فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الدعاء قبل السلام

باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ
( باب الدعاء) بعد التشهد ( قبل السلام) وللأصيلي: قبل التسليم.


[ قــ :810 ... غــ : 832 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ.
اللَّهُمَّ

إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ.
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ».
[الحديث 832 - أطرافه في: 833، 2397، 6368، 6375، 6376، 6377، 7129] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: أخبرنا عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله: زوج النبي إلخ.
ولأبي ذر وابن عساكر: أنها ( أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو في) آخر ( الصلاة) بعد التشهد قبل السلام، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعًا: إذا تشهد أحدكم فليقل: ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) بفتح الميم وكسر السين مخففة.

وقيده بالدجال ليمتاز عن عيسى ابن مريم عليه السلام، والدجل الخلط.
وسمي به لكثرة خلطه الباطل بالحق، أو من دجل: كذب والدجال: الكذاب.
وبالمسيح، لأن إحدى عينيه ممسوحة، فعيل بمعنى مفعول، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في أيام معدودة، فهو بمعنى فاعل، أو لأن الخير مسح منه فهو مسيح الضلال.

( وأعوذ بك من فتنة المحيا) ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان، أي: الابتلاء بالدنيا والشهوات والجهالات، ( وفتنة الممات) ما يفتتن به عند الموت في أمر الخاتمة، أعاذنا الله من ذلك، أضيفت إليه لقربها منه.
أو فتنة القبر، ولا تكرار مع قوله أولاً عذاب القبر، لأن العذاب مرتب على الفتنة، والسبب غير المسبب.
( اللهم إني أعوذ بك من المأثم) أي ما يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه، وضعًا للمصدر موضع الاسم ( و) أعوذ بك من ( المغرم) أي الدَّين، فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه.
فأما دين احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذة منه، والأول حق الله، والثاني حق العباد.

( فقال له) أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قائل) في رواية النسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عائشة، ولفظها: فقلت: يا رسول الله ( ما أكثر) بفتح الراء على التعجب ( ما تستعيذ من المغرم) ؟ في محل نصب به، أي: ما أكثر استعاذتك من المغرم ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( إن الرجل إذا غرم) بكسر الراء، وجواب قوله: ( حدث فكذب) بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه ولم يقم به، فيصير كاذبًا.
وذال كذب مخففة وهو عطف على حدث.
( ووعد فأخلف) .
كأن قال لصاحب الدين: أوفيك دينك في يوم كذا، ولم يوف، فيصير مخلفًا لوعده.
والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين.
وللحموي والمستملي: وإذا وعد أخلف.
وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل التعليم لأمته، وإلاّ فهو عليه الصلاة والسلام معصوم من ذلك، أو أنه سلك به طريق التواضع، وإظهار العبودية، وإلزام خوف الله تعالى، والافتقار إليه ولا يمنع تكرار الطلب مع تحقّق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات.


وزاد أبو ذر عن المستملي، هنا: قال محمد بن يوسف بن مطر الفربري: يحكى عن المؤلّف أنه قال: سمعت خلف بن عامر الهمذاني يقول في المسيح، بفتح الميم وتخفيف السين، والمسيح مشدد مع كسر الميم ليس بينهما فرق، وهما واحد في اللفظ، أحدهما عيسى ابن مريم عليه السلام، والآخر الدجال لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين، لكن إذا أريد الدجال قيد به كما مر.

وقال أبو داود في السُّنن: المسيح مثقل.
هو الدجال، ومخفف: عيسى عليه السلام، وحكي عن بعضهم أن الدجال مسيخ بالخاء المعجمة، لكن نسب إلى التصحيف.

وفي الحديث: التحديث بالجمع والإخبار ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية ورواته ما بين حمصي ومدني، وأخرجه المؤلّف في الاستقراض، ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي.




[ قــ :810 ... غــ : 833 ]
- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ".

( و) بالسند السابق إلى شعيب ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عن عروة أن عائشة) ولأبي ذر والأصيلي: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة ( رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعيذ في) آخر ( صلاته من فتنة الدجال) .

ساقه هنا مختصرًا، وفي السابق مطولاً، ليفيد أن الزهري رواه كذلك مع زيادة ذكر السماع عن عائشة رضي الله عنها.

فإن قلت: كيف استعاذ من فتنة الدجال مع تحقق عدم إدراكه.

أجيب: بأن فائدته تعليم أمته، لأن ينتشر خبره بين الأمة جيلاً بعد جيل بأنه: كذاب، مبطل، ساعٍ على وجه الأرض بالفساد، حتى لا يلتبس كفره عند خروجه من يدركه.




[ قــ :811 ... غــ : 834 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي.
قَالَ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
[الحديث 834 - طرفاه في: 636، 7388] .

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد ( عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة، آخره دال مهملة ابن عبد الله اليزني ( عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي ( عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علمني دعاء أدعو به في صلاتي) أي: في آخرها بعد التشهد الأخير: قبل السلام.


وقال الفاكهاني: الأولى أن يدعو به في السجود وبعد التشهد، لأن قوله: في صلاتي يعم جميعها.

وتعقب بأنه: لا دليل له على دعوى الأولوية، بل الدليل الصريح عامّ في أنه بعد التشهد قبل السلام، ( قال) له عليه الصلاة والسلام:
( قل: اللهم إني ظلمت نفسي) بارتكاب ما يوجب العقوبة ( ظلمًا كثيرًا) بالمثلثة، ولأبي ذر في نسخة: كبيرًا بالموحدة، وسقط لأبي ذر لفظ: نفسي "ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت".
إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة.
"فاغفر لي مغفرة" عظيمة لا يدرك كنهها "من عندك" تتفضل بها علي، لا تسبب لي فيها بعمل ولا غيره، "وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".

في هاتين الصفتين مقابلة حسنة، فالغفور مقابل لقوله: اغفر لي.
والرحيم مقابل لقوله: ارحمني.

قال في الكواكب: وهذا الدعاء من جوامع الكلم إذ فيه الاعتراف بغاية التقصير، وهو كونه ظالمًا ظلمًا كثيرًا وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة، فالأول عبارة عن الزحزحة عن النار، والثاني إدخال الجنة.
وهذا هو الفوز العظيم، اللهم اجعلنا من الفائزين بكرمك يا أكرم الأكرمين.

ورواة هذا الحديث سوى طرفيه مصريون، وفيه تابعي عن تابعي، وصحابي عن صحابي، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الدعوات، وكذا مسلم والترمذي وابن ماجة، وأخرجه النسائي في الصلاة، وزاد أبو ذر في نسخة عنه هنا: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي ساقطة عند الكل.