فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الخشوع في الصلاة

باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ
( باب الخشوع في الصلاة) .

الصلاة صلة العبد بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت له طوالع التجلي، فيخشع.
وقد شهد القرآن بفلاح مُصلِّ خاشع قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2] .
أي: خائفون من الله، متذللون له، يلزمون أبصارهم مساجدهم.

وعلامة ذلك أن لا يلتفت الصلي يمينًا ولا شمالاً.
ولا يجاوز بصره موضع سجوده.

صلّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها ولم يشعر هو بها.

والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد قال تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] .
وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل العبد على ربه، ويستحضر بين يدي من هو واقف.

كان مكتوبًا في محراب داود عليه الصلاة والسلام، أيها المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟
وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.


[ قــ :720 ... غــ : 741 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي».

وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( هل ترون) بفتح التاء، والاستفهام إنكاري أي أتظنون ( قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي ( هاهنا) فقط؟ ( والله ما) ، ولأبي ذر عن الحموي: لا ( يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم) تشبيه لهم على التلبس بالخشوع في الصلاة، لأنه إنما قال لهم ذلك لما رآهم يلتفتون غير ساكنين، وذلك ينافي كمال الصلاة.
فيكون مستحبًّا لا واجبًا، إذ لم يأمرهم هنا بالإعادة.


وقد حكى النووي الإجماع على عدم وجوبه، قال في شرح التقريب وفيه نظر، فقد روينا في كتاب الزهد لابن المبارك، عن عمار بن ياسر، قال: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه، وفي كلام غير واحد من العلماء ما يقتضي وجوبه انتهى.

والخشوع: الخوف أو السكون، أو هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة.

وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن سعيد بن السيب، أنه رأى رجلاً يلعب بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.

وقد تتحرك اليد مع وجود الخشوع، ففي سنن البيهقي، عن عمرو بن حريث، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربما مسّ لحيته وهو يصلّي.
وهذا موضع الترجمة.

( وإني لأراكم) بفتح الهمزة، أي: أبصركم ( وراء ظهري) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي.
من وراء ظهري، أي ببصره العهود إبصارًا انخرقت له فيه العادة أو بغيره كما مرّ.




[ قــ :71 ... غــ : 74 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قَالَ- مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ( قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج، ولابن عساكر: عن شعبة ( قال: سمعت قتادة) بن دعامة يقول ( عن أنس بن مالك) وسقط لفظ: ابن مالك عند ابن عساكر: ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( أقيموا) أي أكملوا ( الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم) بفتح اللام المؤكدة والهمزة ( من بعدي) أي: من خلفي ( -وربما قال: من بعد ظهري-) ( إذا ركعتم وسجدتم) ولأبي ذرّ: وإذا سجدتم.

وأغرب الداودي حيث فسر البعدية هنا بما بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني: إن أعمال أمته تعرض عليه، ولا يخفى بعده لأن سياق الحديث يأباه.