فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الساعة التي في يوم الجمعة

باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
( باب الساعة التي) يستجاب فيها الدعاء ( في يوم الجمعة) .


[ قــ :907 ... غــ : 935 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ».
وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.
[الحديث 935 - طرفاه 5294، 6400] .


وبالسند قال.
( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ذكر يوم الجمعة فقال) :
( فيه ساعة) أبهمها هنا كليلة القدر، والاسم الأعظم، والرجل الصالح، حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم.

وقد روي: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها"، ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام، فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب، وملازمة الذكر والدعاء، والنزوع عن وساوس الدنيا، فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات.

وهل هذه الساعة باقية أو رفعت؟
وإذا قلنا بأنها باقية، وهو الصحيح، فهل هي في جمعة واحدة من السنة؟ أو في كل جمعة منها؟
قال بالأول كعب الأحبار لأبي هريرة، وردّه عليه فرجع لما راجع التوراة إليه.
والجمهور على وجودها في كل جمعة.

ووقع تعيينها في أحاديث كثيرة: أرجحها حديث مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، مرفوعًا: "أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة".
رواه مسلم وأبو داود.

وقول عبد الله بن سلام، المروي عند مالك، وأبي داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، من حديث أبي هريرة أنه قال لعبد الله بن سلام: أخبرني ولا تضنّ.
فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة.
قال أبو هريرة: فقلت: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلّي ... " وتلك الساعة لا يصلّى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلّي ... " الحديث.

واختلف أيّ الحديثين أرجح؟ فرجح مسلم، فيما ذكره البيهقي، حديث أبي موسى، وبه قال جماعة منهم ابن العربي، والقرطبي، وقال: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره، وجزم في الروضة بأنه الصواب.
ورجحه بعضهم أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وبأنه في أحد الصحيحين.

وتعقب بأن الرجيح بما فيهما، أو في أحدهما، إنما هو حيث لم يكن مما انتقده الحفاظ، وهذا قد انتقد لأنه أعلّ بالانقطاع والاضطراب، لأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد، عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه.


وقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة، وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من الكوفة، وأبو بردة منها أيضًا، فهو أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد.

ورجح آخرون: كأحمد وإسحاق، قول ابن سلام، واختاره ابن الزملكاني، وحكاه عن نص الشافعي ميلاً إلى: أن هذه رحمة من الله تعالى للقائمين بحق هذا اليوم، فأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل.

وقيل في تعيينها غير ذلك مما يبلغ نحو الأربعين، أضربت عنها خوف الإطالة، لا سيما وليست كلها متغايرة، بل كثير منها يمكن اتحاده مع غيره.

وما عدا القولين المذكورين موافق لهما.
أو لأحدهما، أو ضعيف الإسناد، أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف.

وحقيقة الساعة المذكورة: جزء من الزمان مخصوص، وتطلق على جزء من اثني عشر من مجموع النهار، أو على جزء مقدّر من الزمان فلا يتحقق، أو على الوقت الحاضر.

ووقع في حديث جابر، المروي عند أبي داود وغيره مرفوعًا بإسناد حسن، ما يدل للأوّل، ولفظه: "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة ... إلخ".

( لا يوافقها) أي لا يصادفها ( عبد مسلم) قصدها أو اتفق له وقوع الدعاء فيها ( وهو قائم) جملة اسمية حالية، ( يصلّي) جملة فعلية حالية.

والجملة الأولى خرجت مخرج الغالب، لأن الغالب في المصلي أن يكون قائمًا، فلا يعمل بمفهومها.
وهو أنه لم يكن قائمًا لا يكون له هذا الحكم:
أو المراد بالصلاة: انتظارها، أو الدعاء.
وبالقيام: الملازمة والمواظبة، لا حقيقة القيام، لأن منتظر الصلاة في حكم الصلاة، كما مر من قول عبد الله بن سلام لأبي هريرة، جمعًا بينه وبين قوله: إنها من العصر إلى الغروب.

ومن ثم، سقط عند أبي مصعب وابن أبي أويس، ومطرف، والتنيسي وقتيبة قوله:
قائم يصلّي ( يسأل الله تعالى) فها ( شيئًا) مما يليق أن يدعو به المسلم، ويسأل فيه ربه تعالى.

ولمسلم من رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة، كالمصنف في الطلاق من رواية ابن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: "يسأل الله خيرًا".

ولابن ماجة.
من حديث أبي أمامة: "ما لم يسأل حرامًا".

ولأحمد من حديث سعد بن عبادة: "ما لم يسأل إثمًا أو قطيعة رحم".
وقطيعة رحم من جملة الإثم، فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به.

( إلاّ أعطاه إياه) ( وأشار) في رواية أبي مصعب عن مالك: وأشار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بيده) الشريفة حال كونه ( يقللها) من التقليل، خلاف الكثير.

وللمصنف من رواية سلمة بن علقمة المذكورة: ووضع أنملته على بطن الوسطى، أو الخنصر، قلنا: يزهدها.
وبيّن أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو: بشر بن الفضل، راوية عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك:
وأنها ساعة لطيفة، تنتقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله: يزهدها، أي: يقللها.

ولمسلم: وهي ساعة خفيفة.

فإن قلت: قد سبق حديث "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة ... إلخ "، ومقتضاه أنها غير خفيفة.

أجيب: بأنه ليس المراد أنها مستغرقة للوقت المذكور، بل المراد أنها لا تخرج عنه، لأنها لحظة خفيفة، كما مر.
وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه، فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلاً، وانتهاؤها وانتهاء الصلاة.

واستشكل حصول الإجابة لكل داع بشرطه، مع اختلاف الزمان باختلاف البلاد والمصلي، فيتقدم بعض على بعض، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف يتفق مع الاختلاف؟
وأجيب: باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصلٍّ، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة.
ولعل هذه فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها، وإن كانت هي خفيفة.
قاله في فتح الباري.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الجمعة.