فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من دخل ليؤم الناس، فجاء الإمام الأول، فتأخر الأول أو لم يتأخر، جازت صلاته

باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ جَازَتْ صَلاَتُهُ.
فِيهِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب من دخل) المحراب مثلاً ( ليؤمّ الناس) نائبًا عن الإمام الراتب، ( فجاء الإمام) الأوّل الراتب ( فتأخر الأوّل) الذي أراد أن ينوب عن الراتب، فهو أول بالنسبة لهذه الصلاة، وذاك أوّل لكونه راتبًا، فالقرينة صارفة العينية إلى الغيرية على ما لا يخفى، وللأصيلي في نسخة: فتأخر الآخر ( أو لم يتأخر جازت صلاته) .

أي في التأخر وعدمه ما روته ( عائشة) رضي الله عنها ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فالأول، ما رواه عنها عروة في الباب السابق، ولفظه: فلما رآه استأخر، والثاني، ما رواه عبيد الله عنها في باب حدّ المريض، ولفظه: فأراد أن يتأخر.


[ قــ :663 ... غــ : 684 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ.
فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ

رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ رَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ".
[الحديث 684 - أطرافه في: 1291، 1204، 1218، 1234، 2690، 2693، 7190] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي حازم بن دينار) بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ( الساعدي) الأنصاري، رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهب) في أناس من أصحابه بعد أن صلّى الظهر ( إلى بني عمرو بن عوف) بفتح العين فيهما، ابن مالك من الأوس، والأوس أحد قبيلتي الأنصار، وكانت منازلهم بقباء ( ليصلح بينهم) ، لأنهم اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، ( فحانت الصلاة) أي صلاة العصر ( فجاء المؤذن) بلال ( إلى أبي بكر) بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حيث قال له كما عند الطبراني، إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصلّ بالناس، ( فقال) له ( أتصلي للناس) باللام، وللأصيلي: بالناس في أوّل الوقت، أو تننتظر قليلاً ليأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فرجع عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة.
( فأقيم) .
بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: فأنا أقيم، أو بالنصب جواب الاستفهام.
( قال:) أبو بكر رضي الله عنه.
( نعم) أقم الصلاة إن شئت، ( فصلّى أبو بكر) أي: دخل في الصلاة ( فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) دخلوا مع أبي بكر ( في الصلاة) جملة حالية، ( فتخلص) من شق الصفوف ( حتى وقف في الصف) الأوّل، وهو جائز للإمام، مكروه لغيره.
وفي رواية مسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف، وفي رواية عبد العزيز: يمشي في الصفوف: ( فصفق الناس) أي ضرب كل يده بالأخرى حتى سمع لها صوت، لكن في رواية عبد العزيز: فأخذ الناس في التصفيح، بالحاء المهملة.
قال سهل: أتدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق، وهو يدل على ترادفهما عنده.
( وكان أبو بكر) رضي الله عنه ( لا يلتفت في صلاته) لأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل، رواه ابن خزيمة: ( فلما أكثر الناس التصفيق التفت) رضي الله عنه ( فرأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشار إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن امكث مكانك) أي أشار إليه بالمكث ( فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه) بالتثنية ( فحمد الله) تعالى بلسانه ( على ما أمره به) ولأبي ذر في نسخة وأبي الوقت: على ما أمر به ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك) أي من الوجاهة في الدين، وليس في رواية الحميدي عن سفيان حيث قال: فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرًا لله تعالى، ما يمنع ظاهر قوله: فحمد الله من تلفظه بالحمد ( ثم استأخر) أي تأخر ( أبو بكر) رضي الله عنه من غير استدبار للقِبلة ولا انحراف عنها ( حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى) بالناس.

واستنبط منه: أن الإمام الراتب إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير: بين أن يأتم به أو يؤم هو، ويصير النائب مأمومًا، من غير أن يقطع الصلاة، ولا تبطل بشيء من ذلك صلاة أحد

من المأمومين.
والأصل عدم الخصوصية خلافًا للمالكية، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وإن المرء قد يكون في بعض صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا.

( فلما انصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة ( قال) :
( يا أبا بكر ما منعك أن تثبت) في مكانك ( إذ) أي حين ( أمرتك) .
( فقال أبو بكر) رضي الله عنه ( ما كان لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء، عثمان بن عامر، أسلم في الفتح وتوفي سنة أربع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وعبر بذلك دون أن يقول: ما كان لي أو لأبي بكر، تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته ( أن يصلّي بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: قدامه إمامًا به.

( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ( ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه) بالراء، وللأربعة: نابه أي أصابه ( شيء في صلاته فليسبح) أي فليقل: سبحان الله، كما في رواية يعقوب بن أبي حازم ( فإنه إذا سبح التفت إليه) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول ( وإنما التصفيق للنساء) .
زاد الحميدي والتسبيح للرجال.

وبهذا قال مالك، والشافعي وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور.

وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جوابًا بطلت صلاته، وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل، فحملا التسبيح المذكور على قصد الإعلام بأنه في الصلاة، من نابه، على نائب مخصوص، وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة.
والأصل عدم هذا التخصيص لأنه عامّ لكونه في سياق الشرط، فيتناول كلاًّ منهما.
فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار إليه، لا سيما التي هي سبب الحديث، لم يكن القصد فيها إلاّ تنبيه الصديق على حضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنه كان حقهم عند هذا النائب التسبيح، ولو خالف الرجل المشروع في حقه وصفق لم تبطل صلاته، لأن الصحابة صفقوا في صلاتهم ولم يأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإعادة، لكن ينبغي أن يقيد بالقليل، فلو فعل ذلك ثلاث مرات متواليات بطلت صلاته لأنه ليس مأذونًا فيه.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ مع كونه لم يأمرهم بالإعادة، فلأنهم لم يكونوا علموا امتناعه: وقد لا يكون حينئذٍ ممتنعًا، أو أراد إكثار التصفيق من مجموعهم، ولا يضرّ ذلك إذا كان كل واحد منهم لم يفعله ثلاثًا.

واستنبط منه.
أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء يفهم منه إكرامه به لا يتحتم عليه ولا يكون تركه مخالفة للأمر، بل أدبًا وتحريًا في فهم المقاصد.
وبقية ما يستنبط منه يأتي إن شاء الله تعالى في محاله.

ورواته الأربعة ما بين تنيسي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة في مواضع، وفي الصلح والأحكام، ومسلم وأبو داود والنسائي.