فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ وُجُوبِ غُسْلِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِذَا حَصَلَتْ فِي الْمَسْجِدِ


[ سـ :461 ... بـ :284]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ جَمِيعًا عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) فِيهِ : صِيَانَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَنْزِيهُهَا عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْقَذَى وَالْبُصَاقِ وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ . وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ يَنْبَغِي أَنْ أَذْكُرَ أَطْرَافًا مِنْهَا مُخْتَصَرَةً .

أَحَدُهَا : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ ، فَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ لِعِبَادَةٍ مِنَ اعْتِكَافٍ أَوْ قِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ سَمَاعِ مَوْعِظَةٍ أَوِ انْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُسْتَحَبًّا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .

الثَّانِيَةُ : يَجُوزُ النَّوْمُ عِنْدَنَا فِي الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ( الْأُمِّ ) ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ : رَخَّصَ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا تَتَّخِذُوهُ مَرْقَدًا ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنْ كُنْتَ تَنَامُ فِيهِ لِصَلَاةٍ فَلَا بَأْسَ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلْحَاضِرِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : إِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ شِبْهَهُ فَلَا بَأْسَ ، وَإِنِ اتَّخَذَهُ مَقِيلًا أَوْ مَبِيتًا فَلَا ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ ، هَذَا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِنَوْمِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ عُمَرَ وَأَهْلِ الصُّفَّةِ وَالْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْوِشَاحِ وَالْغَرِيبِينِ وَثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَحَادِيثُهُمْ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنَ الْكَافِرُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ .

الثَّالِثَةُ : قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي مَكَانٍ يَبُلُّهُ أَوْ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَالْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَنَفِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الرَّابِعَةُ : قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : يُكْرَهُ إِدْخَالُ : الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَنْجِيسُهُمُ الْمَسْجِدَ ، وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى الْبَعِيرِ ، وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِيَظْهَرَ لِيُقْتَدَى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْخَامِسَةُ : يَحْرُمُ إِدْخَالُ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ خَافَ تَنْجِيسَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ ، فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ ، وَأَمَّا إِذَا افْتَصَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ إِنَاءٍ فَحَرَامٌ وَإِنْ قَطَرَ دَمُهُ فِي إِنَاءٍ فَمَكْرُوهٌ ، وَإِنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إِنَاءٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا : أَنَّهُ حَرَامٌ : وَالثَّانِي : مَكْرُوهٌ .

السَّادِسَةُ : يَجُوزُ الِاسْتِلْقَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَهَزُّ الرِّجْلِ وَتَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ ; لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

السَّابِعَةُ : يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ ; لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَهْ مَهْ ) هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ وَيُقَالُ : ( بَهْ بَهْ ) بِالْبَاءِ أَيْضًا . قَالَ الْعُلَمَاءُ : هُوَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ مَعْنَاهُ : اسْكُتْ ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ : هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ قِيلَ : أَصْلُهَا : مَا هَذَا ؟ ثُمَّ حُذِفَ تَخْفِيفًا ، قَالَ : وَتُقَالُ مُكَرَّرَةً : ( مَهْ مَهْ ) وَتُقَالُ مُفْرَدَةً : ( مَهْ ) وَمِثْلُهُ ( بَهْ بَهْ ) ، وَقَالَ يَعْقُوبُ : هِيَ لِتَعْظِيمِ الْأَمْرِ ( كَـ بَخٍ بَخٍ ) وَقَدْ تُنَوَّنُ مَعَ الْكَسْرِ وَيُنَوَّنُ الْأَوَّلُ وَيُكْسَرُ الثَّانِي بِغَيْرِ تَنْوِينٍ . هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ . وَذَكَرَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( فَجَاءَ بِدَلْوٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ ) يُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ ، وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ بِالْمُعْجَمَةِ ، وَمَعْنَاهُ صَبَّهُ . وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الصَّبُّ فِي سُهُولَةٍ ، وَبِالْمُعْجَمَةِ التَّفْرِيقُ فِي صَبِّهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :462 ... بـ :285]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ إِسْحَقَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ

( بَابُ حُكْمِ بَوْلِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ وَكَيْفِيَّةِ غَسْلِهِ )

فِيهِ ( عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ فَبَالَ فِي حِجْرِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ) وَفِي رِوَايَةِ أُمِّ قَيْسٍ : ( أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا ) الصِّبْيَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ ضَمَّهَا . قَوْلُهُ : ( فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ ) أَيْ : يَدْعُو لَهُمْ وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمْ ، وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ : ثُبُوتُ الْخَيْرِ وَكَثْرَتُهُ . وَقَوْلُهَا : ( فَيُحَنِّكُهُمْ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : التَّحْنِيكُ أَنْ يَمْضُغَ التَّمْرَ أَوْ نَحْوَهُ ثُمَّ يُدَلِّكُ بِهِ حَنَكَ الصَّغِيرِ ، وَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَنَّكْتُهُ وَحَنَكْتُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ، وَالرِّوَايَةُ هُنَا ( فَيُحَنِّكُهُمْ ) بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ . وَقَوْلُهَا : ( فَبَالَ فِي حِجْرِهِ ) يُقَالُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ . وَقَوْلُهَا : ( بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ رَضِيعٌ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُفْطَمْ .

أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ : فَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ . وَفِيهِ : التَّبَرُّكُ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ . وَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ حَمْلِ الْأَطْفَالِ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ لِلتَّبَرُّكِ بِهِمْ ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ الْمَوْلُودُ فِي حَالِ وِلَادَتِهِ وَبَعْدَهَا . وَفِيهِ : النَّدْبُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَاللِّينِ وَالتَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالصِّغَارِ وَغَيْرِهِمْ . وَفِيهِ : مَقْصُودُ الْبَابِ وَهُوَ : أَنَّ بَوْلَ الصَّبِيِّ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ طَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْجَارِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا : الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ : أَنَّهُ يَكْفِي النَّضْحُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ ، وَلَا يَكْفِي فِي بَوْلِ الْجَارِيَةِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا . وَالثَّالِثُ : لَا يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا . وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ ، وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِالْفَرْقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا وَأَهْلُ الْكُوفَةِ .

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِ الشَّيْءِ الَّذِي بَالَ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ ، وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : وَلَيْسَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ النَّضْحَ فِي الصَّبِيِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْلَهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ ، وَلَكِنَّهُ مِنْ أَجْلِ التَّخْفِيفِ فِي إِزَالَتِهِ ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ . وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ ثُمَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا : بَوْلُ الصَّبِيِّ طَاهِرٌ فَيُنْضَحُ ، فَحِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ قَطْعًا .

وَأَمَّا حَقِيقَةُ النَّضْحِ هُنَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا ، فَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْلُ يُغْمَرُ بِالْمَاءِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَا يُعْصَرُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا يُخَالِفُ هَذَا غَيْرَهُ فِي أَنَّ غَيْرَهُ يَشْتَرِطُ عَصْرَهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَذَهَبَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّ النَّضْحَ أَنْ يُغْمَرَ وَيُكَاثَرَ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا يَبْلُغُ جَرَيَانَ الْمَاءِ وَتَرَدُّدَهُ وَتَقَاطُرَهُ ، بِخِلَافِ الْمُكَاثَرَةِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَجْرِي بَعْضُ الْمَاءِ وَيُقَاطَرُ مِنَ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَصْرُهُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهَا ( فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ ) . وَقَوْلُهُ ( فَرَشَّهُ ) أَيْ نَضَحَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

ثُمَّ إِنَّ النَّضْحَ إِمَّا يُجْزِي مَا دَامَ الصَّبِيُّ يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى الرَّضَاعِ أَمَّا إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ عَلَى جِهَةِ التَّغْذِيَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغَسْلُ بِلَا خِلَافٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .