فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ كَرَاهَةِ غَمْسِ الْمُتَوَضِّئِ وَغَيْرِهِ يَدَهُ الْمَشْكُوكَ فِي نَجَاسَتِهَا فِي الْإِنَاءِ


[ سـ :449 ... بـ :278]
وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ قَالَ يَرْفَعُهُ بِمِثْلِهِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

( بَابُ حُكْمِ وُلُوغِ الْكَلْبِ ) فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ) .

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ ، وَقَالَ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ ) .

أَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ وَلُغَاتُهُ : فَفِيهِ ( أَبُو رَزِينٍ ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ . وَفِيهِ : ( وَلَغَ الْكَلْبُ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وُلُوغًا : شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ : يُقَالُ : وَلَغَ الْكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا وَمِنْ شَرَابِنَا .

وَفِيهِ ( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ) الْأَشْهَرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ تَقَدَّمَتَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ .

وَفِيهِ : ( قَوْلُهُ فِي صَحِيفَةِ هَمَّامٍ : ( فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا بَيَانُ فَائِدَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ .

وَفِيهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ : ( وَلَيْسَ ذَكَرَ الزَّرْعَ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرُ يَحْيَى ) هَكَذَا فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَذَكَرَ بِفَتْحِ الذَّالِ وَالْكَافِ ، وَالزَّرْعَ مَنْصُوبٌ ، وَغَيْرُ مَرْفُوعٌ ، مَعْنَاهُ : لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إِلَّا يَحْيَى .

وَفِيهِ : ( أَبُو التَّيَّاحِ ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتُ مُشَدَّدَةٌ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ ، وَاسْمُهُ : يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ الْعَبْدُ الصَّالِحُ ، قَالَ شُعْبَةُ : كُنَّا نُكَنِّيهِ بِأَبِي حَمَّادٍ قَالَ : وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُكَنَى بِأَبِي التَّيَّاحِ وَهُوَ غُلَامٌ .

وَفِيهِ : ( ابْنِ الْمُغَفَّلِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ ، وَهُوَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيُّ ، وَقَوْلُ مُسْلِمٍ : ( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْمُغَفَّلِ ) قَالَ مُسْلِمٌ : ( وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ ) هَذِهِ الْأَسَانِيدُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ رِجَالُهَا بَصْرِيُّونَ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ شُعْبَةَ وَاسِطِيٌّ ثُمَّ بَصْرِيٌّ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ هُوَ الْقَطَّانُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ : فَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ وَلَيْسَ هُنَا حَدَثٌ ; فَتَعَيَّنَ النَّجَسُ ، فَإِنْ قِيلَ : الْمُرَادُ الطَّهَارَةُ اللُّغَوِيَّةُ ، فَالْجَوَابُ : أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ . وَفِيهِ أَيْضًا : نَجَاسَةُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ طَعَامًا مَائِعًا حَرُمَ أَكْلُهُ ; لِأَنَّ إِرَاقَتَهُ إِضَاعَةٌ لَهُ فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يَأْمُرْنَا بِإِرَاقَتِهِ بَلْ قَدْ نُهِينَا عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ يَنْجُسُ مَا وَلَغَ فِيهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اقْتِنَائِهِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ كَلْبِ الْبَدَوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ لِعُمُومِ اللَّفْظِ .

وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : طَهَارَتُهُ وَنَجَاسَتُهُ وَطَهَارَةُ سُؤْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ ، وَالرَّابِعُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَدَوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ . وَفِيهِ : الْأَمْرُ بِإِرَاقَتِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا ، وَلَكِنْ هَلِ الْإِرَاقَةُ وَاجِبَةٌ لِعَيْنِهَا أَمْ لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ أَرَاقَهُ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ; ذَكَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَجِبُ لِعَيْنِهَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ أَرَاقَهُ ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلَوْ لَمْ يُرِدِ اسْتِعْمَالَهُ ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي وَيَحْتَجُّ لَهُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ، وَيُحْتَجُّ لِلْأَوَّلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى بَاقِي الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ إِرَاقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْوُلُوغِ الزَّجْرُ وَالتَّغْلِيظُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ الْكِلَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِيهِ : وُجُوبُ غَسْلِ نَجَاسَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَكْفِي غَسْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ ( سَبْعَ مَرَّاتٍ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( أُخْرَاهُنَّ أَوْ أُولَاهُنَّ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ) . وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلِ الْمُرَادُ إِحْدَاهُنَّ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ( وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ) فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ : أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعًا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ ، فَكَأَنَّ التُّرَابَ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلَةٍ فَسُمِّيَتْ ثَامِنَةً لِهَذَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَائِهِ فَإِذَا أَصَابَ بَوْلُهُ أَوْ رَوْثُهُ أَوْ دَمُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ شَعْرُهُ أَوْ لُعَابُهُ أَوْ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا طَاهِرًا فِي حَالِ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ، وَلَوْ وَلَغَ كَلْبَانِ أَوْ كَلْبٌ وَاحِدٌ مَرَّاتٍ فِي إِنَاءٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ لِلْجَمِيعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ . وَالثَّانِي : يَجِبُ لِكُلِّ وَلْغَةٍ سَبْعٌ . وَالثَّالِثُ : يَكْفِي لِوَلَغَاتِ الْكَلْبِ الْوَاحِدِ سَبْعٌ ، وَيَجِبُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعٌ ، وَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فِي الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ كَفَى عَنِ الْجَمِيعِ سَبْعٌ ، وَلَا تَقُومُ الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَلَا غَمْسُ الْإِنَاءِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَمُكْثُهُ فِيهِ قَدْرَ سَبْعِ غَسَلَاتٍ مَقَامَ التُّرَابِ عَلَى الْأَصَحِّ . وَقِيلَ : يَقُومُ الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مَقَامَ التُّرَابِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ التُّرَابِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَا يَحْصُلُ الْغَسْلُ بِالتُّرَابِ النَّجِسِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ دَمَهُ أَوْ رَوْثَهُ فَلَمْ يَزُلْ عَيْنُهُ إِلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا فَهَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ غَسَلَاتٍ أَمْ غَسْلَةً وَاحِدَةً ؟ أَمْ لَا يُحْسَبُ مِنَ السَّبْعِ أَصْلًا ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا : وَاحِدَةٌ . وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكَلْبِ فِي هَذَا كُلِّهِ .

هَذَا مَذْهَبُنَا . وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَسْلِهِ سَبْعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَمَعْنَى الْغَسْلِ بِالتُّرَابِ : أَنْ يُخْلَطَ التُّرَابُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَتَكَدَّرَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطْرَحَ الْمَاءُ عَلَى التُّرَابِ أَوِ التُّرَابُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الْكَدِرَ مِنْ مَوْضِعٍ فَيَغْسِلُ بِهِ ، فَأَمَّا مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ بِالتُّرَابِ فَلَا يُجْزِي ، وَلَا إِدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ ; بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْقِيهِ فِي الْإِنَاءِ وَيُحَرِّكَهُ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ فِي غَيْرِ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِيَأْتِيَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفُهُ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُولَى . وَلَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَمْ يَنْقُصْ وَلُوغُهُ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ ، وَلَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ طَعَامٍ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوِ الطَّعَامُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ إِنَاءً آخَرَ وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ، وَلَوْ وَلَغَ فِي إِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ جَامِدٌ أُلْقِي مَا أَصَابَهُ وَمَا حَوْلَهُ وَانْتُفِعَ بِالْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ؟ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( وَكَلْبِ الزَّرْعِ ) فَهَذَا نَهْيٌ عَنِ اقْتِنَائِهَا ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقْتَنِي كَلْبًا إِعْجَابًا بِصُورَتِهِ أَوْ لِلْمُفَاخَرَةِ بِهِ فَهَذَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ . وَأَمَّا الْحَاجَةُ الَّتِي يَجُوزُ الِاقْتِنَاءُ لَهَا فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالتَّرْخِيصِ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ : الزَّرْعُ وَالْمَاشِيَةُ وَالصَّيْدُ ، وَهَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اقْتِنَائِهِ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَفِي اقْتِنَاءِ الْجَرْوِ لِيُعَلَّمَ ; فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ ; لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ; وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَنِ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ وَهُوَ رَجُلٌ لَا يَصِيدُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ ; فَقَالَ أَصْحَابُنَا : إِنْ كَانَ الْكَلْبُ عَقُورًا قُتِلَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقُورًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ قَالَ : وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَرَّةً ، ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا ، قَالَ : وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . قَالَ : وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ، وَكَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْآنَ مَنْسُوخٌ . هَذَا كَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَلَا مَزِيدَ عَلَى تَحْقِيقِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .