فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إيجاب التكبير، وافتتاح الصلاة

باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ
( باب إيجاب التكبير) للإحرام ( وافتتاح الصلاة) أي مع الشروع في الصلاة، ومجيء الواو بمعنى مع شائع ذائع، وأطلق الإيجاب والمراد: الوجوب تجوزًا لأن الإيجاب خطاب الشارع، والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا.
ويتعين على القادر: الله أكبر لأنه عليه الصلاة والسلام كان يستفتح الصلاة به.
رواه ابن ماجة وغيره.

وفي البخاري: صلوا كما رأيتموني أصلّي.
فلا يقوم مقامه تسبيح ولا تهليل لأنه محل اتباع، وهذا قول الشافعية والمالكية والحنابلة فلا يكفي: الله الكبير، ولا الرحمن أكبر، لكن عند الشافعية لا تضر زيادة ولا تمنع الاسم: كالله الجليل أكبر في الأصح، ومن عجز عن التكبير ترجم عنه بأي لغة شاء، ولا يعدل عنه إلى غيره من الأذكار.


وقال الحنفية: ينعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم، خلافًا لأبي يوسف فإنه يقتصر على المعروف والمنكر من التكبير، فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله كبير الله الكبير.

وهل تكبيرة الإحرام ركن أو شرط؟ قال بالأول الشافعية والمالكية والحنابلة، وقال الحنفية بالثاني.


[ قــ :711 ... غــ : 732 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ فَرَسًا فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ -قَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، ثُمَّ قَالَ لَمَّا سَلَّمَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني الحمصي ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي الحمصي.
( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك الأنصاري) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب فرسًا) في ذي الحجة سنة خمس من هجرته، وأتى الغابة فسقط عنها ( فجحش) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة ثم شين معجمة، أي خدش ( شقه الأيمن، قال أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك ( رضي الله عنه، فصلّى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودًا، ثم قال) عليه الصلاة والسلام ( لما سلم) :
( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلّى قائمًا فصلوا قيامًا) زاد في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون، وهو منسوخ بصلاتهم خلفه قيامًا وهو قاعد في مرض موته ( وإذا ركع فاركعوا) وفي الرواية التالية لهذه: فإذا كبّر فكبّروا وإذا ركع فاركعوا.
فالتكبير هنا مقدّر، إذ الركوع يستدعي سبق التكبير بلا ريب، فالمقدر كالملفوظ، والأمر للوجوب.
وتعينت تكبيرة الإحرام دون غيرها بقوله: وافتتاح الصلاة المفسر بمع الشروع فيها، كما مر.
وفي حديث أبي حميد: كان عليه الصلاة والسلام إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه ثم قال: الله أكبر.

أخرجه ابن ماجة، وصحّحه ابنا خزيمة وحبّان.
وحينئذ فحصلت المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث الجزء الأول منها، وهو إيجاب التكبير.
والجزء الثاني بطريق اللزوم، لأن التكبير أول الصلاة لا يكون إلا عند الشروع فيها.
( وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده) أي أجاب دعاء الحامدين ( فقولوا: ربنا ولك الحمد) أي بعد قولكم: سمع الله لمن حمده، فقد ثبت الجمع بيهما من فعله عليه الصلاة والسلام.

وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، فسمع الله لمن حمده للارتفاع، وربنا ولك الحمد للاعتدال.
وسقط لغير أبي ذر عن المستملي: وإذا سجد فاسجدوا.


ورواة هذا الحديث حمصيان ومدنيان، وفيه التحديث بالجمع، والإخبار بالجمع والإفراد والعنعنة، وهذا الحديث والتالي له حديث واحد عن الزهري عن ثابت، لكنه من طريقين: شعيب والليث.
فاختصر شعيب، لكنه صرح الزهري فيها بإخبار أنس، وأتمه الليث.




[ قــ :71 ... غــ : 733 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ، فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: إِنَّمَا الإِمَامُ -أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ- لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) ولغير أبوي الوقت وذر وابن عساكر: ابن سعيد، ( قال: حدّثنا ليث) بالمثلثة هو ابن سعد، وللأربعة: الليث بلام التعريف ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، ( أنه قال: خرّ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء، أي سقط ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فرس، فجحش) بتقديم الجيم على الحاء وآخره معجمة أي خدش، وهو قشر جلد العضو، وفي رواية: فجحش ساقه ( فصلّى لنا قاعدًا فصلينا معه) وفي رواية: فصلينا وراءه ( قعودًا، ثم انصرف) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلما انصرف ( فقال) :
( إنما الإمام -أو وإنما جعل الإمام- ليؤتم به) يحتمل أن يكون جعل بمعنى: سمي فيتعدى إلى مفعولين: أحدهما الإمام القائم مقام الفاعل، والثاني محذوف أي: إنما جعل الإمام إمامًا ويحتمل أن يكون بمعنى صار أي: إنما صير الإمام إمامًا، ويحتمل أن يكون فاعله ضمير الله، أي: جعل الله الإمام، أو ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
واللام في ليؤتم به لام كي، والفعل منصوب بإضمار أن، والشك في زيادة لفظ جعل من الراوي ( فإذا كبر فكبروا) .

الأمر للوجوب، وهو موضع الترجمة ومراده الرد على القائل من السلف إنه يجوز الدخول في الصلاة بغير لفظ بل بالنية فقط، وعلى القائل: إنه يجوز الدخول فيها بكل لفظ يدل على التعظيم، كما مر عن أبي حنيفة ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه.
ويمكن أن يقال: في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبير بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه، والأمر شامل لكل التكبيرات.
إلا أن الدليل من خارج أخرج غير تكبيرة الإحرام من الوجوب إلى السنية: كربنا ولك الحمد.

واستدلّ به على أن أفعال المأموم تكون متأخرة عن أفعال الإمام، فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام من التكبير، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه، وكذا سائر الأفعال.
فلو قارنه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، أو في غيرها كره.
وفاتته فضيلة الجماعة.


واستدلال ابن بطال وابن دقيق العيد بذلك، بأنه رتب فعله على فعل الإمام، بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب، تعقبه الولي العراقي بأن الفاء المقتضية للتعقيب هي العاطفة، أما الواقعة في جواب الشرط فإنما هي للربط.

قال والظاهر أنها لا دلالة لها على التعقيب، على أن في دلالتها على التعقيب مذهبين حكاهما أبو حيان في شرح التسهيل، ولعل أصلهما أن الشرط مع الجزاء أو متقدم عليه، وهذا يدل على أن التعقيب، إن قلنا به، فليس من الفاء، وإنما هو من ضرورة تقدم الشرط على الجزاء، والله أعلم انتهى.

( وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا) مفعول فارفعوا محذوف كمفعول فاركعوا، ( وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد) بغير واو، وفي السابقة بإثباتها، وهما سواء كما قال أصحابنا، نعم في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ولك الحمد، بالواو، وهو يتعلق بما قبله أي: سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا.
( وإذا سجد فاسجدوا) .




[ قــ :713 ... غــ : 734 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( قال: قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر) تكبيرة الإحرام أو غيرها ( فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو أي بعد أن تقولوا: سمع الله لمن حمده، كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام.
وإن كان ظاهر الحديث أن المأموم لا يزيد على: ربنا ولك الحمد، لكن ليس فيه حصر ( وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون) بالرفع توكيد للضمير في فصلوا، أو للضمير المستكن في الحال.
وهو جلوسًا.

وقيل روي: أجمعين بالنصب على الحال من ضمير جلوسًا لا مؤكدًا لجلوسًا لأنه نكرة فلا يؤكد.
وردّ كونه حالاً بأن المعنى ليس عليه، وأنه لم يجيء في أجمعين إلا التأكيد في المشهور.
لكن أجاز ابن درستويه حالية: أجمعين، وعليه يتخرج رواية النصب إن ثبتت، والأصح على تقدير ثبوتها أنها على بابها للتوكيد، لكن توكيدًا لضمير منصوب مقدّر كأنه قال: أعنيكم أجمعين.
ولا يخفى ما فيه من البعد اهـ.


قلت ثبت فيما سبق في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من رواية أبوي الوقت وذر: أجمعين بالنصب مع ما فيه.
وهذا الحكم منسوخ بما ثبت في مرض موته.

يستفاد من ذلك وجوب متابعة الإمام.
فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام منه، فإن شرع فيه قبل فراغه لم تنعقد، لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلاّ بالفراغ من التكبير، فالاقتداء به في أثنائه اقتداء بمن ليس في صلاة، بخلاف الركوع والسجود ونحوهما، فيركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولا تبطل، وكذا في السجود يسلم بعد سلامه، فإن سلم قبله بطلت إلا أن ينوي المفارقة، أو معه فلا تبطل، لأنه تحلل، فلا حاجة فيه للمتابعة بخلاف لسبق، فإنه منافٍ للاقتداء.