فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ
.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ: «فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ».

( باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة) .

( قالت عائشة) رضي الله عنها، مما هو طرف حديث وصلة المؤلّف في باب: إذا انفلتت الدابة ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة الكسوف) ( فرأيت) بالفاء قبل الراء، ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر: رأيت ( جهنم يحطم) بكسر الطاء، أي يأكل ( بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت) .


[ قــ :725 ... غــ : 746 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "قُلْنَا لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ".
[الحديث 746 - أطرافه في: 760، 761، 777] .

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي ( قال: حدّثنا عبد الواحد) وللأصيلي عبد الواحد بن زياد، بكسر الزاي وتخفيف المثناة ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران، ( عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ( بن عمير) تصغير عمر التيمي الكوفي، ( عن أبي معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن سخبرة الأزدي ( قال: قلنا لخباب) بفتح المعجمة، وتشديد الموحدة الأولى، ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقية ( أكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة ( الظهر و) صلاة ( العصر) ؟ أي غير الفاتحة؟ إذ لا شك في قراءتها ( قال: نعم.
قلنا)
ولأبي ذر: فقلنا، بفاء العطف ( بم) بحذف الألف تخفيفًا، ( كنتم تعرفون ذاك) ؟ أي قراءته، ولابن عساكر والأصيلي: ذلك ( قال) أي خباب، ( باضطراب لحيته) بكسر اللام أي بتحريكها.

ويستفاد منه ما ترجم له، وهو رفع البصر إلى الإمام، ويدل للمالكية حيث قالوا: ينظر إلى الإمام وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده.

ومذهب الشافعية يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع.

ورجال هذا الحديث ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.




[ قــ :76 ... غــ : 747 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ: "حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ".


وبه قال: ( حدّثنا حجاج) هو ابن منهال، لا حجاج بن محمد، لأن المؤلّف لم يسمع منه ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: أنبأنا) أي أخبرنا، وهو يطلق في الإجازة، بخلاف أخبرنا، فلا يكون إلاّ مع التقييد بأن يقول أخبرنا إجازة ( أبو اسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة، الأنصاري الخطمي الصحابي، وكان أميرًا على الكوفة، حال كونه ( يخطب، قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا ( البراء) بن عازب، ( وكان غير كذوب، أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع رأسه) الشريف ( من الركوع، قاموا قيامًا) نصب على المصدرية، والجملة جواب إذا ( حتى يرونه) بإثبات النون بعد الواو، ولأبي ذر والأصيلي: حتى يره، حال كونه ( قد سجد) .

ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإنباء والسماع والقول، ورواية صحابي عن صحابي.




[ قــ :77 ... غــ : 748 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ.
قَالَ: إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة ( عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والسين المهملة المخففة ( عن عبد الله بن عباس) رضي عنهما، ( قال: خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة ( على عهد رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: على عهد النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
فيه دليل لمن يقول: إن الخسوف يطلق على كسوف الشمس، لكن أكثر على استعماله في القمر، والكاف في الشمس، ( فصلى) عليه الصلاة والسلام صلاة الخسوف المذكورة في الباب السابق ( قالوا) ولأبي ذر: فقالوا: ( يا رسول الله! رأيناك تناول) أصله تتناول بمثناتين فوقيتين، فحذفت إحداهما تخفيفًا، وللأصيلي وابن عساكر: تناولت ( شيئًا في مقامك) بفتح الميم الأولى ( ثم رأيناك تكعكعت) أي تأخرت ورجعت وراءك ( قال) : ولأبوي ذر والوقت: فقال: ( إني أريت) بهمزة مضمومة ثم راء مكسورة وللكشميهني رأيت ( الجنة) من غير حائل ( فتناولت) أي أردت أن آخذ ( منها عنقودًا) بضم العين، وعلى هذا التأويل لا تضادّ بينه وبين قوله: ( ولو أخذته) أي العنقود ( لأكلتم) بميم الجمع وللكشميهني: لأكلت ( منه ما بقيت الدنيا) أي مدة بقاء الدنيا إلى انتهائها، لأن طعام الجنة لا يفنى.

فإن قلت: لِمَ لم يأخذ العنقود؟ أجيب بأنه من طعام الجنة الذي لا يفنى، ولا يجوز أن يؤكل في الدنيا إلاّ ما يفنى لأن الله تعالى أوجدها للفناء، فلا يكون فيها شيء مما يبقى.
اهـ.

واختصر هنا الجواب عن تأخره، وذكر في باقي الروايات: إنه لدنوّ نار جهنم.


ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: رأيناك تكعكعت، لأن رؤية تكعكعه عليه الصلاة والسلام تدلّ على أنهم كانوا يراقبونه عليه الصلاة والسلام.




[ قــ :78 ... غــ : 749 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَقَا الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ -مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ- الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
ثَلاَثًا".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون، وبعد الألف نون ثانية، العوفي الباهلي الأعمى، المتوفى سنة ثلاثة وعشرين ومائتين، ( قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام، ابن سليمان بن أبي الغيرة الأسلمي المدني، وقيل اسمه عبد الملك ( قال: حدّثنا هلال بن علي) بن أسامة العامري المدني وقد نسب إلى جده ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، وسقط لابن عساكر لفظ ابن مالك ( قال: صلّى لنا) باللام.
وفي نسخة: بنا ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم رقى) بالألف المقصورة، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: رقي: بكسر القاف وفتح الياء، أي صعد ( المنبر، فأشار بيديه) بالتثنية، وللأربعة: بيده ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي جهة، ( قبلة المسجد، ثم قال) :
( لقد رأيت الآن) اسم للوقت الذي أنت فيه، وهو ظرف غير متمكن، وقد وقع معرفة واللام فيه ليست معرّفة لأنه ليس له ما يشاركه حتى يميز، ولا يشكل عليه أن رأى للماضي، فكيف يجتمع مع الحال لدخول قد، فإنها تقرّبه للحال ( منذ) زمان ( صلّيت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين) أي: مصوّرتين ( في قبلة هذا الجدار) حقيقة أو عرض على مثالهما، وضرب له ذلك في الصلاة، كأنهما في عرض الحائط ( فلم أر) منظرًا ( كاليوم) أي مثل نظر اليوم ( في) أحوال ( الخير والشر) .
قال ذلك ( ثلاثًا) .

وقوله: صليت لكم بالماضي قطعًا واستشكل اجتماعه مع الآن، وأجيب بأنه إما أن يكون كما قال ابن الحاجب: كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر، فمثل صليت يكون للماضي الملاصق للحاضر، وإما أنه أريد بالآن ما يقال عرفًا أنه الزمان الحاضر، لا اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة.

ووجه مطابقة الحديث للترجمة أن فيه رفع البصر إلى الإمام.

ورواته أربعة، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والرقاق، والله أعلم.