وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَهِيَ لُغَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا ، وَأَمَّا ( دَارَاتِ الْوُجُوهِ ) فَهِيَ : جَمْعُ دَارَةٍ وَهِيَ مَا يُحِيطُ بِالْوَجْهِ مِنْ جَوَانِبِهِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ دَارَةَ الْوَجْهِ ; لِكَوْنِهَا مَحَلَّ السُّجُودِ ، وَوَقَعَ هُنَا ( إِلَّا دَارَاتِ الْوُجُوهِ ) ، وَسَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ( إِلَّا مَوَاضِعَ السُّجُودِ ) وَسَبَقَ هُنَاكَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :313 ... بـ :191]
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

قَوْلُهُ : ( كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مَنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ، وَالرِّوَايَاتِ ( شَغَفَنِي ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : أَنَّهُ رُوِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ . وَمَعْنَاهُ : لَصِقَ بِشَغَافِ قَلْبِي وَهُوَ غِلَافُهُ ، وَأَمَّا رَأْيُ الْخَوَارِجِ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ : أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ دَخَلَهَا .

قَوْلُهُ : ( فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ ) مَعْنَاهُ : خَرَجْنَا مِنْ بِلَادِنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ لِنَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ مُظْهِرِينَ مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ وَنَحُثُّ عَلَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ) ( زَعَمَ ) هُنَا بِمَعْنَى : قَالَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ إِيضَاحُهَا وَنَقْلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ ) هُوَ بِالسِّينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ : الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ ، وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ ، وَهُوَ جَمْعُ سِمْسِمٍ ، وَهُوَ هَذَا السِّمْسِمُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو السَّعَادَاتِ الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : مَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ السَّمَاسِمَ جَمْعُ سِمْسِمٍ ، وَعِيدَانُهُ تَرَاهَا إِذَا قُلِعَتْ وَتُرِكَتْ فِي الشَّمْسِ لِيُؤْخَذُ حَبُّهَا دِقَاقًا سُودًا كَأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ ، فَشَبَّهَ بِهَا هَؤُلَاءِ . قَالَ : وَطَالَمَا طَلَبْتُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَسَأَلْتُ عَنْهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَافِيًا ، قَالَ : وَمَا أَشْبَهَ أَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ مُحَرَّفَةً وَرُبَّمَا كَانَتْ عِيدَانُ ( السَّاسَمِ ) وَهُوَ خَشَبٌ أَسْوَدُ كَالْآبَنُوسِ ، هَذَا كَلَامُ أَبِي السَّعَادَاتِ ( وَالسَّاسَمُ ) الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِحَذْفِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الثَّانِيَةِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ . وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ : لَا يُعْرَفُ مَعْنَى السَّمَاسِمِ هُنَا قَالَ : وَلَعَلَّ صَوَابَهُ ( عِيدَانُ السَّاسَمِ ) وَهُوَ أَشْبَهُ ، وَهُوَ عُودٌ أَسْوَدُ وَقِيلَ : هُوَ الْآبَنُوسُ . وَأَمَّا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فَقَالَ : قَالَ بَعْضُهُمْ : ( السَّمَاسِمُ ) كُلُّ نَبْتٍ ضَعِيفٍ كَالسِّمْسِمِ وَالْكُزْبَرَةِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : لَعَلَّهُ ( السَّأْسَمُ ) مَهْمُوزٌ وَهُوَ الْآبَنُوسُ ، شَبَّهَهُمْ بِهِ فِي سَوَادِهِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا قَالُوهُ فِيهِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ السِّمْسِمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَهُ أَبُو السَّعَادَاتِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ ( كَأَنَّهَا ) عِيدَانُ السَّمَاسِمِ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ ، وَالصَّحِيحُ الْمَوْجُودُ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ وَالْكُتُبِ ( كَأَنَّهُمْ ) بِمِيمٍ بَعْدَ الْهَاءِ ، وَلِلْأَوَّلِ أَيْضًا وَجْهٌ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي ( كَأَنَّهَا ) عَائِدٌ عَلَى الصُّوَرِ أَيْ : كَأَنَّ صُوَرَهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ ) الْقَرَاطِيسُ : جَمْعُ قِرْطَاسٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ ، وَهُوَ : الصَّحِيفَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا ، شَبَّهَهُمْ بِالْقَرَاطِيسِ لِشِدَّةِ بَيَاضِهِمْ بَعْدَ اغْتِسَالِهِمْ وَزَوَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّوَادِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَقُلْنَا وَيْحَكُمْ ؟ . أَتَرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) يَعْنِي بِالشَّيْخِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَجَحْدٍ أَيْ : لَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ بِلَا شَكٍّ .

قَوْلُهُ : ( فَرَجَعْنَا فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ) مَعْنَاهُ : رَجَعْنَا مِنْ حَجِّنَا وَلَمْ نَتَعَرَّضْ لِرَأْيِ الْخَوَارِجِ ، بَلْ كَفَفْنَا عَنْهُ وَتُبْنَا مِنْهُ إِلَّا رَجُلًا مِنَّا فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقنَا فِي الِانْكِفَافِ عَنْهُ .

قَوْلُهُ : ( أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ) الْمُرَادُ بِأَبِي نُعَيْمٍ : الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ ، وَهُوَ شَيْخُ شَيْخِ مُسْلِمٍ ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَدَبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ آدَابِ الرُّوَاةِ ، وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّاوِي إِذَا رَوَى بِالْمَعْنَى أَنْ يَقُولَ عَقِبَ رِوَايَتِهِ : أَوْ كَمَا قَالَ ، احْتِيَاطًا وَخَوْفًا مِنْ تَغْيِيرٍ حَصَلَ .




[ سـ :314 ... بـ :191]
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ قَالَ فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ وَاللَّهُ يَقُولُ إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ قَالَ فَقَالَ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ قَالَ ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ قَالَ وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا قَالَ يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ قَالَ فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ فَرَجَعْنَا قُلْنَا وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعْنَا فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ . أَمَّا ( هَدَّابٌ ) : فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا : ( هُدْبَةُ ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ فَأَحَدُهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ . وَأَمَّا ( أَبُو عِمْرَانَ ) فَهُوَ الْجُونِيِّ وَاسْمُهُ : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ . وَأَمَّا ثَابِتٌ فَهُوَ الْبُنَانِيُّ .




[ سـ :315 ... بـ :192]
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلَا تُعِدْنِي فِيهَا فَيُنْجِيهِ اللَّهُ مِنْهَا

قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ : ( الْجَحْدَرِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ، مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ اسْمُهُ : جَحْدَرٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ .

قَوْلُهُ : ( مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى ( غُبَرَ ) جَدِّ الْقَبِيلَةِ تَقَدَّمَ أَيْضًا بَيَانُهُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( فَيُلْهَمُونَ ) مَعْنَى اللَّفْظَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ ، فَمَعْنَى الْأُولَى : أَنَّهُمْ يَعْتَنُونَ بِسُؤَالِ الشَّفَاعَةِ وَزَوَالِ الْكَرْبِ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْهِمهُمْ سُؤَالَ ذَلِكَ ، وَالْإِلْهَامُ ، أَنْ يُلْقِيَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ أَمْرًا يُحْمَلُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ ( أَنَّهُمْ يَأْتُونَ آدَمَ وَنُوحًا وَبَاقِيَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَيَطْلُبُونَ شَفَاعَتَهُمْ فَيَقُولُونَ : لَسْنَا هُنَاكُمْ ، وَيَذْكُرُونَ خَطَايَاهُمْ إِلَى آخِرِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْمَعَاصِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مَقَاصِدَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : لَا خِلَافَ أَنَّ الْكُفْرَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لَيْسَ بِجَائِزٍ بَلْ هُمْ مَعْصُومُونَ مِنْهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كُلِّ كَبِيرَةٍ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ أَوِ الشَّرْعِ ؟ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَنْ مَعَهُ : ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مِنْ مُقْتَضَى دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ : ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ ، وَذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ ، كَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبْلَاغَ فِي الْقَوْلِ فَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبْلَاغَ فِي الْفِعْلِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْعِصْمَةِ فِيهِ رَأْسًا وَأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْمُظَفَّرِ الْإِسْفَرَايِنِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَشَايِخِ الْمُتَصَوِّفَةِ ، وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَوُقُوعِهِ مِنْهُمْ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ إِمَّا فِي الْحِينِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَإِمَّا قَبْلَ وَفَاتِهِمْ - عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ - لِيَسُنُّوا حُكْمَ ذَلِكَ وَيُبَيِّنُوهُ قَبْلَ انْخِرَامِ مُدَّتِهِمْ ، وَلِيَصِحَّ تَبْلِيغُهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ، وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِهَا وَتَحُطُّ مَنْزِلَتَهُ وَتُسْقِطُ مُرُوءَتَهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ غَيْرِهَا مِنَ الصَّغَائِرِ مِنْهُمْ ، فَذَهَبَ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ وَحُجَّتُهُمْ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالنَّظَرِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتنَا إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ كَعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَأَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ يَجِلُّ عَنْ مُوَاقَعَتِهَا وَعَنْ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَمْدًا ، وَتَكَلَّمُوا عَلَى الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَتَأَوَّلُوهَا ، وَأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنْهُمْ عَلَى تَأْوِيلٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ مِنْ إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَشْيَاءَ أَشْفَقُوا مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا وَأَشْيَاءَ مِنْهُمْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الْحَقُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمْنَا الِاقْتِدَاءُ بِأَفْعَالِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ وَكَثِيرٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ ، وَلَا خِلَافَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ : هَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ أَوِ التَّفْرِيقِ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ أَوْ غَيْرِهَا ؟ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِنَا ( الشِّفَاءُ ) وَبَلَغْنَا فِيهِ الْمَبْلَغَ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَى الظَّوَاهِرِ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ ، وَلَا يَهُولُكَ أَنْ نَسَبَ قَوْمٌ هَذَا الْمَذْهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَطَوَائِفَ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ إِذْ مَنْزِعُهُمْ فِيهِ مَنْزِعٌ آخَرُ مِنَ التَّكْفِيرِ بِالصَّغَائِرِ ، وَنَحْنُ نَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ . وَانْظُرْ هَذِهِ الْخَطَايَا الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَكْلِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الشَّجَرَةِ نَاسِيًا ، وَمِنْ دَعْوَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ ، وَقَتْلِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَافِرَ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ ، وَمُدَافَعَةِ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُفَّارَ بِقَوْلٍ عَرَّضَ بِهِ هُوَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ صَادِقٍ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لَيْسَتْ بِذُنُوبٍ ، لَكِنَّهُمْ أَشْفَقُوا مِنْهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَتَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِيهَا لِقَدْرِ مَنْزِلَتِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فِي آدَمَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ) هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ التَّشْرِيفِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَسْتَ هُنَاكُمْ ) مَعْنَاهُ لَسْتَ أَهْلًا لِذَلِكَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ : قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ إِدْرِيسَ جَدُّ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّ إِدْرِيسَ أُرْسِلَ أَيْضًا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ النَّسَّابِينَ أَنَّهُ قَبْلَ نُوحٍ لِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ آدَمَ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ جَازَ مَا قَالُوهُ ، وَصَحَّ أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ نَبِيًّا غَيْرَ مُرْسَلٍ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَدْ قِيلَ إِنَّ إِدْرِيسَ هُوَ إِلْيَاسُ وَأَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، فَإِنْ كَانَ هَكَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ . قَالَ الْقَاضِي : وَبِمِثْلِ هَذَا يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ بِآدَمَ وَشِيثَ وَرِسَالَتِهِمَا إِلَى مَنْ مَعَهُمَا وَإِنْ كَانَا رَسُولَيْنِ فَإِنَّ آدَمَ إِنَّمَا أُرْسِلَ لِبَنِيهِ وَلَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا بَلْ أُمِرَ بِتَعْلِيمِهِمُ الْإِيمَانَ وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ خَلَفَهُ شِيثٌ بَعْدَهُ فِيهِمْ بِخِلَافِ رِسَالَةِ نُوحٍ إِلَى كُفَّارِ أَهْلِ الْأَرْضِ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ بَطَّالٍ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ آدَمَ لَيْسَ بِرَسُولٍ ، لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلُ يَنُصُّ عَلَى أَنَّ آدَمَ وَإِدْرِيسَ رَسُولَانِ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : أَصْلُ الْخَلَّةِ الِاخْتِصَاصُ وَالِاسْتِصْفَاءُ ، وَقِيلَ : أَصْلُهَا الِانْقِطَاعُ إِلَى مَنْ خَالَلْتَ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلَّةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ ، فَسُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَصَرَ حَاجَتَهُ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . وَقِيلَ : ( الْخَلَّةُ ) صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ الَّتِي تُوجِبُ تَخَلُّلَ الْأَسْرَارِ . وَقِيلَ مَعْنَاهَا : الْمَحَبَّةُ وَالْإِلْطَافُ . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الْخَلِيلُ : مَعْنَاهُ الْمُحِبُّ الْكَامِلُ الْمَحَبَّةِ ، وَالْمَحْبُوبُ : الْمُوَفِّي بِحَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ اللَّذَانِ لَيْسَ فِي حُبِّهِمَا نَقْصٌ وَلَا خَلَلٌ ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ : هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الِاخْتِيَارُ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْخَلَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَاجَةُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ : لَسْتُ هُنَاكُمْ ، أَوْ لَسْتُ لَهَا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هَذَا يَقُولُونَهُ تَوَاضُعًا وَإِكْبَارًا لِمَا يَسْأَلُونَهُ . قَالَ : وَقَدْ تَكُونُ إِشَارَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ وَهَذَا الْمَقَامَ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى صَاحِبِهِ ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ صَاحِبَهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَيَّنًا وَتَكُونُ إِحَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ عَلَى تَدْرِيجِ الشَّفَاعَةِ فِي ذَلِكَ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : وَفِيهِ تَقْدِيمُ ذَوِي الْأَسْنَانِ وَالْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَهَا بَالٌ ، قَالَ : وَأَمَّا مُبَادَرَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ إِجَابَتَهُ لِدَعْوَتِهِمْ فَلِتَحَقُّقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ وَالْمَقَامَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي .

وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَهُمْ سُؤَالَ آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَلَمْ يُلْهَمُوا سُؤَالَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِظْهَارُ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَإِنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّ غَيْرَهُ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا وَيُحَصِّلُهُ ، وَأَمَّا إِذَا سَأَلُوا غَيْرَهُ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَصْفِيَائِهِ فَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَجَابَ وَحَصَلَ غَرَضُهُمْ ; فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي ارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ وَكَمَالِ الْقُرْبِ وَعَظِيمِ الْإِدْلَالِ وَالْأُنْسِ .

وَفِيهِ تَفْضِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الرُّسُلِ وَالْآدَمِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ ; فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا ) هَذَا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى حَقِيقَةً كَلَامًا سَمِعَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَلِهَذَا أُكِّدَ بِالْمَصْدَرِ ، وَالْكَلَامُ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُشْبِهُ كَلَامَ غَيْرِهِ .

قَوْلُهُ فِي عِيسَى : ( رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ائْتُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدًا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ) هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ . قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : الْمُتَقَدِّمُ مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَالْمُتَأَخِّرُ عِصْمَتُكَ بَعْدَهَا ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ ذُنُوبُ أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قُلْتُ : فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ الْغُفْرَانَ لِبَعْضِهِمْ أَوْ سَلَامَتَهُمْ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَهْوٍ وَتَأْوِيلٍ حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقُشَيْرِيُّ ، وَقِيلَ : مَا تَقَدَّمَ لِأَبِيكَ آدَمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَكَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِذَنْبٍ لَوْ كَانَ . وَقِيلَ : هُوَ تَنْزِيهٌ لَهُ مِنَ الذُّنُوبِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : مَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ الْمَوْعُودِ بِهَا وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي ادَّخَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَبْعَثَهُ فِيهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْتِدَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ سُجُودِهِ وَحَمْدِهِ وَالْإِذْنِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ بِقَوْلِهِ : ( أُمَّتِي أُمَّتِي ) وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بَعْدَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ قَالَ : ( فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُومُ وَيُؤْذَنُ لَهُ وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ ) وَسَاقَ الْحَدِيثَ ، وَبِهَذَا يَتَّصِلُ الْحَدِيثُ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الشَّفَاعَةُ الَّتِي لَجَأَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنَ الْمَوْقِفِ ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْعِبَادِ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ فِي أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمُذْنِبِينَ ، وَحَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ ، وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الرُّؤْيَةِ وَحَشْرِ النَّاسِ اتِّبَاعُ كُلِّ أَمَةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ، ثُمَّ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، ثُمَّ حُلُولُ الشَّفَاعَةِ وَوَضْعُ الصِّرَاطِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ الْأُمَمِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هُوَ أَوَّلُ الْفَصْلِ وَالْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ، وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي ذَكَرَ حُلُولَهَا هِيَ الشَّفَاعَةُ فِي الْمُذْنِبِينَ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهَا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا الشَّفَاعَةَ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ ، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ مُتُونُ الْحَدِيثِ وَتَتَرَتَّبَ مَعَانِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ ) أَيْ : وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ . وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ قَوْلَهُ : ( أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ ) هُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ الرَّاوِي ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ صَحِيحٌ ، وَمَعْنَاهُ مَنْ أَخْبَرَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَهُمُ الْكُفَّارُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ثُمَّ آتِيهِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ) مَعْنَى ( آتِيهِ ) أَيْ أَعُودُ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي قُمْتُ فِيهِ أَوَّلًا وَسَأَلْتُ ، وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مُسْلِمٌ : ( وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ) قَالَ مُسْلِمٌ ( وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ) قَالَ مُسْلِمٌ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا : حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ) قَالَ مُسْلِمٌ ( حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ ) يَعْنِي عَنْ أَنَسٍ ، هَذِهِ الْأَسَانِيدُ رِجَالُهَا كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ ، وَهَذَا الِاتِّفَاقُ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ وَنِهَايَةٍ مِنَ النُّدُورِ أَعْنِي اتِّفَاقَ خَمْسَةِ أَسَانِيدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُتَوَالِيَةٍ جَمِيعُهُمْ بَصْرِيُّونَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا لَهُ .

فَأَمَّا ( ابْنُ أَبَى عَدِيٍّ ) فَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ . وَأَمَّا ( سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ) فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ هَكَذَا يُرْوَى فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا ، وَأَنَّ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ فِي كِتَابِهِ ( أَدَبُ الْكَاتِبِ ) : الصَّوَابُ ( ابْنُ أَبِي الْعَرُوبَةِ ) بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ ، وَاسْمُ أَبِي عَرُوبَةَ ( مِهْرَانُ ) ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِمَّنِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ، وَأَنَّ الْمُخْتَلِطَ لَا يُحْتَجُّ بِمَا رَوَاهُ فِي حَالِ الِاخْتِلَاطِ ، وَشَكَكْنَا هَلْ رَوَاهُ فِي الِاخْتِلَاطِ أَمْ فِي الصِّحَّةِ ؟ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُخْتَلِطِينَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عُرِفَ أَنَّهُ رَوَاهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :316 ... بـ :193]
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ فَيُلْهَمُونَ لِذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا قَالَ فَيَأْتُونَ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْخَلْقِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ قَالَ فَيَأْتُونَ نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ قَالَ فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَإِذَا أَنَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ قُلْ تُسْمَعْ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ قُلْ تُسْمَعْ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجَهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ قَالَ فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ قَتَادَةُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ بِذَلِكَ أَوْ يُلْهَمُونَ ذَلِكَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ آتِيهِ الرَّابِعَةَ أَوْ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْهَمُونَ لِذَلِكَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا وَذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ

وَأَمَّا ( هِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، وَبَعْدَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ مِنْ غَيْرِ نُونٍ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ، وَهَكَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ . قَالَ صَاحِبُ ( الْمَطَالِعِ ) : وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِيهِ نُونًا بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْيَاءِ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى ( دَسْتَوَاءَ ) وَهِيَ كَوْرَةٌ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْهَا فَنُسِبَ إِلَيْهَا ، فَيُقَالُ : هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ . وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ أَيْ : صَاحِبُ الْبَزِّ الدَّسْتَوَائِيُّ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَوْهَمَتْ لَبْسًا فَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَذَانِ : حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ فَتَوَهَّمَ صَاحِبُ ( الْمَطَالِعِ ) أَنَّ قَوْلَ : صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ مَرْفُوعٌ وَأَنَّهُ صِفَةٌ لِمُعَاذٍ فَقَالَ : يُقَالُ : صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا ( صَاحِبُ ) هُنَا مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِهِشَامٍ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي نَحْنُ الْآنَ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُهُ وَأَنَّ ( الْمِسْمَعِيُّ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى ( مِسْمَعٍ ) جَدِّ الْقَبِيلَةِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ ) فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْفُصُولِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، وَأَنَّ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الرِّوَايَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَلَمْ يَسْتَجِزْ أَنْ يَقُولَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ ، فَقَالَ : وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا كُرِّرَ ذِكْرُهُ أَقْصِدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِيضَاحِ وَالتَّسْهِيلِ ، فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ الْعَهْدُ بِهِ قَدْ يُنْسَى ، وَقَدْ يَقِفُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْمَوْضِعِ الْمُتَقَدِّمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :317 ... بـ :193]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً زَادَ ابْنُ مِنْهَالٍ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ يَزِيدُ فَلَقِيتُ شُعْبَةَ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا بِهِ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ مَكَانَ الذَّرَّةِ ذُرَةً قَالَ يَزِيدُ صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامَ

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ ، وَهُوَ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : نَسَبَهُ مُسْلِمٌ مَرَّةً زَهْرَانِيًّا وَمَرَّةً عَتَكِيًّا وَمَرَّةً جَمَعَ لَهُ النَّسَبَيْنِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ بِوَجْهٍ ، وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَزْدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَمْعِ سَبَبٌ مِنْ جَوَازٍ أَوْ خَلِفٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( مَعْبَدٌ الْعَنَزِيُّ ) فَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَبِالزَّايِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزْنُ ذَرَّةً ) الْمُرَادُ بِالذَّرَّةِ وَاحِدَةُ الذَّرِّ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ الصَّغِيرُ مِنَ النَّمْلِ ، وَهِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَى ( يَزْنُ ) أَيْ : يَعْدِلُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( إِنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ مَكَانَ الذَّرَّةِ ذُرَةً ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ رَوَاهُ بِضَمِّ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَصْحِيفٌ مِنْهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ قَالَيَزِيدُ : صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامَ يَعْنِي شُعْبَةَ .

قَوْلُهُ : ( فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَأَجْلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ ) فِيهِ : أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَكَبِيرِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُكْرِمَ فُضَلَاءَ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ وَيُمَيِّزَهُمْ بِمَزِيدِ إِكْرَامٍ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ .

قَوْلُهُ : ( إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ) قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِي الْبَصْرَةِ ثَلَاثَ لُغَاتٍ فَتْحُ الْبَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَالْفَتْحُ هُوَ الْمَشْهُورُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ) ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي ( عَلَيْهِ ) إِلَى الْحَمْدِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَيُقَالُ : انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنْهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ) ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ ( فَيُقَالُ : انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ ) ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَيُقَالُ لِي انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ ) أَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَاتَّفَقَتِ الْأُصُولُ عَلَى أَنَّهُ ( فَأَخْرِجْهُ ) بِضَمِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ . وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ ( فَأَخْرِجُوهُ ) كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( فَأَخْرِجْهُ ) وَفِي أَكْثَرِهَا ( فَأَخْرِجُوا ) بِغَيْرِ هَاءٍ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ ، فَمَنْ رَوَاهُ ( فَأَخْرِجُوهُ ) يَكُونُ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَمَنْ حَذَفَ الْهَاءَ فَلِأَنَّهَا ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ فَضْلَةٌ يَكْثُرُ حَذْفُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُكَرَّرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ السَّلَفِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، وَنَظَائِرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَوْضَحْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهَا وَالْجَمْعَ بَيْنَهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَنَا بِهِ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا : لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ ، قَالَ : فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَقُلْنَا : يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ فَلَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ : هِيهِ ، فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ ، قَالَ : هِيهِ ، قُلْنَا : مَا زَادَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ ، وَلَقَدْ تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا ، قُلْنَا لَهُ : حَدِّثْنَا فَضَحِكَ وَقَالَ : خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ، مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هَذَا إِلَّا وَأَنَا أُرِيدَ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ : ( ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَوْ قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، قَالَ فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَرَاهُ قَالَ : قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فَلِهَذَا نَقَلْتُ الْمَتْنَ بِلَفْظِهِ مُطَوَّلًا لِيِعْرِفَ مُطَالِعُهُ مَقَاصِدَهُ .

أَمَّا قَوْلُهُ : ( بِظَهْرِ الْجَبَّانِ ) فَالْجَبَّانُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْجَبَّانُ وَالْجَبَّانَةُ هُمَا الصَّحْرَاءُ وَيُسَمَّى بِهِمَا الْمَقَابِرُ ، لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ ، وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَوْضِعِهِ ، وَقَوْلُهُ : ( بِظَهْرِ الْجَبَّانِ ) أَيْ : بِظَاهِرِهَا وَأَعْلَاهَا الْمُرْتَفِعِ مِنْهَا . وَقَوْلُهُ : ( مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ ) يَعْنِي عَدَلْنَا ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ . وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ مُسْتَخْفٍ ) يَعْنِي مُتَغَيِّبًا خَوْفًا مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ . وَقَوْلُهُ : ( قَالَ : هِيهِ ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ فِي اسْتِزَادَةِ الْحَدِيثِ : ( إِيهِ ) وَيُقَالُ : ( هِيهِ ) بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : ( إِيهِ ) اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ : ( إِيهِ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : فَإِنْ وَصَلْتَ نَوَّنْتَ فَقُلْتَ : إِيهٍ حَدِيثًا ، قَالَ ابْنُ السَّرِيِّ : إِذَا قُلْتَ : ( إِيهِ ) فَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ بِأَنْ يَزِيدَكَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنَكُمَا كَأَنَّكَ قُلْتَ : هَاتِ الْحَدِيثَ ، وَإِنْ قُلْتَ : ( إِيهٍ ) بِالتَّنْوِينِ كَأَنَّكَ قُلْتَ : هَاتِ حَدِيثًا مَا ; لِأَنَّ التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ ، فَأَمَّا إِذَا أَسْكَنْتَهُ وَكَفَفْتَهُ فَإِنَّكَ تَقُولُ : ( إِيهًا عَنْهُ ) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيعٌ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ ، وَكَسْرِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ : مُجْتَمِعُ الْقُوَّةِ وَالْحِفْظِ . وَقَوْلُهُ : ( فَضَحِكَ ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَحِكِ الْعَالِمِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أُنْسٌ ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِضَحِكِهِ إِلَى حَدٍّ يُعَدُّ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ . وَقَوْلُهُ : ( فَضَحِكَ وَقَالَ : خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) فِيهِ : جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَرَقَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ : وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ .

وَقَوْلُهُ : ( مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هَذَا إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ ( ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي ) . هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَتَمَّ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ : ( أُحَدِّثَكُمُوهُ ) ، ثُمَّ ابْتَدَأَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فَقَالَ : ( ثُمَّ أَرْجِعُ ) ، وَمَعْنَاهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) مَعْنَاهُ لَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ غَيْرِ شَفَاعَةٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ ( شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) . وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَجِبْرِيَائِي ) فَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ : عَظَمَتِي وَسُلْطَانِي أَوْ قَهْرِي .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ . . . إِلَى آخِرِهِ ) فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِهِ وَتَقْرِيرِهِ فِي نَفْسِ الْمُخَاطَبِ ، وَإِلَّا فَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ) أَمَّا ( حَيَّانُ ) فَبِالْمُثَنَّاةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ أَبِي حَيَّانَ وَأَبِي زُرْعَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ ، وَأَنَّ اسْمَ أَبِي زُرْعَةَ : هَرَمٌ ، وَقِيلَ : عَمْرٌو ، وَقِيلَ : عُبَيْدُ اللَّهِ ، وَقِيلَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ . وَاسْمُ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ .

قَوْلُهُ : ( فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى : مَحَبَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلذِّرَاعِ لِنُضْجِهَا وَسُرْعَةِ اسْتِمْرَائِهَا مَعَ زِيَادَةِ لَذَّتِهَا وَحَلَاوَةِ مَذَاقِهَا ، وَبُعْدِهَا عَنْ مَوَاضِعِ الْأَذَى . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : مَا كَانَتِ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللَّحْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَكِنْ كَانَ لَا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا فَكَانَ يَعْجَلُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْجَلُهَا نُضْجًا .

قَوْلُهُ : ( فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالْمُهْمَلَةِ ، وَوَقَعَ لِابْنِ مَاهَانَ بِالْمُعْجَمَةِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ بِمَعْنَى أَخَذَ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ ، قَالَ الْهَرَوِيُّ : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : ( النَّهْسُ ) بِالْمُهْمَلَةِ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَبِالْمُعْجَمَةِ الْأَضْرَاسُ .




[ سـ :318 ... بـ :193]
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ ح وَحَدَّثَنَاه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ انْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَتَشَفَّعْنَا بِثَابِتٍ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي الضُّحَى فَاسْتَأْذَنَ لَنَا ثَابِتٌ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَأَجْلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُونَكَ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيُؤْتَى مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيُؤتَى عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوتَى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ يُلْهِمُنِيهِ اللَّهُ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ لِي انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ لِي انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَنَا بِهِ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ فَلَمْ نَسْمَعْ مِثْلَ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ هِيَهِ فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ هِيَهِ قُلْنَا مَا زَادَنَا قَالَ قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا قُلْنَا لَهُ حَدِّثْنَا فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هَذَا إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ لَكَ أَوْ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أُرَاهُ قَالَ قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمِئِذٍ جَمِيعٌ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) إِنَّمَا قَالَ هَذَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا وَنَصِيحَةً لَنَا بِتَعْرِيفِنَا حَقَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قِيلَ السَّيِّدُ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ وَيُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنَّمَا خُصَّ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِارْتِفَاعِ السُّؤْدُدِ فِيهَا ، وَتَسْلِيمُ جَمِيعِهِمْ لَهُ ، وَلِكَوْنِ آدَمَ وَجَمِيعِ أَوْلَادِهِ تَحْتَ لِوَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَيِ : انْقَطَعَتْ دَعَاوَى الْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعهُمُ الدَّاعِيَ وَيَنْفَذُهُمُ الْبَصَرَ ) أَمَّا ( الصَّعِيدُ ) فَهُوَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ ، وَأَمَّا ( يَنْفَذُهُمُ الْبَصَرَ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِفَتْحِهَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْفَتْحِ وَبَعْضُهُمْ بِالضَّمِّ . قَالَ الْهَرَوِيُّ : قَالَ الْكِسَائِيُّ : يُقَالُ : نَفَذَنِي بَصَرَهُ إِذَا بَلَغَنِي وَجَاوَزَنِي . قَالَ : وَيُقَالُ : أَنَفَذْتُ الْقَوْمَ إِذَا خَرَقْتُهُمْ وَمَشَيْتُ فِي وَسَطِهِمْ فَإِنْ جُزْتَهُمْ حَتَّى تَخَلَّفْتَهُمْ قُلْتَ : نَفَذْتُهُمْ بِغَيْرِ أَلِفٍ ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقَالَ الْهَرَوِيُّ : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ : يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ ، وَقَالَ غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ : أَرَادَ تَخْرِقُهُمْ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ لِاسْتِوَاءِ الصَّعِيدِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِالنَّاسِ أَوَّلًا وَآخِرًا . هَذَا كَلَامُ الْهَرَوِيِّ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحِيطُ بِهِمُ النَّاظِرُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ; لِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَتِرُ بِهِ أَحَدٌ عَنِ النَّاظِرِينَ ، قَالَ : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ : يَأْتِي عَلَيْهِمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ; لِأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى تُحِيطُ بِجَمِيعِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ فِي الصَّعِيدِ الْمُسْتَوِي وَغَيْرِهِ . هَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو السَّعَادَاتِ الْجَزَرِيُّ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بَصَرُ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ بَصَرُ النَّاظِرِ مِنَ الْخَلْقِ - : قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ يَبْلُغُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ حَتَّى يَرَاهُمْ كُلَّهُمْ وَيَسْتَوْعِبَهُمْ مِنْ نَفَذَ الشَّيْءُ وَأَنْفَذْتُهُ ، قَالَ : وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى بَصَرِ النَّاظِرِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَصَرِ الرَّحْمَنِ . هَذَا كَلَامُ أَبِي السَّعَادَاتِ ، فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي فَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا ، وَفِي الذَّالِ ، وَالدَّالِ وَفِي الضَّمِيرِ فِي يُنْفِذُهُمْ وَالْأَصَحُّ فَتْحُ الْيَاءِ ، وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهُ بَصَرُ الْمَخْلُوقِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبِالْفَتْحِ وَالْإِسْكَانِ ، وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ، وَلَوْ كَانَ بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ لَقَالَ : بَلَغْتُمْ .

قَوْلُهُ : ( فَيَقُولُ آدَمُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ) الْمُرَادُ بِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظْهَرُ مِنَ انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ وَمَا يَرَوْنَهُ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ ، وَمَا يُشَاهِدُهُ أَهْلُ الْمَجْمَعِ مِنَ الْأَهْوَالِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهَا ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِثْلُهُ وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ مِثْلُهُ ، فَهَذَا مَعْنَى غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ رِضَاهُ ظُهُورُ رَحْمَتِهِ وَلُطْفُهُ بِمَنْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ وَالْكَرَامَةَ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ التَّغَيُّرُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ) ( الْمِصْرَاعَانِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ جَانِبَا الْبَابِ ، ( وَهَجَرُ ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ قَاعِدَةُ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ : ( هَجَرٌ ) اسْمُ بَلَدٍ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ قَالَ : وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ ( هَاجِرِيٌّ ) ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ فِي الْجُمَلِ : ( هَجَرٌ ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قُلْتُ : وَهَجَرٌ هَذِهِ غَيْرُ هَجَرٍ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ " إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرٍ " تِلْكَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ كَانَتِ الْقِلَالُ تُصْنَعُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَمَّا ( بُصْرَى ) فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ نَحْوُ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ ، وَهِيَ مَدِينَةُ حُورَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرٌ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَلَا تَقُولُونَ كَيْفَهْ قَالُوا : كَيْفَهْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ) هَذِهِ الْهَاءُ هِيَ هَاءُ السَّكْتِ تَلْحَقُ فِي الْوَقْفِ . وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ : ( كَيْفَهْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ) فَأَثْبَتُوا الْهَاءَ فِي حَالَةِ الدَّرَجِ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي الدَّرَجَ مَجْرَى الْوَقْفِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَصَدُوا اتِّبَاعَ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَثَّهُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالُوا : ( كَيْفَ ) لَمَا كَانُوا سَائِلِينَ عَنِ اللَّفْظِ الَّذِي حَثَّهُمْ عَلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِلَى عِضَادَتَيِ الْبَابِ ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : عِضَادَتَا الْبَابِ هُمَا خَشَبَتَاهُ مِنْ جَانِبَيْهِ .