فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يتتبع المؤذن فاه ها هنا وها هنا، وهل يلتفت في الأذان

باب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ؟
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ.
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ: الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ.

.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( هل يتتبع المؤذن فاه) بالمثناة التحتية والمثناتين الفوقيتين، والموحدة المشددة المفتوحات، من التتبّع وللأصيلي يتبع بضم أوله وإسكان المثناة الفوقية وكسر الموحدة من الإتباع.

والمؤذن فاعل، وفاه مفعوله ( هاهنا وهاهنا) أي جهتي اليمين والشمال.
وعند أبي عوانة في صحيحه من رواية عبد الرحمن بن مهدي، فجعل يتتبع بفيه يمينًا وشمالاً وأعرب البرماوي كالكرماني المؤذن بالنصب وفاه بدلاً منه، والفاعل الشخص مقدّرًا قال: ليطابق قوله في الحديث: أتتبع فاه انتهى.

وتعقب بأن فيه من التكلف ما لا يخفى، وليست المطابقة بلازمة، وجعل غير اللازم لازمًا لا يخفى ما فيه ( وهل يلتفت) المؤذن برأسه ( في الأذان) يمينًا وشمالاً، أي في حيعلتيه.

( ويذكر) بضم الياء وفتح الكاف بصيغة التمريض، فيما رواه عبد الرزاق وغيره عن سفيان ( عن بلال) المؤذن ( أنه جعل) أنملتي ( إصبعيه) مسبحتيه ( في) صماخي ( أذنيه) ليعينه ذلك على زيادة رفع صوته، أو ليكون علامة للمؤذن ليعرف مَن يراه على بعد، أو كان به صمم أنه يؤذن.

ورواه أبو داود، ولفظ ابن ماجة من حديث سعد القرظ، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أُذنيه.
لكن في إسناده ضعف، وهو عند أبي عوانة عن مؤمل عن سفيان وله شواهد.


( وكان ابن عمر) بن الخطاب مما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق نسير بالنون والمهملة مصغرًا ابن ذعلوق، بالذال المعجمة المضمومة وسكون العين المهملة وضم اللام، عنه ( لا يجعل إصبعيه في أُذنيه) المراد بالإصبع كالسابقة الأنملة، فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، وعبر في الأول بقوله: ويذكر بالتمريض، وفي الثاني بالجزم، ليفيد أن ميله إلى عدم جعل إصبعيه في أُذنيه، فللَّه درّه من إمام أدق نظره.

( قال إبراهيم) النخعي مما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن جرير عن منصور عنه: ( لا بأس أن يؤذن) المؤذن وهو ( على غير وضوء) نعم يكره للمحدث حدثًا أصغر لحديث الترمذي مرفوعًا لا يؤذن إلاّ متوضئ وفي إسناده ضعف.

وقال الشافعي في الأم: ويكره الأذان بغير وضوء ويجزئ إن فعل انتهى.

وللجنب أشدّ كراهة لغلظ الجنابة، والإقامة أغلظ من الأذان في الحديث والجنابة لقربها من الصلاة.

( وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه ( الوضوء) وللأذان ( حق) ثابت في الشرع ( وسُنّة) مسنونة هو من الصلاة هو فاتحة الصلاة.

( وقالت عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها مما وصله مسلم ويؤيد قول النخعي: ( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الله على كل أحيانه) سواء كان على وضوء أو لم يكن لأن الأذان ذكر فلا يشترط له الوضوء ولا استقبال القبلة كما لا يشترط لسائر الأذكار.
وحينئذٍ، فلا يلحق الأذان بالصلاة لمخالفتها حكمه فيهما، ومن ثم عرفت مناسبة ذكره لهذه الآثار عقب هذه الترجمة، وأدنى المناسبة كافٍ ولاختلاف العلماء فيها ذكرها بلفظ الاستفهام ولم يجزم.


[ قــ :616 ... غــ : 634 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلاَلاً يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالأَذَانِ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي ( قال: حدّثنا سفيان) الثوري ( عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم ( عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله ( أنه رأى بلالاً) المؤذن ( يؤذن) ، قال أبو جحيفة: ( فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا بالأذان) أي فيه.

ولمسلم: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينًا وشمالاً، يقول: حي على الصلاة حيّ على الفلاح، ففيه تقييد الالتفات في الأذان، وأن محله عند الحيعلتين، أي من غير تحويل صدره عن القبلة، وقدميه عن مكانهما، وأن يكون الالتفات يمنًا في الأولى وشمالاً في الثانية، وفائدته تعميم الناس بالإسماع.

قال في المدوّنة وأنكر مالك دورانه لغير الإسماع.