فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

باب الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى -أَوْ مَنْ يَعْمِدُ- الاِنْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ.

( باب الانفتال) لاستقبال المأمومين ( والانصراف) لحاجته ( عن اليمين والشمال) أي عن يمين المصلي وعن شماله، فالألف واللام عوض عن المضاف إليه.

( وكان أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك، مما وصله مسدد في مسنده الكبير، من طريق سعيد عن قتادة، قال: كان أنس ( ينفتل) أي ينصرف ( عن يمينه وعن يساره، ويعيب على من يتوخى) بالخاء المعجمة المشددة، أي يقصد ويتحرى ( -أو من يعمد- الانفتال عن يمينه) بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم، شك من الراوي.
وفي رواية أبي ذر: أو من تعمد، بفتح المثناة الفوقية

والعين والميم المشدّدة، ولابن عساكر والأصيلي: أو يعمد، بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم مع إسقاط: من.

فإن قلت: هذا يخالف ما في مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، قال: أنسًا كيف أنصرف إذا صليت، عن يميني أو عن يساري؟
قال: أمّا أنا، فأكثر ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينصرف عن يمينه.

أجيب بأن أنسًا إنما عاب من يعتقد تحتّم ذلك ووجوبه، وأما إذا استوى الأمران، فجهة اليمين أولى، لأنه عليه الصلاة والسلام: كان أكثر انصرافه لجهة اليمين، كما سيأتي في الحديث الآتي، إن شاء الله تعالى، ويجب التيامن في شأنه كله.


[ قــ :827 ... غــ : 852 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "لاَ يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك ( قال: حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( شعبة) بن الحجاج، ( عن سليمان) بن مهران الأعمش ( عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما، ( عن الأسود) بن يزيد النخعي ( قال: قال عبد الله) بن مسعود، رضي الله عنه: ( لا يجعل) وللكشميهني: لا يجعلن، بنون التوكيد، ( أحدكم للشيطان شيئًا) ولمسلم: جزءًا ( من صلاته يرى) بفتح أوّله، أي: يعتقد، ويجوز الضم أي: يظن ( أن حقًّا عليه أن لا ينصرف إلاّ عن يمينه) بيان لما قبله، وهو الجعل أو استئناف بياني.
كأنه قيل: كيف يجعل للشيطان شيئًا من صلاته؟ فقال: يرى أن حقًّا عليه إلى آخره.

وقوله: أن لا ينصرف، في موضع رفع خبر أن، واستشكل بأنه معرفة، إذ تقديره عدم الانصراف، فكيف يكون اسمها نكرة وهو معرفة؟
وأجيب: بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة، أو من باب القلب، أي: يرى أن عدم الانصراف حق عليه.
قاله البرماوي تبعًا للكرماني.

وتعقبه العيني فقال: هذا تعسف، والظاهر أن المعنى: يرى واجبًا عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه والله ( لقد رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا) حال كونه ( ينصرف عن يساره) .

واستنبط ابن المنير منه: أن المندوب ربما انقلب مكروهًا إذا خيف على الناس أن يرفعوه عن رتبته، لأن التيامن مستحب.
لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقد وجوبه، أشار إلى كراهته.


قال أبو عبيدة لن انصرف عن يساره: هذا أصاب السُّنّة، يريد والله أعلم، حيث لم يلزم التيامن على أنه سُنّة مؤكدة أو واجب، وإلا فما يظن أن التياسر سُنّة حتى يكون التيامن بدعة، إنما البدعة في رفع التيامن عن رتبته.
قاله في المصابيح.

ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وواسطي وبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة: في الصلاة.
والله أعلم.