فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به

رقم الحديث 2523 [2523] قوله ( عن سعيد بن أبي سعد) الْمَقْبُرِيِّ .

     قَوْلُهُ  ( يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِظِلِّهَا كَنَفُهَا وَذُرَاهَا وَهُوَ مَا يَسْتُرُ أَغْصَانَهَا انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طُوبَى قَالَ شَجَرَةٌ مَسِيرَةَ مِائَةِ سَنَةٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ .

     قَوْلُهُ  ( هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وبن ماجه

رقم الحديث 2524 [2524] قوله ( عن فراس) بكسر أوله وبمهملة بن يَحْيَى الْهَمْدَانِيِّ الْخَارِقِيِّ أَبِي يَحْيَى الْكُوفِيِّ الْمُكَتِّبِ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ السَّادِسَةِ .

     قَوْلُهُ  ( فِي الجنة شجرة) قال بن الْجَوْزِيِّ يُقَالُ إِنَّهَا طُوبَى قَالَ الْحَافِظُ وَشَاهِدُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ عند أحمد والطبراني وبن حِبَّانَ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّمَا نُكِّرَتْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ جِنْسِهَا بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ( يَسِيرُ الرَّاكِبُ) أَيُّ رَاكِبٍ فُرِضَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ ( فِي ظِلِّهَا) أَيْ فِي نَعِيمِهَا وَرَاحَتِهَا وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ مْ أَنَا فِي ظِلِّكَ أَيْ فِي نَاحِيَتِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْمُحْوِجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الظِّلَّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الدُّنْيَا مَا بَقِيَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَأَذَاهَا وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَمْسٌ وَلَا أَذًى ( مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا) أَيْ لَا يَنْتَهِي إِلَى آخِرِ مَا يَمِيلُ مِنْ أَغْصَانِهَا ( قَالَ وَذَلِكَ الظِّلُّ الْمَمْدُودُ) وَفِي حديث أبي هريرة عند البخاري واقرأوا إِنْ شِئْتُمْ ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هذاأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادُ الْمُضْمِرُ السَّرِيعُ مِائَةَ عَامٍ ما يقطعها

رقم الحديث 2525 [2525] .

     قَوْلُهُ  ( أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ القزاز) التميمي الكوفي صدوق يخطيء مِنَ التَّاسِعَةِ ( عَنْ أَبِيهِ) أَيِ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيِّ الْقَزَّازِ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ .

     قَوْلُهُ  ( مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ) وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً جُذُوعُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَفُرُوعُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ فَتَهُبُّ الرِّيَاحُ فَتَصْطَفِقُ فَمَا سَمِعَ السَّامِعُونَ بصوت شيء قط ألذ منه وروى بن أبي الدنيا عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ منها مقطعاتهم36 - كتاب صفة الجنة ( بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ شَجَرِ الْجَنَّةِ)

رقم الحديث 2526 [2526] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ زِيَادٍ الطَّائِيِّ) مَجْهُولٌ أَرْسَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ .

     قَوْلُهُ  ( وَزَهِدْنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ زَهِدَ فِيهِ كَمَنَعَ وَسَمِعَ وَكَرُمَ زُهْدًا وَزَهَادَةً أَوْ هِيَ فِي الدُّنْيَا الزُّهْدُ فِي الدِّينِ ضِدُّ رَغِبَ انْتَهَى ( فَأَنِسْنَا أَهَالِيَنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأُنْسُ بِالضَّمِّ وَبِالتَّحْرِيكِ وَالْأَنَسَةُ مُحَرَّكَةً ضِدُّ الْوَحْشَةِ وَقَدْ أَنِسَ بِهِ مُثَلَّثَةَ النُّونِ انْتَهَى وَالْمَعْنَى خَالَطْنَاهُمْ وَعَالَجْنَا أُمُورَهُمْ وَاشْتَغَلْنَا بِمَصَالِحِهِمْ ( أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا) أَيْ لَمْ نَجِدْهَا عَلَى مَا كَانَتْ عِنْدَكَ ( لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمُ الملائكة فيبُيُوتِكُمْ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ بِزِيَادَةِ لَفْظِ كُنْتُمْ بَيْنَ مِنْ عِنْدِي وَعَلَى حَالِكُمْ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهُ فَتَفَكَّرْ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ الْأُسَيْدِيِّ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طَرِيقِكُمْ ( وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) مِنْ جِنْسِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ( كَيْ يُذْنِبُوا) أَيْ فَيَسْتَغْفِرُوا ( فَيَغْفِرَ لَهُمْ) لِاقْتِضَاءِ صِفَةِ الْغَفَّارِ وَالْغَفُورِ ذَلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ لَيْسَ الْحَدِيثُ تَسْلِيَةً لِلْمُنْهَمِكِينَ فِي الذُّنُوبِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَرْدَعُوا النَّاسَ عَنْ غَشَيَانِ الذُّنُوبِ بَلْ بَيَانٌ لِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَجَاوُزِهِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ لِيَرْغَبُوا فِي التَّوْبَةِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْسِنِينَ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنِ الْمُسِيئِينَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذلك غير واحد أَسْمَائِهِ الْغَفَّارُ الْحَلِيمُ التَّوَّابُ الْعَفُوُّ وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْعَلَ الْعِبَادَ شَأْنًا وَاحِدًا كَالْمَلَائِكَةِ مَجْبُولِينَ عَلَى التَّنَزُّهِ مِنَ الذُّنُوبِ بَلْ يَخْلُقُ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ بِطَبْعِهِ مَيَّالًا إِلَى الْهَوَى مُتَلَبِّسًا بِمَا يَقْتَضِيهِ ثُمَّ يُكَلِّفُهُ التَّوَقِّيَ عَنْهُ وَيُحَذِّرُهُ مِنْ مُدَانَاتِهِ وَيُعَرِّفُهُ التَّوْبَةَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ فَإِنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَجْبُولِينَ عَلَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ الذَّنْبُ فَيَتَجَلَّى عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ فَإِنَّ الْغَفَّارَ يَسْتَدْعِي مَغْفُورًا كَمَا أَنَّ الرَّزَّاقَ يَسْتَدْعِي مَرْزُوقًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ قَالَ مِنَ الْمَاءِ) قيل أي من النطقة وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ اقْتِبَاسًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وجعلنا من الماء كل شيء حي أَيْ وَخَلَقْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ حَيَوَانٍ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَاَللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ أَعْظَمُ مَوَارِدِهِ أَوْ لِفَرْطِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ وَانْتِفَاعِهِ بِعَيْنِهِ ( قُلْتُ الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا) أَيْ هَلْ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ شَعْرٍ ( قَالَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ بِنَاؤُهَا مُرَصَّعٌ مِنْهُمَا ( وَمِلَاطُهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَا بَيْنَ اللَّبِنَتَيْنِ مَوْضِعُ النُّورَةِ فِي النِّهَايَةِ الْمِلَاطُ الطِّينُ الَّذِي يجعل بين ساقني الْبِنَاءِ يُمَلَّطُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يُخْلَطُ ( الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ) أَيِ الشَّدِيدُ الرِّيحِ ( وَحَصْبَاؤُهَا) أَيْ حَصْبَاؤُهَا الصغار التي في الأنهار قاله القارىء وَقَالَ صَاحِبُ أَشِعَّةِاللُّمَعَاتِ أَيْ حَصْبَاؤُهَا الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الْعُمُومُ ( اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ) أَيْ مِثْلُهَا فِي اللَّوْنِ وَالصَّفَاءِ ( وَتُرْبَتُهَا) أَيْ مَكَانَ تُرَابِهَا ( الزَّعْفَرَانُ) أَيِ النَّاعِمُ الْأَصْفَرُ الطَّيِّبُ الرِّيحِ فَجَمَعَ بَيْنَ أَلْوَانِ الزِّينَةِ وَهِيَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَيَتَكَمَّلُ بِالْأَشْجَارِ الْمُلَوَّنَةِ بِالْخُضْرَةِ وَلَمَّا كَانَ السَّوَادُ يَغُمُّ الْفُؤَادَ خُصَّ بِأَهْلِ النَّارِ ( مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ) بِفَتْحِ وَسَطِهِمَا فِي الْقَامُوسِ الْبَأْسُ الْعَذَابُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ بَؤُسَ كَكَرُمَ بَأْسًا وَبَئِسَ كَسَمِعَ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ ( يَخْلُدُ) أَيْ يَدُومُ فَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهَا ( لَا يَمُوتُ) أَيْ لَا يَفْنَى بَلْ دَائِمًا يَبْقَى ( وَلَا تَبْلَى) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ لَا تَخْلَقُ وَلَا تَتَقَطَّعُ ( ثِيَابُهُمْ) وَكَذَا أَثَاثُهُمْ ( وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ) أَيْ لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يُخَرِّفُونَ وَلَا يُغَيِّرُهُمْ مُضِيُّ الزَّمَانِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ الثَّبَاتِ وَالْقَرَارِ وَأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَلَا يَشُوبُ نَعِيمَهَا بُؤْسٌ وَلَا يَعْتَرِيهِ فَسَادٌ وَلَا تَغْيِيرٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ الْأَضْدَادِ وَمَحَلَّ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ ( ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ نُفُوسٍ فِي الْمِشْكَاةِ وَالْجَامِعِ الصغير ثلاثة بناء التَّأْنِيثِ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ أَوْ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ ( الْإِمَامُ الْعَادِلُ) أَيْ مِنْهُمْ أَوْ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ ( وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ) لِأَنَّهُ بَعْدَ عِبَادَةٍ حَالَ تضرع ومسكنة ( ودعوة المظلومية) كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ وَالْمَظْلُومُ وَلَعَلَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْمَظْلُومِيَّةُ لَيْسَتْ بِذَاتِهَا مَطْلُوبَةً عَدَلَ عنه قاله القارىء وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ دَعْوَةُ الْإِمَامِ وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَيَكُونُ بَدَلًا مِنْ دَعْوَتِهِمْ وَقَولُهُ يَرْفَعُهَا حَالٌ كَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَيْ يَرْفَعُهَا خَبَرًا لِقَوْلِهِ وَدَعْوَةُ المظلوم وقطع هذا القسيم عن خويه لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَلَوْ فَاجِرًا أَوْ كَافِرًا وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ عَطْفُ قَوْلِهِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَلَى قَوْلِهِ وَيُفْتَحُ فَإِنَّهُ لَا يُلَائِمُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ ضَمِيرَ يَرْفَعُهَا لِلدَّعْوَةِ حِينَئِذٍ لَا لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الأول قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وإنما بولغ في حقها لأنه لما ألحقته نار الظلم واحترقت أحشاءه خَرَجَ مِنْهُ الدُّعَاءُ بِالتَّضَرُّعِ وَالِانْكِسَارِ وَحَصَلَ لَهُ حالة الاضطرار فيقل دعاءه كَمَا قَالَ تَعَالَى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دعاه ويكشف السوء ( يَرْفَعُهَا) أَيِ اللَّهُ ( فَوْقَ الْغَمَامِ) أَيْ تُجَاوِزُ الْغَمَامَ أَيِ السَّحَابَ ( وَيَفْتَحُ) أَيِ اللَّهُ لَهَا أَيْ لِدَعْوَتِهِ ( لَأَنْصُرَنَّكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ أَيُّهَا المظلوم ويكسرها أَيْ أَيَّتُهَا الدَّعْوَةُ ( وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) الْحِينُ يُسْتَعْمَلُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَلِسِتَّةِأَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَالْمَعْنَى لَا أُضَيِّعُ حَقَّكَ وَلَا أَرُدُّ دُعَاءَكَ وَلَوْ مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ لِأَنِّي حَلِيمٌ لَا أُعَجِّلُ عُقُوبَةَ الْعِبَادِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الظُّلْمِ وَالذُّنُوبِ إِلَى إِرْضَاءِ الْخُصُومِ وَالتَّوْبَةِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُمْهِلُ الظَّالِمَ وَلَا يُهْمِلُهُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَلِكَ الْقَوِيَّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ) لِأَنَّ فِي سنده زياد الطَّائِيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمَعَ هَذَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ فَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ إِلَى قَوْلِهِ لَزَارَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا إِلَى قَوْلِهِ فَيَغْفِرُ لَهُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالثَّالِثُ مِنْ قَوْلِهِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَزَّارُ والطبراني في الأوسط وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالرَّابِعُ مِنْ قَوْلِهِ ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ إِلَخْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الدَّعَوَاتِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ كِتَابِ التَّرْغِيبِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عِنْدَ أحمد والبزار والطبراني وبن حِبَّانَ ( بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الْجَنَّةِ)

رقم الحديث 2527 [2527] .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كَصُرَدٍ جَمْعُ غُرْفَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْعُلِّيَّةُ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ بالأخانة.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ قَوْلِ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ .

     قَوْلُهُ  ( مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ ( وَهُوَ كُوفِيٌّ) وَاسِطِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ قَوْلِ الْمَعْرُوفِ ( وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ مَدَنِيٌّ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا) .

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ وَهُوَ أصلح من الواسطي وقال بن سَعْدٍ هُوَ أَثْبَتُ مِنَ الْوَاسِطِيِّ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ وَثَّقَهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْعِمَامَةِ

رقم الحديث 2528 [2528] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ هَذَا هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ اسْمُهُ عَمْرٌو أَوْ عَامِرٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ ( عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حَضَّارٍ كُنْيَتُهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَقَرَّهُ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَهُوَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ بِصَفِّينَ .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) أَيْ مِنَ الْقُصُورِ وَالْأَثَاثِ كَالسُّرُرِ وَكَقُضْبَانِ الْأَشْجَارِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ قِيلَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ فِضَّةٍ خَبَرُ آنِيَتُهُمَا وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ جَنَّتَيْنِ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ صِفَةُ قَوْلِهِ جنتين وخبر انيهما مَحْذُوفٌ أَيْ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا كَذَلِكَ وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَبْنَى وَالْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  ( وَجَنَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَجَنَّتَيْنِ بِالْعَكْسِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ صِفَةِ بِنَاءِ الْجَنَّةِ مِنْ أَنَّ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ أَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةُ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ آنِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَالثَّانِي صِفَةُ حَوَائِطِ الْجَنَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ ( وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُالْكِبْرِيَاءِ) قَالَ عِيَاضٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ كَثِيرًا وَهُوَ أَرْفَعُ أَدَوَاتِ بَدِيعِ فَصَاحَتِهَا وَإِيجَازِهَا ومنه قوله تعالى ( جناح الذل) فَمُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ تَاهَ فَمَنْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَفْضَى بِهِ الْأَمْرُ إِلَى التَّجْسِيمِ وَمَنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا إِمَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَقَلَتَهَا وَإِمَّا أَنْ يأولها أَنْ يُقَالَ اسْتَعَارَ لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهَيْبَتِهِ وَجَلَالِهِ الْمَانِعِ إِدْرَاكَ أَبْصَارِ الْبَشَرِ مَعَ ضَعْفِهَا لِذَلِكَ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ فَإِذَا شَاءَ تَقْوِيَةَ أَبْصَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ كَشَفَ عَنْهُمْ حِجَابَ هَيْبَتِهِ وَمَوَانِعَ عَظَمَتِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَانِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ فَكَانَ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْفَوْزُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ أن المؤمنين إذا تبوأوا مقاعدهم من الجنة لولاما عِنْدَهُمْ مِنْ هَيْبَةِ ذِي الْجَلَالِ لِمَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ حَائِلٌ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَهُمْ حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّذِينَ أحسنوا الحسنى وزيادة مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْحِجَابُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْشِفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ قَالَ فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إليهم منه ثم تلاهذه الاية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرِّدَاءُ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنِ الْعَظَمَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثِّيَابَ الْمَحْسُوسَةَ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَنَّ الرِّدَاءَ وَالْإِزَارَ لَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ مِنَ الْعَرَبِ عَبَّرَ عَنِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ بِهِمَا وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ مُقْتَضَى عِزَّةِ اللَّهِ وَاسْتِغْنَائِهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ لَكِنَّ رَحْمَتَهُ المؤمنين اقْتَضَتْ أَنْ يُرِيَهُمْ وَجْهَهُ كَمَالًا لِلنِّعْمَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَعَلَ مِنْهُمْ خِلَافَ مُقْتَضَى الْكِبْرِيَاءِ فَكَأَنَّهُ رَفَعَ عَنْهُمْ حِجَابًا كَانَ يَمْنَعُهُمْ انْتَهَى ( عَلَى وَجْهِهِ) حَالٌ مِنْ رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ ( فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْمِ وَقَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى النَّاظِرِينَ أَيْ وَهُمْ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لَا إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تَحْوِيهِ الْأَمْكِنَةُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْقَوْمِ مِثْلُ كَائِنِينَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ.

     قَوْلُهُ  ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً) أَيْ عَظِيمَةً ( مجوفة) أي واسعة الجوف ( عرضها) وفي رِوَايَةٍ طُولُهَا وَيَتَحَصَّلُ بِالرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ طُولَهَا وَعَرْضَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتُّونَ مِيلًا ( فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ) أَيْ مِنَ الزَّوَايَا الْأَرْبَعِ ( مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْخَيْمَةِ ( أَهْلٌ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ ( لَا يَرَوْنَ) أَيْ ذَلِكَ الْأَهْلُ وَجُمِعَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ ( الْآخَرِينَ) أَيِ الْجَمْعَ الْآخَرِينَ مِنَ الْأَهْلِ الْكَائِنِينَ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أَيْ يَدُورُ عَلَى جَمِيعِهِمْ ( الْمُؤْمِنُ) قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى يُجَامِعُ الْمُؤْمِنُ الْأَهْلَ وَأَنَّ الطَّوَافَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ( بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ)

رقم الحديث 2529 [2529] .

     قَوْلُهُ  ( فِي الْجَنَّةِ مائة درجة) قال بن الملك المراد بالمائة ها هنا الكثرة وبالدرجة المرقاة قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَاتِ الْمَرَاتِبُ الْعَالِيَةُ قَالَ تعالى لهم درجات عند ربهم أَيْ ذَوُو دَرَجَاتٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الطَّاعَاتِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَصْحَابُ دَرَكَاتٍ مُتَسَافِلَةٍ لِقَدْرِ مَرَاتِبِهِمْ فِي شِدَّةِ الْكُفْرِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  سُبْحَانَهُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسفل من النار ( مِائَةَ عَامٍ) أَيْ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ قَالَ المناوي وفيرِوَايَةٍ خَمْسَمِائَةٍ وَفِي أُخْرَى أَكْثَرُ وَأَقَلُّ وَلَا تَعَارُضَ لِاخْتِلَافِ السَّيْرِ فِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ وَالْبَيْنُ ذُكِرَ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

     وَقَالَ  حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ انْتَهَى

رقم الحديث 2530 [253] .

     قَوْلُهُ  ( لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا) الظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَهُ لَا أَدْرِي هُوَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَفَاعِلُ ذَكَرَ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ( إِلَّا كَانَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِزِيَادَةِ إِلَّا قَبْلَ كَانَ وَلَا يَسْتَقِيمُ معناها ها هنا فَهِيَ زَائِدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ هِيَ زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُنَاخَةً عَلَى الْخَسْفِ أَوْ تَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظُ إِلَّا ( حَقًّا عَلَى اللَّهِ) أَيْ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ ( أَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ) حَتَّى يَفْرَحُوا بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ ( ذَرِ النَّاسَ) أَيْ اُتْرُكْهُمْ بِلَا بِشَارَةٍ ( يَعْمَلُونَ) أَيْ يَجْتَهِدُونَ فِي زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا يَتَّكِلُونَ عَلَى هَذَا الْإِجْمَالِ ( فَإِنَّ في الجنة مائة درجة) قال القارىء يمكن أن يراه بِهِ الْكَثْرَةُ لِمَا وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ عن عائشة رضي الله عنها مَرْفُوعًا عَدَدُ دَرَجِ الْجَنَّةِ عَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ دَرَجَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا فَيَكُونُ بَيَانَ أَقَلِّ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ السَّعَةِ وَأَصْنَافِ النِّعْمَةِ ( وَالْفِرْدَوْسُ) قَالَ الْحَافِظُ الْفِرْدَوْسُ هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْعِنَبُ وَقِيلَ هُوَ بِالرُّومِيَّةِ وَقِيلَ بِالْقِبْطِيَّةِ وَقِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفِرْدَوْسُ الْأَوْدِيَةُ الَّتِي تُنْبِتُ ضُرُوبًا مِنَ النَّبْتِ وَالْبُسْتَانُ يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَكُونُ فِي الْبَسَاتِينِ يَكُونُ فيه الكروم وقد يؤنث عربية أورومية نُقِلَتْ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ انْتَهَى ( أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا) أَيْ أَعْدَلُهَا وَأَفْضَلُهَا وَأَوْسَعُهَا وَخَيْرُهَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الطِّيبِيُّ النُّكْتَةُ فِيالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَوْسَطِ أَنَّهُ أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْحِسِّيَّ وَبِالْآخَرِ الْمَعْنَوِيَّ فَإِنَّ وَسَطَ الشَّيْءِ أَفْضَلُهُ وَخِيَارُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يَتَسَارَعُ إليها الخلل والأوساط محمية محفوظة وقال بن حِبَّانَ الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ السِّعَةُ وَبِالْأَعْلَى الْفَوْقِيَّةُ ( وَمِنْهَا) أَيْ مِنَ الْفِرْدَوْسِ ( تُفَجَّرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تشقق وَتُجْرَى ( أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) أَيْ أُصُولُ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ) أَيِ الْجَنَّةَ ( فَاسْأَلُوهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَسَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالنَّقْلِ أَيْ فَاطْلُبُوا مِنْهُ ( الْفِرْدَوْسَ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا وَأَعْلَاهَا .

     قَوْلُهُ  ( هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَرَجَّحَ رِوَايَةَ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِرِوَايَةِ هِلَالٍ مَعَ أَنَّ بَيْنَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَمُعَاذٍ انْقِطَاعًا انْتَهَى

رقم الحديث 2531 [2531] .

     قَوْلُهُ  ( وَالْفِرْدَوْسُ) أَيِ الْجَنَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْفِرْدَوْسِ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون إِلَى قَوْلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يرثون الفردوس ( أَعْلَاهَا) أَيْ أَعْلَى سَائِرِ الْجِنَانِ ( وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ ( تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ) بالرفع صفةلِأَنْهَارٍ وَهِيَ أَنْهَارُ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ المذكورة في القرآن وفيها أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ( وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ) يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَسَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ هَذَا أخرجه أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ

رقم الحديث 2532 [2532] .

     قَوْلُهُ  ( لَوْ أَنَّ الْعَالَمِينَ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ جَمِيعَ الْخَلْقِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا ( لَوَسِعَتْهُمْ) أَيْ لَكَفَتْهُمْ لِسَعَتِهَا الْمُفْرِطَةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن حبان من وجه آخر وصححه قاله القارىء ( باب ما جاء في صفة نساء أهل الجنة)