فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ أَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا


[ سـ :345 ... بـ :213]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَقَ يَقُولُ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ ) أَمَّا ( الشِّرَاكُ ) فَبِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا وَعَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ . وَالْغَلَيَانُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ شِدَّةُ اضْطِرَابِ الْمَاءِ وَنَحْوُهُ عَلَى النَّارِ لِشِدَّةِ اتِّقَادِهَا ، يُقَالُ : غَلَتِ الْقِدْرُ تَغْلِي غَلْيًا وَغَلَيَانًا وَأَغْلَيْتُهَا أَنَا . وَأَمَّا ( الْمِرْجَلُ ) فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ قِدْرٌ مَعْرُوفٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ حِجَارَةٍ أَوْ خَزَفٍ ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ صَاحِبُ ( الْمَطَالِعِ ) : وَقِيلَ : هُوَ الْقِدْرُ مِنَ النُّحَاسِ يَعْنِي خَاصَّةً ، وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ وَالْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةٌ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ تَصْرِيحٌ بِتَفَاوُتِ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ كَمَا أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُتَفَاوِتٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :346 ... بـ :213]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِ الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا

بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ

فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : ( قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : لَا يَنْفَعُهُ ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ مِنَ الصِّلَةِ وَالْإِطْعَامِ وَوُجُوهِ الْمَكَارِمِ لَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ ; لِكَوْنِهِ كَافِرًا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَمْ يَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا بِالْبَعْثِ ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ كَافِرٌ وَلَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَنْفَعُهُمْ أَعْمَالُهُمْ ، وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيفِ عَذَابٍ ، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ بَعْضٍ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي . وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ ( الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ ) نَحْوَ هَذَا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ ابْنُ جُدْعَانَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فِي بُطْلَانِ خَيْرَاتِ الْكَافِرِ إِذَا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ ، وَرَدَ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهَا مَوْقِعُ التَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ وَإِدْخَالِ الْجَنَّةِ وَلَكِنْ يُخَفَّفُ عَنْهُ عَذَابُهُ الَّذِي يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى جِنَايَاتٍ ارْتَكَبَهَا سِوَى الْكُفْرِ بِمَا فَعَلَ مِنَ الْخَيْرَاتِ . هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ كَثِيرَ الْإِطْعَامِ وَكَانَ اتَّخَذَ لِلضِّيفَانِ جَفْنَةً يُرْقَى إِلَيْهَا بِسُلَّمٍ ، وَكَانَ مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ أَقْرِبَاءِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، ( وَجُدْعَانُ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ . وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ فَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا . وَأَمَّا الْجَاهِلِيَّةُ فَمَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .