فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد

رقم الحديث 2133 [2133] ( وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا نَتَبَاحَثُ ( فِي الْقَدَرِ) أَيْ فِي شَأْنِهِ فَيَقُولُ بَعْضُنَا إِذَا كَانَ الْكُلُّ بِالْقَدَرِ فَلِمَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْآخَرُ يَقُولُ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ بَعْضٍ لِلْجَنَّةِ وَبَعْضٍ لِلنَّارِ فَيَقُولُ الْآخَرُ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهِ نَوْعَ اخْتِيَارٍ كَسَبِيٍّ فَيَقُولُ الْآخَرُ مَنْ أَوْجَدَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارَ وَالْكَسْبَ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ( فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ) أَيْ نِهَايَةَ الِاحْمِرَارِ ( حَتَّى) أَيْ حتى صار من شدة حمرته ( كأنما فقىء) بصيغة المجهول أي شق أوعصر ( فِي وَجْنَتَيْهِ) أَيْ خَدَّيْهِ ( الرُّمَّانُ) أَيْ حَبُّهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَزِيدِ حُمْرَةِ وَجْهِهِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ مَزِيدِ غَضَبِهِ وَإِنَّمَا غَضِبَ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبُ سِرِّهِ مَنْهِيٌّ وَلِأَنَّ مَنْ يَبْحَثُ فِيهِ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِيرَ قَدَرِيًّا أَوْ جَبْرِيًّا وَالْعِبَادُ مَأْمُورُونَ بِقَبُولِ مَا أَمَرَهُمُ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبُوا سِرَّ مَا لَا يَجُوزُ طَلَبُ سِرِّهِ ( أَبِهَذَا) أَيْ بِالتَّنَازُلِ فِي الْقَدَرِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ ( أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ) أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ وَهِيَ لِلْإِنْكَارِ أَيْضًا تَرَقِّيًا مِنَ الْأَهْوَنِ إلى الأغلظ وإنكارا غب إنكار قاله القارىء ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أَيْ مِنَ الْأُمَمِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابًا عَمَّا اتُّجِهَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِمَ تُنْكِرْ هَذَا الْإِنْكَارَ الْبَلِيغَ ( حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ وَإِهْلَاكَهُمْ كَانَ مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ فَفِيهِ زِيَادَةُ وَعِيدٍ ( عَزَمْتُ) أَيْ أَقْسَمْتُ أَوْ أَوْجَبْتُ ( عَلَيْكُمْ) قِيلَ أَصْلُهُ عَزَمْتُ بِإِلْقَاءِ الْيَمِينِ وَإِلْزَامِهَا عَلَيْكُمْ ( أَلَّا تَنَازَعُوا) بِحَذْفِ إحدى التائين ( فِيهِ) أَيْ فِي الْقَدَرِ لَا تَبْحَثُوا فِيهِ بعد هذا قال بن الملك إن هذه يمتنع كَوْنَهَا مَصْدَرِيَّةً وَزَائِدَةً لِأَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً وَأَنْ لَا تُزَادَ مَعَ لَا فَهِيَ إِذًا مُفَسِّرَةٌ كأَقْسَمْتُ أَنْ لَا ضَرَبْتُ وَتَنَازَعُوا جُزِمَ بِلَا النَّاهِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ لِأَنَّهَا مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُمْلَةِ كَذَا قَالَهُ زَيْنُ العرب قوله ( وفي الباب عن عمرو وعائشة وأنس) أما حديث عمرو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حديث عائشة فأخرجه بن ماجه وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وبن ماجه.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ صَالِحُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ وَادِعٍ الْمُرِّيُّ أَبُو بِشْرٍ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ ضَعَّفُوهُ وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ فيها سوى الترمذي وروى بن ماجه نحوه عن بن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ويؤيده حديث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ إِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ ثَوْبَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ يَنْظُرُونَ فِي الْقَدَرِ الْحَدِيثَ وفي الباب عن بن عباس عند بن جَرِيرٍ بِلَفْظِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَذْكُرُونَ الْقَدَرَ الْحَدِيثُ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ ( وَصَالِحٌ الْمُرِّيُّ لَهُ غَرَائِبُ يَتَفَرَّدُ بِهَا) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ وَادِعٍ الْمُرِّيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَبُو الْبِشْرِ الْبَصْرِيُّ الْقَاصُّ الزاهد ضعيف من السابعة .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2134 [2134] ( حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ) الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ ( أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْبَصْرِيُّ نَزَلَ فِي التَّيْمِ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ ثِقَةٌ عَابِدٌ .

     قَوْلُهُ  ( احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى) أَيْ تَحَاجَّا وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ فَقَالَ أَنْتَ أَبُونَا الْحَدِيثُ قِيلَ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ اللَّهِ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْعِنْدِيَّةَ عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وُقُوعُ ذَلِكَ فِي كُلٍّ مِنَ الدَّارَيْنِ وَقَدْ وَرَدَتِ الْعِنْدِيَّةُ فِي الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ وَفِي الدُّنْيَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي انْتَهَى وَقَدْ بَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمَحَ فِي التَّرْجَمَةِ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا الْحَدِيثَ ( فَقَالَ مُوسَى) جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى مَا قَبْلَهَا ( يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِي خلقك الله بيده) قال القارىء أَيْ بِقُدْرَتِهِ.

قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَدْتَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ قَالَ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ إِكْرَامًا وَتَشْرِيفًا وَأَنَّهُ خَلَقَهُ إِبْدَاعًا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَبٍ وَأُمٍّ ( وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ) الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ أَيْ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ وَلَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهِ ( أَغْوَيْتَ النَّاسَ) قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى أَغْوَيْتَ كُنْتَ سَبَبًا لِغَوَايَةِ مَنْ غَوَى مِنْهُمْ وَهُوَ سَبَبٌ بَعِيدٌ إِذْ لَوْ لَمْ يَقَعِ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ لَمْ يَقَعِ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقَعِ الْإِخْرَاجُ مَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الشَّهَوَاتُ وَالشَّيْطَانُ الْمُسَبَّبُ عَنْهُمَا الْإِغْوَاءُ وَالْغَيُّ ضِدُّ الرُّشْدِ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطَأِ يُقَالُ غَوَى أَيْ أَخْطَأَ صَوَابَ مَا أُمِرَ بِهِ ( وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ خَطِيئَتُكَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْكَ ( فَقَالَ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ) أَيِ اخْتَارَكَ بِتَكْلِيمِهِ إِيَّاكَ ( كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) أَيْ قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ ( يَعْنِي الرِّوَايَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِأَرْبَعِينَ سَنَةً) وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً حَمْلُهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابَةِ وَحَمْلُ الْأُخْرَى عَلَى مَا يتعلق بالعلم وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعِينَ سَنَةً مَا بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خليفة إِلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِي آدَمَ وَأَجَابَ غَيْرُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْكِتَابَةِ فِي الْأَلْوَاحِ وَآخِرُهَا ابْتِدَاءُ خَلْقِ آدَمَ ( فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) بِرَفْعِ آدَمَ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ يُقَالُ حَاجَجْتُ فُلَانًا فَحَجَجْتُهُ مِثْلُ خَاصَمْتُهُ فخصمته قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ جَسِيمٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ قَضَى أَعْمَالَ الْعِبَادِ فَكُلُّ أَحَدٍ يَصِيرُ لِمَا قُدِّرَ لَهُ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَإِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِيَ بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهَا وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَمُ فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَعَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ بَلْ فِيهِ إِيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَجُنْدُبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عَوَانَةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ( بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ) .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2135 [2135] ( أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ) لَفَظَّةُ أَوْ للشك من الراوي والمعنى أن ما نعمل هَلْ هُوَ أَمْرٌ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ ( أَوْ فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ) أَيْ قَدْ فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ( وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) أَيْ كُلٌّ مُوَفَّقٌ وَمُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ يَعْنِي لِأَمْرٍ قُدِّرَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ( أَمَّا مَنْ كَانَ) أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَوْ كِتَابِهِ أَوْ آخِرِ أَمْرِهِ وَخَاتِمَةِ عَمَلِهِ ( مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ) أَيِ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى ( فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ ( وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ) وَهُوَ ضِدُّ السَّعَادَةِ ( فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْفِرْيَابِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2136 [2136] ( بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ ( وَهُوَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ عَصًا أَوْ قَضِيبٌ يُمْسِكُهُ الرَّئِيسُ لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ بِهِ عَنْهُ وَيُشِيرُ بِهِ لِمَا يُرِيدُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ تَحْتَ الْخَصْرِ غَالِبًا لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا انْتَهَى قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ أَيْ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا بِطَرَفِهِ فِعْلَ الْمُفَكِّرِ الْمَهْمُومِ ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ عُلِمَ قَالَ وَكِيعٌ إِلَّا قَدْ كُتِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِيهِمَا ( مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ الْحَافِظُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَا قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلَفْظُهُ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا تقدم من حديث بن عُمَرَ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَقْعَدَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ( أَفَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) الْفَاءُ مُعَقِّبَةٌ لِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَفَلَا نَتَّكِلُ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ أَيْ نَعْتَمِدُ عَلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا ( قَالَ لَا) أَيْ لَا تَتَّكِلُوا وَحَاصِلُ السُّؤَالِ أَلَّا نَتْرُكَ مَشَقَّةَ الْعَمَلِ فَإِنَّا سَنَصِيرُ إِلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا مَشَقَّةَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَهُوَ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْجَوَابُ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ مَنَعَهُمْ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَزَجَرَهُمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ فَلَا يَجْعَلُوا الْعِبَادَةَ وَتَرْكَهَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَلْ هِيَ عَلَامَاتٌ فَقَطْ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ( بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ)

رقم الحديث 2137 [2137] ( وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ) الْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةً لَا حَالِيَّةً لِتَعُمَّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ فَمَا أَحْسَنَ موقعه ها هنا وَمَعْنَاهُ الصَّادِقُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ حَتَّى قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِمَا كَانَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِمُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الْمَصْدُوقِ فِي جَمِيعِ مَا أَتَاهُ مِنَ الوحي الكريم صدقه زيد راست كفت ياوزيد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فَصَدَّقَنِي.

     وَقَالَ  فِي حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ سَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقَكَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ كَذَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا قِيلَ إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدٌ إِذْ يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَخُصَّ بِهِ ( إِنَّ أَحَدَكُمْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْدِيثِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ أَيْ مَادَّةَ خَلْقِ أَحَدِكُمْ وَمَا يُخْلَقُ مِنْهُ أَحَدُكُمْ ( يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) أَيْ يُقَرَّرُ وَيُحْرَزُ فِي رَحِمِهَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمْعِ مُكْثَ النُّطْفَةِ في الرحم ( في أربعين يوما) يتخمر فِيهَا حَتَّى يَتَهَيَّأَ لِلْخَلْقِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدْ روي عن بن مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا وَالصَّحَابَةُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِتَفْسِيرِ مَا سَمِعُوهُ وَأَحَقُّهُمْ بِتَأْوِيلِهِ وَأَكْثَرُهُمُ احْتِيَاطًا فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أن يرد عليهم قال بن حجر والحديث رواه بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّ تَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ خَلْقَ عَبْدٍ فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعُضْوٍ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ كُلُّ عِرْقٍ لَهُ دُونَ آدَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاء ركبك وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَنْ قَالَ لَهُ وَلَدَتِ امْرَأَتِي غُلَامًا أَسْوَدَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ وَأَصْلُ النُّطْفَةِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ سُمِّيَ بِهَا الْمَنِيُّ لِقِلَّتِهِ وَقِيلَ لِنُطَافَتِهِأَيْ سَيَلَانِهِ لِأَنَّهُ يَنْطِفُ نَطْفًا أَيْ يَسِيلُ ( ثُمَّ يَكُونُ) أَيْ خَلْقُ أَحَدِكُمْ ( عَلَقَةً) أَيْ دَمًا غَلِيظًا جَامِدًا ( مِثْلَ ذَلِكَ) إِشَارَةٌ إِلَى مَحْذُوفٍ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ( ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً) أَيْ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ ( مِثْلَ ذَلِكَ) يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيَظْهَرُ التَّصْوِيرُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ ( ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ) أَيْ إِلَى خَلْقِ أَحَدِكُمْ أَوْ إِلَى أَحَدِكُمْ يَعْنِي فِي الطَّوْرِ الرَّابِعِ حِينَ مَا يَتَكَامَلُ بُنْيَانُهُ وَيَتَشَكَّلُ أَعْضَاؤُهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِرْسَالِ أَمْرُهُ بِهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالرَّحِمِ حِينَ كَانَ نُطْفَةً أَوْ ذَاكَ مَلَكٌ آخَرُ غَيْرُ مَلَكِ الْحِفْظِ ( وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ أَيْ بِكِتَابَتِهَا وَكُلُّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ( يَكْتُبُ رِزْقَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ ( وَأَجَلَهُ) أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوِ انْتِهَاءِ عُمُرِهِ ( وَعَمَلَهُ) أَيْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ( وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَكْتُبُ هُوَ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ( حَتَّى مَا يَكُونَ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّفْعِ لَا لِأَنَّ مَا النَّافِيَةَ كَافَّةٌ عَنِ الْعَمَلِ بَلْ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى حِكَايَةِ حَالِ الرَّجُلِ لَا الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ كَذَا قَالَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ حَتَّى هِيَ النَّاصِبَةُ وَمَا نَافِيَةٌ وَلَفْظَةُ يَكُونُ مَنْصُوبَةٌ بِحَتَّى وَمَا غَيْرُ مانعة لها عن العمل وقال بن الْمَلَكِ الْأَوْجَهُ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَيَكُونُ بِالرَّفْعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ ( بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْجَنَّةِ ( إِلَّا ذِرَاعٌ) تَمْثِيلٌ لِغَايَةِ قُرْبِهَا ( ثُمَّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ) ضُمِّنَ مَعْنَى يَغْلِبُ وَلِذَا عُدِّيَ بِعَلَى وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ أَيْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ كِتَابُ الشَّقَاوَةِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ وَالْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ أَيِ الْمُقَدَّرُ أَوِ التَّقْدِيرُ أَيِ التَّقْدِيرُ الْأَزَلِيُّ ( حَتَّى مَا يَكُونَ) بِالْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ5 - ( بَاب مَا جَاءَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفطرة) قوله

رقم الحديث 2138 [2138] ( كل مولود) قال القارىء أَيْ مِنَ الثَّقَلَيْنِ وَقَالَ الْحَافِظُ أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ وَصَرَّحَ بِهِ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عن أبي الزناد عن الأعرج ذكرها بن عَبْدِ الْبَرِّ ( يُولَدُ عَلَى الْمِلَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الْفِطْرَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْفِطْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ عَنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يولد عن الْإِسْلَامِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ مَثَلًا لَمْ يَرِثَاهُ وَالْوَاقِعُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ فدل على تغير الحكم وقد تعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَسَبَبُ الِاشْتِبَاهِ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ ادَّعَى فِيهِ النَّسْخَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ إِثْبَاتَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَأَشْهَرُ الأقوال أن المراد بالفطرة الاسلام قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عليها الْإِسْلَامُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ حديث الباب اقرأوا إِنْ شِئْتُمْ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عليها وَبِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ الْحَدِيثُ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ فَزَادَ فِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلَّةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ ( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ يُعَلِّمَانِهِ الْيَهُودِيَّةَ وَيَجْعَلَانِهِ يَهُودِيًّا وَالْفَاءُ إِمَّا لِلتَّعْقِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِمَّا لِلتَّسَبُّبِ أَيْ إِذَا كَانَ كَذَا فَمَنْ تَغَيَّرَ كَانَ بِسَبَبِ أَبَوَيْهِ غَالِبًا ( وَيُنَصِّرَانِهِ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ أَيْ يُعَلِّمَانِهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَيَجْعَلَانِهِ نَصْرَانِيًّا ( وَيُشَرِّكَانِهِ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يُعَلِّمَانِهِ الشِّرْكَ وَيَجْعَلَانِهِ مُشْرِكًا ( فَمَنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قبل أنيُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ وَيُنَصِّرَاهُ وَيُشَرِّكَاهُ ( قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بما كانوا عاملين به) قال بن قُتَيْبَةَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ أَيْ لَوْ أَبْقَاهُمْ فَلَا تَحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَيْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا وَلَا يَرْجِعُونَ فَيَعْمَلُونَ أَوْ أَخْبَرَ بِعِلْمِ شَيْءٍ لَوْ وُجِدَ كَيْفَ يَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ ردوا لعادوا وَلَكِنْ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ يُجَازَوْنَ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُجَازَى بِمَا لَمْ يَعْمَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا.
وَأَمَّا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قَالَ الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ فِيهِمْ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَحَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْهَا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولا وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَوْلُودِ التَّكْلِيفُ حَتَّى يَبْلُغَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَذْهَبَ الثَّالِثَ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا سَأَلْتُ رَبِّي اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ فَأَعْطَانِيهِمْ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَالَ وَوَرَدَ تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ خَنْسَاءَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صُرَيْمٍ عَنْ عَمَّتِهَا قَالَتْ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ فَنَزَلَ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أخرى قَالَ هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ أَوْ قَالَ هُمْ في الجنةقَالَ الْحَافِظُ وَأَبُو مُعَاذٍ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أرقم وهو ضعيف ولو صح هذا لكن قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَرَافِعًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْإِشْكَالِ انْتَهَى وَقَدِ اخْتَارَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْمَذْهَبَ الثَّالِثَ قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ قَوْلِهِ بَابُ مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَزَمَ بَعْدَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ رَتَّبَ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ تَرْتِيبًا يُشِيرُ إِلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ صَدَّرَهُ بِالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى التَّوَقُّفِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْحَدِيثِ الْمُرَجِّحِ لِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ يَعْنِي حَدِيثَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالْحَدِيثِ الْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ يَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي سِيَاقِهِ.
وَأَمَّا الصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ.
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ( بَاب مَا جَاءَ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2139 [2139] ( لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ) الْقَضَاءُ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَدَّرُ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ مَا يَخَافُهُ الْعَبْدُ مِنْ نُزُولِ الْمَكْرُوهِ بِهِ وَيَتَوَقَّاهُ فَإِذَا وُفِّقَ لِلدُّعَاءِ دَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُ فَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ عَلَى حَسَبِ مَا يَعْتَقِدُهُ المتوقى عنه يوضحه قول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقَى هُوَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ وَقَدْ أَمَرَ بِالتَّدَاوِي وَالدُّعَاءِ مع أن المقدور كائن لخفائه عَلَى النَّاسِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرُ الشَّامَ وَقِيلَ لَهُ إِنَّ بِهَا طَاعُونًا رَجَعَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَتَفِرُّ مِنَ الْقَضَاءِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِرَدِّ الْقَضَاءِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَتَهُ تَهْوِينَهُ وَتَيْسِيرَ الْأَمْرِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الترمذي من حديث بن عُمَرَ إنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ وَقِيلَ الدُّعَاءُ كَالتُّرْسِ وَالْبَلَاءُ كَالسَّهْمِ وَالْقَضَاءُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ ( وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتُسَكَّنُ ( إِلَّا الْبِرُّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ قِيلَ يُزَادُ حَقِيقَةً قَالَتَعَالَى وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ من عمره إلا في كتاب.

     وَقَالَ  يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أم الكتاب وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّهُ لَا يَطُولُ عُمُرُ الْإِنْسَانِ وَلَا يَقْصُرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ إِنْ لَمْ يَحُجَّ فُلَانٌ أَوْ يَغْزُ فَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَإِنْ حَجَّ وَغَزَا فَعُمُرُهُ سِتُّونَ سَنَةً فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَبَلَغَ السِّتِّينَ فَقَدْ عَمَّرَ وَإِذَا أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ الْأَرْبَعِينَ فَقَدْ نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ السِّتُّونَ وَذُكِرَ نَحْوُهُ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أنَّهُ إِذَا بَرَّ لَا يَضِيعُ عُمُرُهُ فَكَأَنَّهُ زَادَ وَقِيلَ قَدَّرَ أَعْمَالَ الْبِرِّ سَبَبًا لِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا قَدَّرَ الدُّعَاءَ سَبَبًا لِرَدِّ الْبَلَاءِ فَالدُّعَاءُ لِلْوَالِدَيْنِ وَبَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَارَكُ لَهُ فِي عُمُرِهِ فَيُيَسِّرُ لَهُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَالزِّيَادَةُ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْآجَالِ الزِّيَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ قَالَ الطِّيبِيُّ.
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَلِمَ أَنَّ زَيْدًا يَمُوتُ سَنَةَ خمس مائة اسْتَحَالَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَاسْتَحَالَ أَنْ تَكُونَ الْآجَالُ الَّتِي عَلَيْهَا عِلْمُ اللَّهِ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وُكِّلَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ وَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ آجَالٍ مَحْدُودَةٍ فَإِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ أَوْ يُثْبِتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُصُ مِنْهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَى مَا سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  عَزَّ وَجَلَّ ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فَالْإِشَارَةُ بِالْأَجَلِ الْأَوَّلِ إِلَى مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَا عِنْدَ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ وَبِالْأَجَلِ الثَّانِي إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَعِنْدَهُ أم الكتاب وَقَولُهُ تَعَالَى إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعة ولا يستقدمون وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ الْمُعَلَّقَ يَتَغَيَّرُ.
وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَلَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ مُصَغَّرًا السَّاعِدِيِّ.
وَأَمَّا أَبُو أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ فَلَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ ( هَذَا حَدِيثٌ حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

     وَقَالَ  صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ثَوْبَانَ وَفِي رِوَايَتِهِمَا لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمَ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُذْنِبُهُ كَذَا فِي المرقاة.

     قَوْلُهُ  ( لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا الْبَجَلِيِّ الرَّازِيِّ الْقَاضِي صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ ( وَأَبُو مَوْدُودٍ اثْنَانِ) أَيْ رَجُلَانِ ( أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ فِضَّةُ) قَالَ الْحَافِظُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو مَوْدُودٍ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ خُرَاسَانَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ فِيهِ لِينٌ مِنَ الثَّامِنَةِ ( وَالْآخَرُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ) الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ الْقَاصُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ ( وَكَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَوْدُودٍ اسْمُهُ بَحْرُ بْنُ مُوسَى رَوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ.

     وَقَالَ  أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مَوْدُودٍ بَحْرٍ وَمِنْ أَبِي مَوْدُودٍ فِضَّةٍ انْتَهَى ( بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرَّحْمَنِ) .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2140 [214] ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ) مِنَ الْإِكْثَارِ ( أَنْ يَقُولَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ) أَيْ مُصَرِّفَهَا تَارَةً إِلَى الطَّاعَةِ وَتَارَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَتَارَةً إِلَى الْحَضْرَةِ وَتَارَةً إِلَى الْغَفْلَةِ ( ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) أَيِ اجْعَلْهُ ثَابِتًا عَلَى دِينِكَ غَيْرَ مَائِلٍ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ( فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ) أَيْ بِنُبُوَّتِكَ وَرِسَالَتِكَ ( وَبِمَا جِئْتَ بِهِ) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَكَ هَذَا لَيْسَ لِنَفْسِكَ لِأَنَّكَ فِي عِصْمَةٍ مِنَ الْخَطَأِ وَالزِّلَّةِ خُصُوصًا مِنْ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ عَنِ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ زَوَالِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ أَوِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَمَالِ إِلَى النُّقْصَانِ ( قَالَ نَعَمْ) يَعْنِي أَخَافُ عليكم ( يقلبها) أي القلوب ( كيف شاء) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ تَقْلِيبًا يُرِيدُهُ أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ أَيْ يُقَلِّبُهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَهَا ( وَفِي الْبَابِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فأخرجه بن جريرقوله ( هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ ( بَاب مَا جَاءَ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ) .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2141 [2141] ( عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ) اسْمُهُ حُيَيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ مُهْمَلَةً وبيائين مُصَغَّرًا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حُيَيُّ بْنُ هَانِئِ بْنِ نَاضِرٍ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَبُو قَبِيلٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ الْمَعَافِرِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّالِثَةِ ( عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ شُفَيٌّ بِضَمِّ الشين المعجمة وبالفاء مصغرا بن مَاتِعٍ بِمُثَنَّاةٍ الْأَصْبَحِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ أَرْسَلَ حَدِيثًا فَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ خَطَأً مَاتَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ قَالَهُ خَلِيفَةُ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي يَدِهِ) بِالْإِفْرَادِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَفِي الْمِشْكَاةِ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ) الظَّاهِرُ مِنَ الْإِشَارَةِ أَنَّهُمَا حِسِّيَّانِ وَقِيلَ تَمْثِيلٌ وَاسْتِحْضَارٌ لِلْمَعْنَى الدَّقِيقِ الْخَفِيِّ فِي مُشَاهَدَةِ السَّامِعِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ رَأْيَ الْعَيْنِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كُوشِفَ لَهُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ اطِّلَاعًا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ خَفَاءُ صُوَرِ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ فِي قَلْبِهِ بِصُورَةِ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى الْمَحْسُوسِ ( فَقُلْنَا لَا) أَيْ لَا نَدْرِي ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ أَيْ لَا نَعْلَمُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا إِخْبَارُكَ إِيَّانَا وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ إِنْ أَخْبَرْتَنَا عَلِمْنَا وَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ إِخْبَارَهُ إِيَّاهُمْ ( فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى) أَيْ لِأَهْلِهِ وَفِي شَأْنِهِ أَوْ عَنْهُ وَقِيلَ قَالَ بِمَعْنَى أَشَارَ فَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى ( هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَالِكُهُمْ وَهُمْ لَهُ مَمْلُوكُونَ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ فَيُسْعِدُ مَنْ يَشَاءُ وَيُشْقِي مَنْ يَشَاءُ وَكُلُّ ذَلِكَ عَدْلٌ وَصَوَابٌ فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَلَامٌصَادِرٌ عَلَى طَرِيقِ التَّصْوِيرِ وَالتَّمْثِيلِ مِثْلُ الثَّابِتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْمُثْبَتِ فِي اللَّوْحِ بِالْمُثْبَتِ بِالْكِتَابِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَلَا يُسْتَبْعَدُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعِدٌّ لِإِدْرَاكِ الْمَعَانِي الْغَيْبِيَّةِ وَمُشَاهَدَةِ الصُّوَرِ الْمَصُوغَةِ لَهَا ( فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ) الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ يُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ لِلتَّمْيِيزِ التَّامِّ كَمَا يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ ( ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ) مِنْ قَوْلِهِمْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ إِذَا تَمَّمَ وَرَدَّ التَّفْصِيلَ إِلَى الْإِجْمَالِ وَأَثْبَتَ فِي آخِرِ الْوَرَقَةِ مَجْمُوعَ ذَلِكَ وَجُمْلَتُهُ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُحَاسِبِينَ أَنْ يَكْتُبُوا الْأَشْيَاءَ مُفَصَّلَةً ثُمَّ يُوَقِّعُوا فِي آخِرِهَا فَذْلَكَةً تَرُدُّ التَّفْصِيلَ إِلَى الْإِجْمَالِ وَضَمَّنَ أَجْمَلَ مَعْنَى أَوْقَعَ فَعُدِّيَ بِعَلَى أَيْ أَوْقَعَ الْإِجْمَالَ عَلَى مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَقِيلَ ضَرَبَ بِالْإِجْمَالِ عَلَى آخِرِ التَّفْصِيلِ أَيْ كَتَبَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْ أَجْمَلَ فِي حَالِ انْتِهَاءِ التَّفْصِيلِ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَلَى بِمَعْنَى إِلَى ( فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ) جَزَاءُ شَرْطٍ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ وَالْإِجْمَالِ بَعْدَ التَّفْصِيلِ فِي الصَّكِّ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ ( وَلَا يُنْقَصُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( مِنْهُمْ أَبَدًا) لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ لَا يَتَغَيَّرُ وأما قوله تعالى ولكل أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فَمَعْنَاهُ لِكُلِّ انْتِهَاءِ مُدَّةٍ وَقْتٌ مَضْرُوبٌ فَمَنِ انْتَهَى أَجَلُهُ يَمْحُوهُ وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ يُبْقِيهِ عَلَى مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُثْبَتٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهُوَ الْقَدَرُ كَمَا يَمْحُو وَيُثْبِتُ هُوَ الْقَضَاءُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَيْنَ مَا قُدِّرَ وَجَرَى فِي الْأَجَلِ فَلَا يَكُونُ تَغْيِيرًا أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ مَحْوُ الْمَنْسُوخِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتُ النَّاسِخِ أَوْ مَحْوُ السَّيِّئَاتِ مِنَ التَّائِبِ وَإِثْبَاتُ الْحَسَنَاتِ بِمُكَافَأَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأُمُورِ الْمُعَلَّقَةِ دُونَ الْأَشْيَاءِ الْمُحْكَمَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ يَعْنِي إِذَا كَانَ الْمَدَارُ عَلَى كِتَابَةِ الْأَزَلِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي اكْتِسَابِ الْعَمَلِ ( فَقَالَ سَدِّدُوا) أَيِ اطْلُبُوا بِأَعْمَالِكُمُ السَّدَادَ وَالِاسْتِقَامَةَ وَهُوَ الْقَصْدُ فِي الْأَمْرِ وَالْعَدْلُ فِيهِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ ( وَقَارِبُوا) أَيِ اقْتَصِدُوا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَاتْرُكُوا الْغُلُوَّ فِيهَا وَالتَّقْصِيرَ يُقَالُ قَارَبَ فُلَانٌ فِي أُمُورِهِ إِذَا اقْتَصَدَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْجَوَابُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ فِيمَ أَنْتُمْ مِنْ ذِكْرِ الْقَدَرِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ وَإِنَّمَا خُلِقْتُمْ لِلْعِبَادَةِ فَاعْمَلُوا وَسَدِّدُوا قَالَهُ الطِّيبِيُّ ( فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( بِعَمَلِ أَهْلِ الجنة) أي بعمل مشعر بإيمانه ومشير بإبقائه( وَإِنْ عَمِلَ) أَيْ وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ ذَلِكَ ( أَيَّ عَمَلٍ) مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ ( وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ) أَعَمُّ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ( وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ( ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ) أَيْ أَشَارَ بِهِمَا وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْقَوْلَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ فَتُطْلِقُهُ عَلَى غَيْرِ الْكَلَامِ وَاللِّسَانِ فَتَقُولُ قَالَ بِيَدِهِ أَيْ أَخَذَ.

     وَقَالَ  بِرِجْلِهِ أَيْ مَشَى ( فَنَبَذَهُمَا) أَيْ طَرَحَ مَا فِيهِمَا مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَفِي الْأَزْهَارِ الضَّمِيرُ فِي نَبَذَهُمَا لِلْيَدَيْنِ لِأَنَّ نَبْذَ الكتابين بعيد من دأبه انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ نَبْذَهُمَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِهَانَةِ بَلْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ نَبَذَهُمَا إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ كِتَابٌ حَقِيقِيٌّ.
وَأَمَّا عَلَى التَّمْثِيلِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى نَبَذَهُمَا أي اليدين قلت ولا ملجىء لِحَمْلِ لَفْظِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ الْمِصْرِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّامِنَةِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ كَذَا فِي الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .

     قَوْلُهُ 

رقم الحديث 2142 [2142] ( يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ) ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَيْ يُمِيتُهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن حبان والحاكم ( باب لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْهَامَةُ الرَّأْسُ وَاسْمُ طَائِرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا وَهِيَ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ هِيَ الْبُومَةُ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَقُولُ اسْقُونِي فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ وَقِيلَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ وَقِيلَ رُوحُهُ تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَيُسَمُّونَهُ الصَّدَى فَنَفَاهُ الْإِسْلَامُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ انْتَهَى