فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الخطبة على المنبر

باب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ
وَقَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ.

( باب) مشروعية ( الخطبة) للجمعة وغيرها ( على المنبر) بكسر الميم.

( وقال أنس) هو ابن مالك، مما وصله المؤلّف في: الاعتصام والفتن مطوّلاً: ( خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر) فيستحب فعلها عليه.

فإن لم يكن منبر فعلى مرتفع، لأنه أبلغ في الإعلام، فإن تعذر، استند إلى خشبة أو نحوها، لما سيأتي إن شاء الله تعالى، أنه عليه الصلاة والسلام المكان يخطب، إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، وأن يكون المنبر على يمين المحراب، والمراد به يمين مصلّى الإمام قال الرافعي، رحمه الله: هكذا وضع منبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.


[ قــ :890 ... غــ : 917 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ: "أَنَّ رِجَالاً أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ؟ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى فُلاَنَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ- مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ، فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا.
ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَيْهَا، وَكَبَّرَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ

الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ.
ثُمَّ عَادَ.
فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي».

وبالسند قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط: ابن سعيد، عند أبي ذر وابن عساكر ( قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري) بالقاف والمثناة المشددة من غير همز، نسبة إلى القارة، قبيلة ( القرشي) الحلف في بني زهرة من قريش، قال عياض: كذا لبعض رواة البخاري: القرشي، وسقط للأصيلي، وكلاهما صحيح، ( الإسكندراني) السكن والوفاة، وكانت سنة إحدى وثمانين ومائة، ( قال: حدّثنا أبو حازم بن دينار) بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة الأعرج ( أن رجالاً) ، قال الحافظ ابن حجر، لم أقف على أسمائهم، ( أتوا سهل بن سعد الساعدي) بإسكان الهاء والعين ( وقد امتروا) جملة حالية، أي: تجادلوا أو شكوا، من المماراة، وهي: المجادلة.

قال الراغب: الامتراء والماراة، ومنه { فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22] .

وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عند مسلم: أن نفرًا تماروا، أي تجادلوا.
قاله ابن حجر، وجعله البرماوي كالكرماني من: الامتراء.
قال: هو: الشك.
قال العيني متعقبًا للحافظ ابن حجر: وهو الأصوب، ولم يبين لذلك دليلاً.

( في المنبر) النبوي ( مِمَّ عوده) ؟ أي: من أي شيء هو؟ ( فسألوه) أي: سهل بن سعد ( عن لك) الممترى فيه ( فقال: والله إني لأعرف مما هو) بثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورة على الأصل، وهو قليل.
وهي قراءة عبد الله وأُبيّ في { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] والجمهور بالحذف، وهو المشهور، وإنما أتى بالقسم مؤكدًا بالجملة الاسمية، وبأن، التي للتحقيق، و: بلام التأكيد في الخبر، لإرادة التأكيد فيما قاله للسامع ( ولقد رأيته) أي المنبر ( أوّل) أي: في أوّل ( يوم وضع) موضعه، هو زيادة على السؤال، كقوله: ( وأوّل يوم) أي: في أول يوم ( جلس عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

وفائدة هذه الزيادة المؤكدة: باللام، وقد، إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه.

ثم شرح الجواب بقوله: ( أرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى فلانة امرأة) بعدم الصرف في فلانة، للتأنيث والعلمية.

ولا يعرف اسم المرأة، وقيل: هي فكيهة بنت عبيد بن دليم، أو: علاثة، بالعين المهملة وبالمثلثة، وقيل: إنه تصحيف فلانة، أو: هي عائشة، قيل: وهو تصحيف الصحف السابق.

وزاد الأصيلي من الأنصار، ( قد سماها سهل) فقال لها:
( مري) أصله: أومري، على وزن: افعلي، فاجتمعت همزتان فثقلتا، فحذفت الثانية، واستغني عن همزة الوصل، فصار: مري على وزن: علي لأن المحذوف فاء الفعل ( غلامك النجار) بالنصب،

صفة لغلام ( أن يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا كلمت الناس) أجلسُ بالرفع في اليونينية، أي: أنا أجلس وفي غيرها أجلس بالجزم جواب للأمر.

والغلام: اسمه ميمون، كما عند قاسم بن أصبغ، أو: إبراهيم، كما في الأوسط للطبراني، أو: باقول بالموحدة والقاف المضمومة واللام، كما عند عبد الرزاق، وباقوم، بالميم بدل اللام، كما عند ابن نعيم في المعرفة، أو: وصباح، بضم الصاد المهملة بعدها موحدة خفيفة آخره حاء مهملة، كما عند ابن بشكوال، أو: قبيصة المخزومي، مولاهم، كما ذكره عمر بن شبة في الصحابة، أو: كلاب، مولى ابن عباس، أو: تميم الداري، كما عند أبي داود والبيهقي، أو ثمينًا، كما ذكره ابن بشكوال، أو: رومي، كما عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه.

ويحتمل أن يكون المراد به: تميمًا الداري لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم.

وأشبه الأقوال بالصواب أنه: ميمون.
ولا اعتداد بالأخرى لوهاها.

وحمله بعضهم على أن الجميع اشتركوا في عمله، وعورض بقوله في كثير من الروايات السابقة، ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد.

وأجيب: باحتمال أن المراد بالواحد، الماهر في صناعته والبقية.
أعوان له.

( فأمرته) أي: أمرت المرأة غلامها أن يعمل، ( فعملها) أي: الأعواد ( من طرفاء الغابة) بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وبعد الراء فاء ممدودة، شجر من شجر البادية، والغابة: بالغين المعجمة بالموحدة، موضع من عوالي المدينة من جهة الشام، ( ثم جاء) الغلام ( بها) بعد أن عملها، ( فأرسلت) أي: المرأة ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعلمه بأنه فرغ منها.

( فأمر بها) ، عليه الصلاة والسلام، ( فوضعت هاهنا.
ثم رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها)
أي: على
الأعواد المعمولة منبرًا ليراه من قد تخفى عليه رؤيته إذا صلّى على الأرض ( وكبّر وهو عليها) جملة حالية، زاد في رواية سفيان، عن أبي حازم: فقرأ ( ثم ركع، وهو عليها) جملة حالية أيضًا، كذلك، زاد سفيان أيضًا: ثم رفع رأسه ( ثم نزل القهقرى) أي رجع إلى خلفه محافظة على استقبال القبلة.

( فسجد في أصل المنبر) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه، ( ثم عاد) إلى المنبر.

وفي رواية هشام بن سعد، عن أبي حازم، عند الطبراني: فخطب الناس عليه، ثم أقيمت الصلاة، فكبر وهو على المنبر، فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة.

( فلما فرغ) من الصلاة ( أقبل على الناس) بوجهه الشريف ( فقال) عليه الصلاة والسلام، مبينًّا لأصحابه رضي الله عنهم حكمة ذلك.

( أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي) بكسر اللام وفتح المثناة الفوقية والعين، أي: لتتعلموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا.


وفيه جواز العمل اليسير في الصلاة.
وكذا الكثير إن تفرق، وجواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وارتفاع الإمام على المأمومين، وشروع الخطبة على المنبر لكل خطيب، واتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه.

ورواة الحديث: واحد منهم بلخي، وهو شيخ المؤلّف، والاثنان بعده مدنيان، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.




[ قــ :891 ... غــ : 918 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ".

قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا.

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) وهو سعيد بن الحكم بن سالم بن أبي مريم، الجمحي بالولاء، المصري، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا محمد بن جعفر) هو ابن كثير الأنصاري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( يحيى بن سعيد) الأنصاري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( ابن أنس) هو: حفص بن عبيد الله بن أنس ( أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه ( قال: كان جذع) بكسر الجيم وسكون المعجمة، واحد جذوع النخل ( يقوم إليه) ولأبوي ذر والوقت، عن الحموي، والمستملي: يقوم عليه ( النبي) وللأصيلي: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذا خطب الناس ( فلما وضع له المنبر) أي لأجل الخطبة، وهو موضع الترجمة ( سمعنا للجذع) المذكور صوتًا ( مثل أصوات العشار) بكسر العين المهملة ثم سين معجمة، جمع عشراء، بضم العين وفتح الشين، الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر، أو التي معها أولادها ( حتى نزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المنبر ( فوضع يده) الشريفة ( عليه) فسكن.

وفي حديث أبي الزبير عن جابر عن النسائي في الكبرى: اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج، وهي بفتح الخاء المعجمة وضم اللام الخفيفة آخره جيم، الناقة التي انتزع منها ولدها، والحنين: هو صوت المتألم المشتاق عند الفراق.

( قال) ولابن عساكر: وقال ( سليمان) هو ابن بلال، مما وصله المصنف في: علامات النبوّة، ( عن يحيى) هو: ابن سعيد قال: ( أخبرني) بالإفراد ( حفص بن عبيد الله بن أنس أنه سمع جابرًا) ولأبي ذر والأصيلي: جابر بن عبد الله.




[ قــ :89 ... غــ : 919 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ".


وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي أياس) سقط: ابن أبي أياس، لغير أبي ذر والأصيلي (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم) هو: ابن عبد الله القرشي العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (قال سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخطب على المنبر) هو موضع الترجمة (فقال) في خطبته:
(من جاء إلى) صلاة (الجمعة فليغتسل).