فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة

باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلاَتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) هل يبدأ بالطعام أو بالصلاة؟ وحدد المؤلّف ذلك لينبّه على أن الحكم فيه نفيًا وإثباتًا غير مجزوم به لقوّة الخلاف فيه، ( وكان ابن عمر) بن الخطاب، مما هو مذكور بمعناه في هذا الباب ( يبدأ بالعشاء) بفتح العين والمدّ خلاف الغداء.

( وقال أبو الدرداء،) مما وصله عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، ومن طريقه، محمد بن نصر المروزي، في تعظيم قدر الصلاة: ( من فقه المرء إقباله على حاجته) أعمّ من الطعام وغيره ( حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ) من الشواغل الدنيوية، ليقف بين يدي مالكه في مقام العبودية من المناجاة على أكمل الحالات من الخضوع والخشوع الذي هو سبب للفلاح { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2] والفلاح أجمع: اسم لسعادة الدارين، وفقد الخشوع ينفيه.


[ قــ :651 ... غــ : 671 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ».
[الحديث 671 - طرفه في: 5465] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن هشام) هو ابن عروة ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( قال: سمعت عائشة) رضي الله عنها ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( إذا وضع العشاء) أي عشاء مريد الصلاة، وللمؤلّف في الأطعمة.
إذا حضر، وهو أعمّ من الوضع، فيحمل قوله حضر، أي: بين يديه.
لتأْتلف الروايتان لاتحاد المخرج ( وأقيمت الصلاة فابدؤوا) ندبًا ( بالعشاء) إذا وسع الوقت، واشتدّ التوقان إلى الأكل.

واستنبط منه كراهة الصلاة حينئذٍ لما فيه من اشتغال القلب عن الخشوع المقصود من الصلاة، إلا أن يكون الطعام مما يؤتى عليه مرة واحدة: كالسويق واللبن.
ولو ضاق الوقت بحيث.
لو أكل

خرج يبدأ بها ولا يؤخرها محافظة على حرمة الوقت، ويستحب إعادتها عند الجمهور.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد.

وعند المالكية يبدأ بالصلاة إن لم يكن معلق النفس بالأكل، أو كان متعلقًا به.
لكنه لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله بدأ بالطعام واستحب له الإعادة والمراد بالصلاة هنا المغرب لقوله في الحديث التالي: فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب.
لكن ذكر المغرب لا يقتضي الحصر فيها، فحمله على العموم أولى نظرًا إلى العلّة، وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، إلحاقًا للجائع بالصائم، وللغداء بالعشاء، لا بالنظر إلى اللفظ الوارد.




[ قــ :65 ... غــ : 67 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ».
[الحديث 67 - طرفه في: 5463] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد، إمام المصريين ( عن عقيل) بضم أوله وفتح ثانيه، ابن خالد ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( ان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال)
( إذا قدم العشاء) بضم القاف وكسر الدال المشددة وفتح العين، وزاد ابن حبان والطبراني في الأوسط، من رواية موسى بن أعين، عن عمرو بن الحرث، عن ابن شهاب: وأحدكم صائم.

وموسى ثقة.
( فابدؤوا به) أي بالعشاء ( قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم) بفتح المثناة الفوقية والجيم، وفي نسخة قيل إنها مسموعة على الأصيلي: ولا تعجلوا.
بضم الفوقية وفتح الجيم من الثلاثي فيهما، وروي: تعجلوا.
بضم أوّله وكسر ثالثه، من الإعجال.

وفيه كالسابق دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أوّل الوقت، فإنهما لما تزاحما قدم الشارع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أوّل الوقت.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مصري وإيلي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في موضع آخر.




[ قــ :653 ... غــ : 673 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ».
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلاَةُ، فَلاَ يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ.
[الحديث 673 - أطرافه في: 674، 5464] .

وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة، القرشي الكوفي الهباري، بفتح الهاء والموحدة الثقيلة ( عن أبي أسامة) حماد بن أسامة ( عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة،
ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ( إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا) أنتم ( بالعشاء) بفتح العين ( ولا يعجل) أحدكم ( حتى يفرغ) من معكم ( منه) بالإفراد نظرًا إلى لفظ أحد، والجمع في: فابدؤوا نظرًا إلى ضمير أحدكم.
قاله الطيبي.

وأجاب البرماوي بأن النكرة في الشرط تعم، فيحتمل أن الجمع لأجل عموم أحد.
انتهى.

وإضافة عشاء لأحدكم تخرج عشاء غيره.
نعم، لو كان جائعًا واشتغل خاطره بطعام غيره فلينتقل إلى مكان غير ذلك المكان، أو يأكل ما يُزيل به اشتغاله، ليتفرغ قلبه لمناجاة ربه في صلاته.

ويؤيد هذا عموم قوله في رواية مسلم، من حديث عائشة: لا صلاة بحضرة الطعام.
واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله: فبدؤوا.
على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل.
وأما من شرع فيه ثم أقيمت الصلاة، فلا يتمادى، بل يقوم إلى الصلاة.

لكن صنيع ابن عمر بن الخطاب الذي أشار إليه المؤلّف بقوله: ( وكان ابن عمر) مما هو موصول عطفًا على المرفوع السابق ( يوضع له الطعام) وهو أعم من العشاء، ( وتقام الصلاة) مغربًا أو غيرها، لكن رواة السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع بلفظ: وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه ( فلا يأتيها) أي الصلاة ( حتى يفرغ) من أكله.
( وإنه يسمع قراءة الإمام) وللكشميهني: وإنه ليسمع، بلام التأكيد يبطل ذلك.

قال النووي: وهو الصواب، وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلاّ فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما يدفع به شغل البال.
نعم.
الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، ولا يتقيد بكل ولا بعض.




[ قــ :653 ... غــ : 674 ]
- وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ».
رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ.

( وقال زهير) بضم الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية الجعفي، مما وصله أبو عوانة في مستخرجه ( ووهب بن عثمان) مما ذكر المصنف أن شيخه إبراهيم بن المنذر، رواه عنه كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، ( عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
( إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة) ( رواه) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: قال أبو عبد الله، أي: البخاري، رواه أي: الحديث المذكور ( إبراهيم بن المنذر) أي شيخه ( عن وهب بن عثمان) السابق ( ووهب مديني) بالياء بين الدال المكسورة والنون، وفي رواية: مدني بإسقاطها.
وفتح الدال، وكلاهما نسبة لطيبة، رزقنا الله العود إليها بمنّه وكرمه على أحسن حال، غير أن القياس فتح الدال والحديث من تعاليقه لا غير.