فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ

باب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ
[ سـ :394 ... بـ :246]
حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ دِينَارٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ

قَوْلُهُ : ( عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ ، وَيُقَالُ : الْمُجَمِّرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ ، وَقِيلَ لَهُ : الْمُجْمِرُ لِأَنَّهُ كَانَ يُجْمِرُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ : يُبَخِّرُهُ ، وَالْمُجْمِرُ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى ابْنِهِ نُعَيْمٍ مَجَازًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَأَشْرَعَ فِي السَّاقِ ) مَعْنَاهُ أَدْخَلَ الْغُسْلَ فِيهِمَا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ ، وَالتَّحْجِيلُ بَيَاضٌ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : سُمِّيَ النُّورُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرَّةً وَتَحْجِيلًا تَشْبِيهًا بِغُرَّةِ الْفَرَسِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ تَرِدُونَ عَلِيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ ) أَمَّا ( السِّيمَا ) فَهِيَ الْعَلَامَةُ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ وَمَمْدُودَةٌ لُغَتَانِ ، وَيُقَالُ : ( السِّيمِيَاءُ ) بِيَاءٍ بَعْدَ الْمِيمِ مَعَ الْمَدِّ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ - زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا - وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ الْوُضُوءُ مُخْتَصًّا بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ ، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ : هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفُ الضَّعْفِ ، وَالثَّانِي : لَوْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ اخْتَصَّتْ بِالْوُضُوءِ دُونَ أُمَمِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :397 ... بـ :247]
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَلَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ وَإِنِّي لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَإِنِّي لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ )

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ ) هُمَا بِمَعْنَى : أَطْرُدُ وَأَمْنَعُ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ ( فَيُجِيبُنِي ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْجَوَابِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا ابْنَ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رُوَاتِهِمْ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ ( فَيَجِيئُنِي ) بِالْهَمْزِ مِنَ الْمَجِيءِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَالثَّانِي وَجْهٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا ) هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ : لَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّا وُعِدْتَ بِهِمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، أَيْ : لَمْ يَمُوتُوا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهُ ، فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الْوُضُوءِ لَمَا كَانَ يَعْرِفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ مِنْ إِسْلَامِهِمْ فَيُقَالُ : ارْتَدُّوا بَعْدَكَ ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَصْحَابُ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابِ الْبِدَعِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَقَعُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُذَادُونَ بِالنَّارِ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُذَادُوا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ . قَالَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ : وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ لَكِنْ عَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا . وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ ، قَالَ : وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عَنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :398 ... بـ :247]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَاللَّفْظُ لِوَاصِلٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا قَالَ نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَلَا ضَرُورَةَ وَدَلَائِلُهُ كَثِيرَةٌ .




[ سـ :399 ... بـ :248]
وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَوْضِي لَأَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ الْإِبِلَ الْغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَعْرِفُنَا قَالَ نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ

قَوْلُهُ : ( سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ يُونُسَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزِ فِيهِنَّ وَتَرْكِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ) أَمَّا ( الْمَقْبُرَةُ ) فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْكَسْرُ قَلِيلٌ . وَأَمَّا ( دَارَ قَوْمٍ ) فَهُوَ بِنَصْبِ دَارَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ الْمُضَافِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، قَالَ : وَيَصِحُّ الْخَفْضُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي ( عَلَيْكُمْ ) ، وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ : الْجَمَاعَةُ أَوْ أَهْلُ الدَّارِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوِ الْمَنْزِلُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ) فَأَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا : أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّكِّ وَلَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَالثَّانِي : حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَادَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ يُحَسِّنُ بِهِ كَلَامَهُ ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إِلَى اللُّحُوقِ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِذَا شَاءَ اللَّهُ . وَقِيلَ : أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا تَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا ، مِنْهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ : الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ رَاجِعٌ إِلَى اسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : كَانَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً ، وَآخَرُونَ يُظَنُّ بِهِمُ النِّفَاقَ ، فَعَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمْ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ - وَإِنْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ - فِيهِمَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : جَوَازُ التَّمَنِّي لَا سِيَّمَا فِي الْخَيْرِ وَلِقَاءِ الْفُضَلَاءِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا أَيْ : رَأَيْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقِيلَ : الْمُرَادُ : تَمَّنِي لِقَائِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ . قَالَ الْإِمَامُ الْبَاجِيُّ : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي لَيْسَ نَفْيًا لِأُخُوَتِّهِمْ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهُمُ الزَّائِدَةَ بِالصُّحْبَةِ ، فَهَؤُلَاءِ إِخْوَةٌ صَحَابَةٌ ، وَالَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَةً لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : ذَهَبَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ مَنْ يَأْتِي آخِرَ الزَّمَانِ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : خَيْرُكُمْ قَرْنِي عَلَى الْخُصُوصِ مَعْنَاهُ : خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي أَيْ : السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ ، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِالْحَدِيثِ ، وَأَمَّا مَنْ خَلَّطَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ رَآهُ وَصَحِبَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَابِقَةٌ وَلَا أَثَرٌ فِي الدِّينِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْقُرُونِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مَنْ يَفْضُلُهُمْ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَيْضًا غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَعَانِي ، قَالَ : وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ إِلَى خِلَافِ هَذَا ، وَأَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَآهُ مَرَّةً مِنْ عُمْرِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ مَزِيَّةُ الصُّحْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ ، فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ ، قَالُوا : وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ) أَمَّا ( بَيْنَ ظَهْرَيْ ) : فَمَعْنَاهُ : بَيْنَهُمَا وَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ . وَأَمَّا ( الدُّهْمُ ) : فَجَمْعُ أَدْهَمَ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَالدُّهْمَةُ السَّوَادُ . وَأَمَّا ( الْبُهْمُ ) : فَقِيلَ السُّودُ أَيْضًا ، وَقِيلَ : الْبُهْمُ : الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنًا سِوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ ، بَلْ يَكُونُ لَوْنُهُ خَالِصًا ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرِهِمَا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ) قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ : مَعْنَاهُ أَنَا أَتَقَدَّمهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يُقَالُ : فَرَطَ الْقَوْمُ إِذَا تَقَدَّمَهُمْ لِيَرْتَادَ لَهُمُ الْمَاءَ ، وَيُهَيِّئَ لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالرِّشَا . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : بِشَارَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ - زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا - فَهَنِيئًا لِمَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَطَهُ . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ ) مَعْنَاهُ : تَعَالَوْا ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : فِي ( هَلُمَّ ) لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا : هَلُمَّ لِلرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الصِّنْفَيْنِ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ ، وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ : هَلُمَّ يَا رَجُلُ وَهَلُمَّا يَا رَجُلَانِ وَهَلُمُّوا يَا رِجَالُ وَلِلْمَرْأَةِ ( هَلُمِّي ) وَلَلْمَرْأَتَانِ ( هَلُمَّتَا ) وَلِلنِّسْوَةِ ( هَلُمَّنَّ ) ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ : الْأُولَى أَفْصَحُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ ( سُحْقًا سُحْقًا ) مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَاهُ ( بُعْدًا بُعْدًا ) ، وَالْمَكَانُ السَّحِيقُ : الْبَعِيدُ ، وَفِي ( سُحْقًا سُحْقًا ) لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ إِسْكَانُ الْحَاءِ وَضَمُّهَا ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالضَّمِّ ، وَالْبَاقُونَ بِالْإِسْكَانِ وَنُصِبَ عَلَى تَقْدِيرِ : أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ سُحْقًا أَوْ سَحَقَهُمْ سُحْقًا .




[ سـ :400 ... بـ :249]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ جَمِيعًا عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ : يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ ، سَمِعْتُ خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ ) أَمَّا ( فَرُّوخُ ) فَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ : ( فَرُّوخُ ) بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَلَدٍ كَانَ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ، كَثُرَ نَسْلُهُ وَنَمَا عَدَدُهُ فَوَلَدَ الْعَجَمَ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسَطِ الْبِلَادِ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُنَا الْمَوَالِيَ وَكَانَ خِطَابُهُ لِأَبِي حَازِمٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِكَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ إِذَا تَرَخَّصَ فِي أَمْرٍ لِضَرُورَةٍ أَوْ تَشَدَّدَ فِيهِ لِوَسْوَسَةٍ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ فِي ذَلِكَ مَذْهَبًا شَذَّ بَهُ عَنِ النَّاسِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِحَضْرَةِ الْعَامَّةِ الْجَهَلَةِ لِئَلَّا يَتَرَخَّصُوا بِرُخْصَتِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ مَا تَشَدَّدَ فِيهِ هُوَ الْفَرْضُ اللَّازِمُ . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .