فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة

باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
( باب الاستسقاء) وهو طلب السقيا، بضم السين، أي: المطر ( في الخطبة يوم الجمعة) .


[ قــ :905 ... غــ : 933 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ،

فَادْعُ اللَّهَ لَنَا.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ -وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً- فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى.
وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ -أَوْ قَالَ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا.
فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ.
وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ".

وبالسند قال ( حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي، بالزاي، الأسدي ( قال: حدّثنا أبو الوليد) ولأبي ذر، والأصيلي، الوليد بن مسلم، أي، القرشي الدمشقي ( قال: حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين، عبد الرحمن، ولأبي ذر، والأصيلي: أبو عمرو الأوزاعي، نسبة إلى الأوزاع، قبائل شتى، أو بطن من ذي الكلاع من اليمن، أو الأوزاع قرية بدمشق ( قال: حدّثني) بالإفراد ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( قال: أصابت الناس سنة) بفتح السين المهملة، أي: شدة وجهد من الجدوبة، ( على عهد النبي) أي: زمنه، ولابن عساكر: على عهد رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبينما النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب في يوم جمعة، قام أعرابي) من سكان البادية، لا يعرف اسمه ( فقال: يا رسول الله! هلك المال) الحيوانات، لفقد ما ترعاه ( وجاع العيال) لعدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر ( فادع الله لنا) أن يسقينا.

( فرفع) عليه الصلاة والسلام ( يديه -وما نرى في السماء قزعة-) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات، قطعة من سحاب، أو رقيقه الذي إذا مرّ تحت السحاب الكثيرة كان كأنه ظل.

قال أنس: ( فوالذي نفسي بيده، ما وضعها) أي: يده، ولأبي ذر، والأصيلي، عن الكشميهني: ما وضعهما، أي: يديه ( حتى ثار السحاب) بالمثلثة، أي: هاج وانتشر ( أمثال الجبال) من كثرته، ( ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر) ينحدر، أي: ينزل ويقطر ( على لحيته) الشريفة ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فمطرنا)
بضم الميم وكسر الطاء، أي: حصل لنا المطر ( يومنا) نصب على الظرفية، أي: في يومنا ( ذلك، ومن الغد) حرف الجر إما بمعنى في، أو للتبعيض، ( وبعد الغد) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ومن بعد الغد ( والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى) بالجر في الفرع وأصله، على أن حتى: جارة، ويجوز النصب، عطفًا على سابقه المنصوب، والرفع، على أن مدخولها مبتدأ خبره محذوف.

( وقام) بالواو، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: فقام ( ذلك الأعرابي -أو قال) قام ( غيره- فقال: يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا) .

( فرفع) عليه الصلاة والسلام ( يده فقال) :

( اللهمَّ) ولأبي ذر، وابن عساكر: فرفع يديه: اللهم ( حوالينا) بفتح اللام أي: أنزل أو أمطر حوالينا ( ولا) تنزله ( علينا) أراد به الأبنية.

( فما يشير) عليه الصلاة والسلام ( بيده) الشريفة ( إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت) إلا انكشفت، أو تدوّرت كما يدوّر جيب القميص.

( وصارت المدينة مثل الجوبة) بفتح الجيم وسكون الواو وفتح الموحدة، الفرجة المستديرة في السحاب أي: خرجنا والغيم والسحاب محيطان بأكناف المدينة.

( وسال الوادي قناة) بقاف مفتوحة فنون مخففة فألف فهاء تأنيث، مرفوع على البدل، من الوادي غير منصرف للتأنيث والعلمية، إذ هو اسم لوادٍ معين من أودية المدينة، أي: جرى فيه المطر ( شهرًا.
ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود)
بفتح الجيم، أي: بالمطر الغزير.

ورواة الحديث ما بين: مدني ودمشقي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وشيخه من أفراده، وأخرجه أيضًا في الاستسقاء والاستئذان، ومسلم والنسائي في الصلاة.