فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستماع إلى الخطبة

باب الاِسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبَةِ
( باب الاستماع) أي، الإصغاء ( إلى الخطبة) يوم الجمعة.


[ قــ :901 ... غــ : 929 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ.
وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً.
فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».
[الحديث 929 - طرفه في: 3211] .

وبالسند، قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي أياس ( قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن أبي عبد الله) سلمان الجهني، مولاهم، ( الأغرّ) لقبًا، الأصبهاني أصلاً، المدني ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأوّل فالأوّل) قال في المصابيح: نصب على الحال، وجاءت معرفة وهو قليل ( ومثل المهجر) بضم الميم وتشديد الجيم المكسورة أي، وصفة المبكر، أو المراد: الذي يأتي في الهاجرة، فيكون دليلاً للمالكية، وسبق البحث فيه، ( كمثل الذي يهدي) بضم أوله وكسر ثالثه أي: يقرّب، وللأصيلي: كالذي يهدي ( بدنة) من الإبل، خبر عن

قوله مثل الهجر، والكاف لتشبيه صفة بصفة أخرى ( ثم) الثاني ( كالذي يهدي بقرة، ثم) الثالث كالذي يهدي ( كبشًا، ثم) الرابع كالذي يهدي ( دجاجة، ثم) الخامس كالذي يهدي ( بيضة) .

إنما قدرنا بالثاني لأنه كما قال في المصابيح: لا يصح العطف على الخبر لئلا يقعا معًا خبرًا عن واحد، وهو مستحيل، وحينئذ فهو خبر مبتدأ محذوف مقدّر بما مر، وكذا قوله: ثم كبشًا، لا يكون معطوفًا على بقرة، لأن المعنى يأباه، بل هو معمول فعل محذوف دلّ عليه التقدم، والتقدير كما مر، ثم الثالث: كالذي يهدي كبشًا، وكذا ما بعده.

( فإذا خرج الإمام طوَوْا) أي الملائكة، ( صحفهم) التي كتبوا فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، ( ويستمعون الذكر) أي الخطبة.

وأتى بصيغة المضارع لاستحضار صورة الحال اعتناءً بهذه المرتبة، وحملاً على الاقتداء بالملائكة.
وهذا موضع الاستشهاد على الترجمة.

قال التيمي: في استماع الملائكة حضّ على استماعها والإنصات إليها.
وقد ذكر كثير من المفسرين أن قوله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ورد في الخطبة، وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه، والإنصات: السكوت، والاستماع: شغل السمع بالسماع، فبينهما عموم وخصوص من وجه.

واختلف العلماء في هذه المسألة، فعند الشافعية، يكره الكلام حال الخطبة من ابتدائها لظاهر الآية، وحديث مسلم عن أبي هريرة: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب، فقد لغوت".

ولا يحرم، للأحاديث الدالّة على ذلك، كحديث أنس المروي في في الصحيحين: بينما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يخطب يوم الجمعة، قام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادعُ الله لنا، فرفع يديه ودعا.
وحديث أنس أيضًا، المروي بسند صحيح عند البيهقي: أن رجلاً دخل والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل، وأعاد الكلام، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الثالثة: "ما أعددت لها"؟ قال: حبّ الله وحب رسوله.
قال: "إنك مع مَن أحببت".
وجه الدلالة منه أنه لم ينكر عليه الكلام، ولم يبين له وجه السكوت.

والأمر في الآية للندب، ومعنى: لغوت، تركت الأدب، جمعًا بين الأدلة.

وقال أبو حنيفة: وخروج الإمام قاطع للصلاة والكلام، وأجاز صاحباه إلى كلام الإمام له، قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا خرج الإمام لا صلاة ولا كلام".
ولهما، قوله عليه الصلاة والسلام: "خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام".


وقال المالكية والحنابلة أيضًا بالمنع، لحديث: إذا قلت لصاحبك أنصت.
وأجابوا عن حديث أنس السابق، وما في معناه، بأنه غير محل النزاع، لأن محل النزاع الإنصات والإمام يخطب، وأما سؤال الإمام وجوابه فهو قاطع لكلامه، فيخرج عن ذلك.

وقد بنى بعضهم القولين على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين، وبه صرّح الحنابلة، وعزوه لنص إمامهم، أو هي صلاة على خيالها، لقول عمر رضي الله عنه: الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد خاب من افترى.
رواه الإمام أحمد وغيره، وهو: حديث حسن كما قاله في المجموع.
فعلى الأول يحرم لا على الثاني.

ومن ثم، أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام ولو كان به صمم، أو بعد عن الإمام بحيث لا يسمع.

قال المالكية: يحرم عليه أيضًا لعموم وجوب الإنصات، ولما روي عن عثمان، رضي الله عنه، من كان قريبًا استمع وأنصت، ومن كان بعيدًا افترى.

وقال الحنفية، الأحوط السكوت.

وأما الكلام قبل الخطبة وبعدها، وفي جلوسه بينهما، وللداخل في أثنائها ما لم يجلس، فعند الشافعية والحنابلة وأبي يوسف: يجوز من غير كراهة.

وقال المالكية: يحرم في جلوسه بينهما، لا في جلوسه قبل الشروع فيها، ولو سلم داخل على مستمع الخطبة وجب الرد عليه، بناء على أن الإنصات سُنّة، كما سبق.
وصرّح في المجموع وغيره مع ذلك بكراهة السلام، ونقلها عن النص وغيره.

لكن إذا قلنا: لا يشرع السلام فكيف يجب الرد؟
وفي المدوّنة: لا يسلم الداخل، وإن سلم فلا يردّ عليه لأنه سكوت واجب، فلا يقطع بسلام ولا رده كالسكوت في الصلاة، وكذا قال الحنفية.