فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَنْ لَقِي اللَّهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ


[ سـ :77 ... بـ :33]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ فَقُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ قَالَ أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ فَبَعَثْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى قَالَ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَدَخَلَ وَهُوَ يُصَلِّي فِي مَنْزِلِي وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ دُخْشُمٍ قَالُوا وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ وَوَدُّوا أَنَّهُ أَصَابَهُ شَرٌّ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا إِنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ قَالَ لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ أَوْ تَطْعَمَهُ قَالَ أَنَسٌ فَأَعْجَبَنِي هَذَا الْحَدِيثُ فَقُلْتُ لِابْنِي اكْتُبْهُ فَكَتَبَهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ عَمِيَ فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَعَالَ فَخُطَّ لِي مَسْجِدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ قَوْمُهُ وَنُعِتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ . قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ فَرُّوخُ اسْمُ ابْنٍ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَبُو الْعَجَمِ . وَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ : أَنَّ فَرُّوخَ ابْنٌ لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ أَبُو الْعَجَمِ . وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : حَدَّثَنِي مَحْمُودُ ابْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ فَقُلْتُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ ) هَذَا اللَّفْظُ شَبِيهٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَاضِحًا . وَتَقْرِيرُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ مَحْمُودٌ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ . وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِهِ إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ صَحَابِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ أَنَسٌ ، وَمَحْمُودٌ ، وَعِتْبَانُ . وَالثَّانِيَةُ : أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ ; فَإِنَّ أَنَسًا أَكْبَرُ مِنْ مَحْمُودٍ سِنًّا وَعِلْمًا وَمَرْتَبَةً . - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ . وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ ) ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ ; فَإِنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ مَحْمُودٍ عَنْ عِتْبَانَ ، ثُمَّ اجْتَمَعَ أَنَسٌ بِعِتْبَانَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَ ( عِتْبَانُ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ سِوَاهُ . وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقَدْ ضَبَطْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَهْلٍ بِالضَّمِّ أَيْضًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ ) وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( عَمِيَ ) ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الشَّيْءِ الْعَمَى ، وَهُوَ ذَهَابُ الْبَصَرِ جَمِيعُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ضَعْفَ الْبَصَرِ ، وَذَهَابَ مُعْظَمِهِ ، وَسَمَّاهُ عَمًى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي فَوَاتِ بَعْضِ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي حَالِ السَّلَامَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

196 قَوْلُهُ : ( ثُمَّ أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ دُخْشُمٍ ) أَمَّا ( عُظْمَ ) فَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الظَّاءِ أَيْ مُعْظَمَهُ . وَأَمَّا ( كُبْرَهُ ) فَبِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، وَذَكَرهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ ; لَكِنْهُمْ رَجَّحُوا الضَّمَّ وَقُرِئَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا . الْكَسْرُ قِرَاءَةُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ ، وَالضَّمُّ فِي الشَّوَاذِّ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْكَسْرِ ، وَقِرَاءَةُ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ ، وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ بِالضَّمِّ . قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ : هُوَ خَطَأٌ . قَالَ الْكِسَائِيُّ : هُمَا لُغَتَانِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبْرَهُ ) أَنَّهُمْ تَحَدَّثُوا وَذَكَرُوا شَأْنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَفْعَالَهُمُ الْقَبِيحَةَ ، وَمَا يَلْقَوْنَ مِنْهُمْ ، وَنَسَبُوا مُعْظَمَ ذَلِكَ إِلَى مَالِكٍ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( ابْنُ دُخْشُمٍ ) فَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا مِيمٌ . هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى ، وَضَبَطْنَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ يَاءٍ بَعْدَ الْخَاءِ عَلَى التَّصْغِيرِ . وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ . وَفِي بَعْضِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُكَبَّرٌ أَيْضًا ثُمَّ إِنَّهُ فِي الْأُولَى بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : رُوِّينَاهُ دُخْشُمٌ مُكَبَّرًا وَدُخَيْشِمٌ مُصَغَّرًا . قَالَ : وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمِيمِ مُكَبَّرًا وَمُصَغَّرًا . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ : وَيُقَالُ أَيْضًا : ابْنُ الدِّخْشِ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالشِّينِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ بْنَ دُخْشُمٍ هَذَا مِنَ الْأَنْصَارِ . ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شُهُودِهِ الْعَقَبَةَ . قَالَ : وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ . قَالَ : وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ النِّفَاقُ ، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ مَا يَمْنَعُ مِنِ اتِّهَامِهِ . هَذَا كَلَامُ أَبِي عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . قُلْتُ : وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِيمَانِهِ بَاطِنًا وَبَرَاءَتِهِ مِنَ النِّفَاقِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - . أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِأَنَّهُ قَالَهَا مُصَدِّقًا بِهَا مُعْتَقِدًا صِدْقَهَا مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَشَهِدَ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ . فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي صِدْقِ إِيمَانِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ النُّطْقُ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ . وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْمَغُهُمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ وَوَدُّوا أَنَّهُ أَصَابَهُ شَرٌّ ) وَهَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ( شَرٌّ ) ، وَفِي 197 بَعْضِهَا ( بِشَرٍّ ) ، بِزِيَادَةِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ وَفِي بَعْضِهَا ( شَيْءٌ ) ، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ . وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَمَنِّي هَلَاكِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ ، وَوُقُوعِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ .

قَوْلُهُ : ( فَخُطَّ لِي مَسْجِدًا ) أَيْ أَعْلِمْ لِي عَلَى مَوْضِعٍ لِأَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا أَيْ مَوْضِعًا أَجْعَلُ صَلَاتِي فِيهِ مُتَبَرِّكًا بِآثَارِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا . فَفِيهِ جَوَازُ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ . وَفِيهِ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْكُبَرَاءِ أَتْبَاعِهِمْ وَتَبْرِيكِهِمْ إِيَّاهُمْ . وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِدْعَاءِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ لِمَصْلَحَةٍ تَعْرِضُ . وَفِيهِ جَوَازُ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ . وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ كَاللَّيْلِ . وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ وَالتَّحَدُّثِ بِحَضْرَةِ الْمُصَلِّينَ مَا لَمْ يَشْغَلْهُمْ وَيُدْخِلْ عَلَيْهِمْ لَبْسٌ فِي صَلَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِهِ . وَفِيهِ جَوَازُ إِمَامَةِ الزَّائِرِ الْمَزُورِ بِرِضَاهُ . وَفِيهِ ذِكْرُ مَنْ يُتَّهَمُ بِرِيبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِلْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ لِيُتَحَرَّزَ مِنْهُ . وَفِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ لِقَوْلِ أَنَسٍ لِابْنِهِ : اكْتُبْهُ ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ كَتْبِ الْحَدِيثِ ، وَجَاءَ الْإِذْنُ فِيهِ فَقِيلَ : كَانَ النَّهْيُ لِمَنْ خِيفَ اتِّكَالُهُ عَلَى الْكِتَابِ وَتَفْرِيطُهُ فِي الْحِفْظِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ ، وَالْإِذْنُ لِمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحِفْظِ . وَقِيلَ : كَانَ النَّهْيُ أَوَّلًا لَمَّا خِيفَ اخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ ، وَالْإِذْنُ بَعْدَهُ لَمَّا أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ ، ثُمَّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهَا وَاسْتِحْبَابِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ ; فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هَذَا بَدَأَ أَوَّلَ قُدُومِهِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَكَلَ . وَفِي حَدِيثِ زِيَارَتِهِ لِأُمِّ سُلَيْمٍ بَدَأَ بِالْأَكْلِ ، ثُمَّ صَلَّى . لِأَنَّ الْمُهِمَّ فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ هُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ دَعَاهُ لَهَا ، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَعَتْهُ لِلطَّعَامِ . فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثِينَ بَدَأَ بِمَا دُعِيَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِتْبَاعِ الْإِمَامِ وَالْعَالِمِ أَصْحَابَهُ لِزِيَارَةٍ أَوْ ضِيَافَةٍ أَوْ نَحْوِهَا . وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ ، وَمَا حَذَفْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ ، وَالْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ ، وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ .

198 199 200