فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة، فخرج فصلى

باب إِذَا طَوَّلَ الإِمَامُ وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا طول الإمام) صلاته ( وكان للرجل) المأموم ( حاجة فخرج) من الصلاة بالكلية، كما في رواية مسلم حيث قال: فانحرف رجل فسلم ( فصلّى) وحده صحت صلاته، ولابن عساكر والحموي والمستملي: وصلّى بالواو.


[ قــ :679 ... غــ : 700 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ".
[الحديث 700 - أطرافه في: 701، 705، 711، 6106] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسلم) وللأصيلي: مسلم بن إبراهيم ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عمرو) بفتح العين، ابن دينار ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه ( أن معاذ بن جبل) رضي الله عنه، ( كان يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عشاء الآخرة، كما زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو، فلعلها التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين ( ثم يرجع فيؤم قومه) .

وللمؤلّف في الأدب: فيصلّي بهم الصلاة المذكورة.
وللشافعي: فيصلّيها بقومه في بني سلمة.

وفي الحديث حجة للشافعي وأحمد: أنه تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، كما تصح صلاة المتنفل خلف المفترض، لأن معاذًا كان قد سقط فرضه بصلاته مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكانت صلاته بقومه نافلة وهم مفترضون، وقد وقع التصريح بذلك في رواية الشافعي والبيهقي: وهي له تطوع ولهم مكتوبة، العشاء.


قال الإمام في الأم: وهذه الزيادة صحيحة، وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة فقالا: لا تصح.



[ قــ :680 ... غــ : 701 ]
- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ "ثَلاَثَ مِرَارٍ" أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا، فَاتِنًا.
وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ.
قَالَ عَمْرٌو: لاَ أَحْفَظُهُمَا".

( قال) أي المؤلّف ولغير أبوي ذر والوقت إسقاط قال ( وحدّثني) بواو العطف والإفراد، وسقطت واو: وحدّثني، لأبي ذر والأصيلي ( محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة ( قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عمرو) هو ابن دينار ( قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( قال: كان معاذ بن جبل يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط ابن جبل لابن عساكر ( ثم يرجع) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فيؤم قومه) بني سلمة بتلك الصلاة، ( فصلّى) بهم ( العشاء) ولأبي عوانة: المغرب، فحمل على تعدد الواقعة ( فقرأ بالبقرة) بالموحدة، وفي نسخة: فقرأ البقرة، أي ابتدأ بقراءتها، ولمسلم: فافتتح سورة البقرة ( فانصرف الرجل) هو حزم، بالحاء المهملة والزاي المعجمة الساكنة ابن أُبي بن كعب، كما رواه أبو داود وابن حبان، أو حرام، بالمهملة والراء، ابن ملحان بكسر الميم وبالمهملة، خال أنس، قاله ابن الأثير، أو هو مسلم، بفتح أوله وسكون اللام، ابن الحرث، حكاه الخطيب.
أو الألف واللام للجنس.
أي واحد من الرجال والمعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه.

والنسائي: فانصرف الرجل فصلّى في ناحية المسجد، وهو يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة.

قال في شرح المهذّب: له أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردًا، وإن لم يخرج منها.
قال: وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يجوز لعذر ولغير عذر.

والثاني: لا يجوز مطلقًا.

والثالث: يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر على الأصح انتهى.

وفي مسلم كما مر: فانحرف رجل فسلم ثم صلّى وحده، وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها.
فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها العذر.

وقال الحنفية والمالكية، في المشهور عندهم: لا يجوز ذلك لأن فيه إبطال عمل.


( فكأن معاذًا تناول منه) بسوء، فقال، كما لابن حبان والمصنف في الأدب: إنه منافق.

وقوله: فكأن بهمزة ونون مشددة، وتناول بمثناة فوقية آخره لام قبلها واو، وللأربعة: فكان معاذ ينال منه، بإسقاط همزة كان وتخفيف النون، وينال بمثناة تحتية وإسقاط الواو، وهذه تدل على كثرة ذلك منه بخلاف تلك: ( فبلغ) ذلك ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللنسائي، فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر ذلك له، فأرسل إليه، فقال: ما الذي حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا، فانصرفت فصلّيت في ناحية المسجد، ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
أنت ( فتان) أنت ( فتان) .
قال ذلك ( ثلاث مرار) ، ولابن عساكر في نسخة، مرات، وفتان: بالرفع في الثلاث خبر مبتدأ محذوف، أي أنت منفر عن الجماعة صادّ عنها، لأن التطويل كان سببًا للخروج من الصلاة وترك الجماعة.

وفي الشعب للبيهقي بإسناد صحيح عن عمرو، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إمامًا فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم فيه.

ولابن عيينة: أفتان، فهمزة الاستفهام الإنكاري والتكرار للتأكيد ( أو قال فاتنًا، فاتنًا، فاتنًا) بالنصب في الثلاث خبر تكون المقدرة، أو تكون فاتنًا.
لكن في غير رواية الأربعة: فاتن الأخيرة بالرفع بتقدير: أنت، والشك من الراوي.

وقال البرماوي كالكرامي عن جابر: ( وأمره) عليه الصلاة والسلام أن يقرأ ( بسورتين من أوسط المفصل) يؤم بهما قومه.
( قال عمرو) هو ابن دينار ( لا أحفظهما) أي السورتين المأمور بهما.

نعم في رواية سليم بن حبان عن عمرو: اقرأ { والشمس وضحاها} و { سبح اسم ربك
الأعلى}
، ونحوهما.

وللسراج: أما يكفيك أن تقرأ: بالسماء والطارق والشمس وضحاها.

وفي مذهب وهب اقرأ: { سبح اسم ربك الأعلى} و { الشمس وضحاها} .

ولأحمد بإسناد قوي ( اقتربت الساعة) والسور التي مثل بهن من قصار المفصل، فلعله أراد المعتدل.
أي المناسب للحال منها، وكان قول عمرو الأول وقع منه في حال تحديثه لشعبة ثم ذكره.

وأول المفصل من: الحجرات، أو من: القتال، أو من: الفتح، أو من: ق، وطواله إلى سورة عم، وأوساطه إلى: الضحى، أو طواله إلى: الصف، وأوساطه إلى: الانشقاق.
والقصار إلى آخره، كلها أقوال.


واستنبط من الحديث صحة اقتداء المفرض بالمتنفل لأن معاذًا كان فرضه الأولى والثانية نفل لزيادة في الحديث عند الشافعي، وعبد الرزاق، والدارقطني: هي له تطوع ولهم فريضة.
وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.

وصرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه، فانتفت تهمة تدليسه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا للحنفية والمالكية.

واستنبط منه أيضًا تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين.

ورواة الحديث الأول أربعة، وهو مختصر، والظاهر أن قوله في الحديث الثاني: فصلّى العشاء إلى آخره، داخل تحت الطريق الأولى.
وكان الحامل له على ذلك أنها لو دخلت على ذلك لما طابقت الترجمة ظاهرًا، لكن لقائل أن يقول: مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو بن جابر، وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.