فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟

باب هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ؟ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ؟
هذا ( باب) بالتنوين ( هل يصلّي الإمام بمن حضر) من أصحاب الأعذار المرخصة للتخلّف عن الجماعة؟ ( وهل يخطب) الخطيب ( يوم الجمعة في المطر) إذا حضر، وهم أيضًا ويصلّي بهم الجمعة؟ نعم يصلّي ويخطب من غير كراهة في ذلك.
وحينئذ فالأمر بالصلاة في الرحال للإباحة لا للندب.


[ قــ :648 ... غــ : 668 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ "حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ" قَالَ قُلِ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا، إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -يَعْنِي النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ.


وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ، فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ".

وبالسند قال ( حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) البصري وللأصيلي: ابن عبد الوهاب الحجبي، بفتح الحاء المهملة والجيم وكسر الموحدة نسبة لحجابة الكعبة الشريفة ( قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري ( قال: حدّثنا عبد الحميد) بن دينار الثقة ( صاحب الزيادي، قال: سمعت عبد الله بن الحرث) بالمثلثة ابن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب المدني، له رؤية ولأبيه ولجدّه صحبة ( قال: خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ) بفتح الراء وسكون الدال المهملتين آخره غين معجمة، أي ذي وحل، وفي رواية: رزغ بالزاي بدل الدال ( فأمر المؤذن لما بلغ: حيّ على الصلاة.

قال: قل: الصلاة)
بالرفع في الفرع وأصله أي الصلاة رخصة ( في الرحال) وبالنصب أي الزموها ( فنظر بعضهم إلى بعض كأنهم) وللأربعة: فكأنهم ( أنكروا) ذلك ( فقال) ابن عباس لهم: ( كأنكم أنكرتم هذا) الذي فعلته؟ ( إن هذا فعله) بفتحات، وللحموي والكشميهني: بكسر الفاء وسكون العين ( من هو خير مني، يعني النبي) ولأبوي ذر والوقت رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنها) أي الجمعة ( عزمة) بفتح العين وسكون الزاي متحتمة ( وإني كرهت) مع كونها عزمة ( أن أحرجكم) بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم، أي كرهت أن أؤثمكم وأضيق عليكم، وللأصيلي: كرهت أن أخرجكم، بالخاء المعجمة بدل الحاء المهملة.

( وعن حماد) بالعطف على قوله حدّثنا حماد بن زيد، وليس بمعلق، وقد أخرجه في باب: الكلام في الأذان.
عن مسدد عن حماد عن أيوب وعبد الحميد وعاصم ( عن عاصم) الأحول ( عن عبد الله بن الحرث) المذكور ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( نحوه) أي نحو الحديث المذكور بمعظم لفظه وجميع معناه ( غير أنه قال: كرهت أن أؤثمكم) بهمزة مضمومة ثم أخرى مفتوحة وتشديد المثلثة، من التأثيم من باب التفعيل.
أو أوثمكم: مضارع آثمه بالمد أوقعه، في الإثم من الإيثام، من باب الأفعال، بدل أن أحرجكم، وزاد قوله ( فتجيئون) بالنون أي: فأنتم تجيئون.

فيقطع عن سابقه، أو منصوب عطفًا على سابقه، على لغة من يرفع الفعل، بعد أن قاله الزركشي، وتعقبه في المصابيح بأن إهمال أن قليل، والقطع كثير مقيس.
فلا داعي للعدول عنه إلى الثاني، ولأبي ذر عن الكشميهني: فتجيئوا بحذف النون عطفًا على ما قبله ( تدوسون) أي وأنتم تطؤون ( الطين إلى ركبكم) .




[ قــ :649 ... غــ : 669 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ: جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ -وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ- فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ".
[الحديث 669 - أطرافه في: 813، 836، 016، 018، 07، 036، 040] .


وبه قال ( حدّثنا مسلم) ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: مسلم بن إبراهيم أي الأزدي البصري ( قال: حدّثنا هشام) الدستوائي ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( قال: سألت أبا سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) رضي الله عنه أي عن ليلة القدر كما بيّنه في الاعتكاف ( فقال: جاءت سحابة فمطرت حتى سال السقف) أي سال الماء الذي أصاب سقف المسجد، كسال الوادي من باب ذكر المحل وإرادة الحال ( وكان) السقف ( من جريد النخل) وهو القضيب الذي جرّد عنه خوصه ( فأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته) الشريفة.

ورواة هذا الحديث ما بين بصري وأهوازي ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه أيضًا في الاعتكاف وفي الصلاة في موضعين.
وفي الصوم.
وأبو داود في الصلاة، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجة في الصوم.




[ قــ :650 ... غــ : 670 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ -وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا- فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا، وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ صَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لأَنَسٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلاَّهَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ".
[الحديث 670 - طرفاه في: 1179، 6080] .

وبه قال ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين ( قال: سمعت أنسًا) رضي الله عنه، وللأصيلي: أنس بن مالك ( يقول: قال رجل من الأنصار) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والرجل، قيل: هو عتبان بن مالك أو بعض عمومة أنس، وقد يقال إن عتبان عمّ أنس مجازًا لكونهما من الخزرج، لكن كلٌّ منهما من بطن: ( إني لا أستطيع الصلاة معك) أي في الجماعة في المسجد، وزاد عبد الحميد عن أنس، وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي.
( وكان رجلاً ضخمًا) سمينًا وأشار به إلى علة تخلفه ( فصنع للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا.

فدعاه إلى منزله، فبسط)
بفتحات ( له حصيرًا ونضح طرف الحصير) تطهيرًا أو تليينًا لها ( فصلّى) بالفاء، ولغير الأربعة: صلّى ( عليه) أي: على الحصير، زاد عبد الحميد وصلينا معه ( ركعتين، فقال رجل من آل الجارود:) بالجيم وضم الراء وبعد الواو مهملة، ويحتمل أنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود، كما عند ابني ماجة وحبّان، من حديث عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين عنه، عن أنس ( لأنس) رضي الله عنه، وللأصيلي زيادة: ابن مالك، مستفهمًا له بالهمزة ( أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي الضحى؟ قال) أنس: ( ما رأيته صلاها إلاّ يومئذٍ) نفي رؤيته، لا يستلزم نفي فعلها، فهو كقول عائشة، رضي الله عنها: ما رأيته عليه الصلاة والسلام يصلّيها.
وقولها: كان يصلّيها أربعًا.
فالمنفي رؤيتها له، والمثبت فعله لها، بأخباره أو بأخبار غيره فروته.


وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي بسائر الحاضرين عند غيبة الرجل الضخم.

ورواته الأربعة ما بين عسقلاني وواسطي وبصري، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الضحى والأدب، وأبو داود فى الصلاة.