فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس

باب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنهم.

هذا ( باب) بالتنوين ( وقت الجمعة) أوّله ( إذا زالت الشمس) عن كبد السماء.

( وكذلك يروى) بضم أوّله وفتح الواو، ويروى في نسخة عن الأربعة: يذكر ( عن فضلاء الصحابة) : ( عمر) بن الخطاب، فيما وصله ابن أبي شيبة، وشيخ المؤلّف: أبو نعيم في كتاب الصلاة له، من رواية عبد الله بن سيدان بكسر المهملة وسكون المثناة التحتية وغيره ( وعلي) هو: ابن أبي طالب، مما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، ( والنعمان بن بشير) مما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضًا، عم سماك بن حرب ( وعمر بن حريث) بفتح العين وسكون الميم في الأوّل، وبالتصغير في الثاني، مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا، من طريق الوليد بن العيزار ( رضي الله عنهم) ، وهو مذهب عامّة العلماء.

وذهب أحمد إلى صحة وقوعها قبل الزوال، متمسكًّا بما روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم: أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، من طريق لا تثبت.
وما روي أيضًا، من طريق عبد الله بن سلمة، بكسر اللام: أن عبد الله بن مسعود صلّى بهم الجمعة ضحى، وقال: خشيت عليكم الحر.

وأجيب: بأن عبد الله، وإن كان كبيرًا، لكنه تغير لا كبر.
قاله شعبة.

وقول بعض الحنابلة، محتجًّا بقوله عليه الصلاة والسلام: "إن هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين"، فلما سماه عيدًا جازت الصلاة فيه في وقت العيد: كالفطر والأضحى، معارض بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدًا أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقًا، سواء صام قبله أو بعده، بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم.
اهـ.


[ قــ :876 ... غــ : 903 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا

راحوا إلى الجُمعةِ راحوا في هَيْئتِهم، فقيلَ لهم: لَوِ اغتسَلْتم".
[الحديث 903 - طرفه في: 2071] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح المهملة وسكون الموحدة وتخفيف الدال المهملة، هو عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائتين، ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا ( يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه سأل عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم، بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية.
( عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة، رضي الله عنها: كان الناس مهنة) بفتحات جمع: ماهن، ككتبة وكاتب، أي: خدمة ( أنفسهم) وفي نسخة لأبي ذر، عن الحموي والمستملي، وعزاها العيني كالحافظ ابن حجر لحكاية ابن التين: مهنة، بكسر الميم وسكون الهاء، مصدر.
أي: ذوي مهنة أنفسهم ( وكانوا إذا راحوا) أي: ذهبوا بعد الزوال ( إلى) صلاة ( الجمعة، راحوا في هيئتهم) من العرق المتغير الحاصل بسبب جهد أنفسهم في المهنة ( فقيل لهم: لو اغتسلتم) لكان مستحبًّا لنزول تلك الرائحة الكريهة التي يتأذى بها الناس والملائكة.

وتفسير الرواح هنا بالذهاب بعد الزوال هو على الأصل مع تخصيص القرينة له به؛ وفي قوله: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى"، القرينة قائمة في إرادة مطلق الذهاب، كما مر عن الأزهري، فلا تعارض.

ورواة هذا الحديث ما بين مروزي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والسؤال والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة، وأبو داود فى الطهارة.




[ قــ :877 ... غــ : 904 ]
- حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ".

وبه قال: ( حدّثنا سريج بن النعمان) بالسين المهملة المضمومة آخره جيم مصغر، وضم نون: النعمان، وسكون عينه، البغدادي، المتوفى سنة سبع عشرة ومائتين ( قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة في الأول، وضم المهملة في الثاني مصغرين ( عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه) ، صرّح الإسماعيلي من طريق زيد بن الحباب، عن فليح، بسماع عثمان له من أنس: ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي الجمعة حين تميل الشمس) أي: تزول عن كبد السماء.

وأشعر التعبير، بكان بمواظبته عليه الصلاة والسلام على صلاة الجمعة بعد الزوال.





[ قــ :878 ... غــ : 905 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ".
[الحديث 905 - طرفه في: 940] .

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( قال: أخبرنا حميد، عن أنس قال) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: عن أنس بن مالك قال: ( كنّا نبكر بالجمعة) أي: نبادر بصلاتها قبل القيلولة.

وقد تمسك بظاهره الحنابلة في صحة وقوعها باكر النهار.

وأجيب: بأن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته، وتقديمه على غيره.
فمن بادر إلى شيء فقد بكر إليه، أي: وقت.
كأن يقال: بكر بصلاة الغرب، إذا أوقعها في أول وقتها.
وطريق الجمع أولى من دعوى التعارض.

وأيضًا فالتبكير شامل لما قبل طلوع الشمس، والإمام أحمد لا يقول به، بل يجوزها قبل الزوال.

فالمنع في أول النهار اتفاق فإذا تعذر أن يكون بكرة، دل على أن يكون المراد به المبادرة من الزوال.
كذا قرره البرماوي، كغيره.

( ونقيل) بفتح أوله، مضارع.
قال قيلولة، أي: ننام ( بعد) صلاة ( الجمعة) عوضًا عن القيلولة عقب الزوال الذي صليت فيه الجمعة، لأنه كان من عادتهن في الحر يقيلون ثم يصلون الظهر لمشروعية الإبراد.

وفيه: أن الجمعة لا تصلّى ولا يفعل شيء منها ولا من خطبتها في غير وقت ظهر يومها، ولو جاز تقديم الخطبة لقدمها، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لتقع الصلاة أول الوقت.

وما رواه الشيخان عن سلمة بن الأكوع من قوله: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به، محمول على شدة التعجيل بعد الزوال جمعًا بين الأدلة على أن هذا الحديث إنما ينفي ظلاُّ يستظل به، لا أصل الظل.