فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إمامة المفتون والمبتدع

باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ
وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ.

( باب) حكم ( إمامة المفتون) الذي فتن بذهاب ماله وعقله، فضلّ عن الحق ( و) حكم إمامة ( المبتدع) بدعة قبيحة تخالف الكتاب والسُّنّة والجماعة.

( وقال الحسن) البصري، مما وصله سعيد بن منصور، ( صل) خلف المبتدع ( وعليه بدعته) .


[ قــ :674 ... غــ : 695 ]
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:.

     وَقَالَ  لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه- وَهْوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ.
فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ".

( قال أبو عبد الله) أي المؤلّف، وللأصيلي: وقال محمد بن إسماعيل، وسقط لابن عساكر وأبي الوقت ( وقال لنا محمد بن يوسف) الفريابي، مذاكرة، أو هو مما تحمله إجازة أو مناولة عرضًا، وإنما يعبر المؤلّف بذلك للموقوف دون المرفوع ( حدّثنا) عبد الرحمن بن عمرو ( الأوزاعي، قال: حدّثنا) ابن شهاب ( الزهري عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الميم، ابن عوف ( عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ( بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد المثناة التحتية ( بن خيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المثناة التحتية وبالراء، ولأبي الوقت والهروي وابن عساكر: الخيار المدني التابعى، أدرك الزمن النبوي لكنه لم يثبت له رؤية، وتوفي زمن الوليد بن عبد الملك ( أنه دخل على عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وهو محصور) أي محبوس في الدار، والجملة حالية ( فقال) له: ( إنك إمام عامّة) بالإضافة، أي إمام جماعة، ( ونزل بك ما ترى) بالمثناة الفوقية، ولأبي ذر ما نرى بالنون، أي من الحصار، وخروج الخوارج عليك ( ويصلي لنا) أي يؤمنا ( إمام فتنة) أي: رئيسها عبد الرحمن بن عديس البلوي، أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان، أو هو كنانة بن بشر أحد رؤوسهم أيضًا، قال في فتح الباري: وهو المراد هنا ( ونتحرج) أي نتأثم بمتابعته، أي نخاف الوقوع في الإثم ( فقال) عثمان ( الصلاة) مبتدأ خبره ( أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم) فلا يضرك كونه مفتونًا بفسق وبجارحة أو اعتقاد، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه، واترك ما افتتن به.
وهذا مذهب الشافعية.

خلافًا للمالكية حيث قالوا: بدعم صحة الصلاة خلف الفاسق بالجارحة، وقال ابن بزيزة منهم: المشهور إعادة من صلّى خلف صاحب كبيرة، وأما الفاسق بالاعتقاد: كالحروري والقدري، فيعيد من صلّى خلفه في الوقت على المشهور.

واستثنى الشافعية مما سبق منكري العلم بالجزئيات، وبالمعدوم، ومن يصرح بالتجسيم، فلا يجوز الاقتداء بهم كسائر الكفار، وتصح خلف مبتدع يقول بخلق القرآن أو بغيره من البدع التي لا يكفر بها صاحبها.

( وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم) من قول أو فعل أو اعتقاد.

ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث، والعنعنة والقول.

وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "لاَ نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ لاَ بُدَّ مِنْهَا".


( وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد الشامي الحمصي ( قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( لا نرى أن يصلّى) بضم المثناة التحتية وفتح اللام ( خلف المخنث) بفتح النون، من يؤتى في دبره، وبكسرها من فيه تثن وتكسر خلقة كالنساء، أي من يتشبّه بهنّ عمدًا، لأن الإمامة لأهل الفضل، والمخنث مفتتن لتشبهه بالنساء، كإمام الفتنة والمبتدع، فإن كلاًّ مفتون في طائفته، فكرهت إمامته، ( إلاّ من ضرورة لا بدّ منها) ، كأن يكون صاحب شوكة، أو من جهته، فلا تعطل الجماعة بسببه.




[ قــ :675 ... غــ : 696 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ».

وبه قال ( حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني ( محمد بن أبان) البلخي، مستملي وكيع ( قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر، ابن امرأة شعبة ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن أبي التياح) يزيد بن حميد ( أنه سمع أنس بن مالك) يقول: ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر) : رضي الله عنه:
( اسمع وأطع ولو) كانت الطاعة أو الأمر ( لحبشي كأن رأسه زبيبة) وسواء كان ذلك الحبشي مبتدعًا أو مفتونًا.

فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب بأن هذه الصفة لا تكون غالبًا إلاّ لمن هو في غاية في الجهل، كالأعجمي، الحديث العهد بالإسلام، ولا يخلو من هذه صفته من ارتكاب البدعة واقتحام الفتنة، ولو لم يكن إلاّ افتتانه بنفسه حين تقدم لمامة، وليس من أهلها، لأن لها أهلاً من الحسب والنسب والعلم.