فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صلاة الخوف

باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
( باب القائلة بعد) صلاة ( الجمعة) أي القيلولة، وهي الاستراحة في الظهيرة، سواء كان معها نوم أم لا.


[ قــ :912 ... غــ : 940 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ".

وبالسند ( قال) : ( حدّثنا محمد بن عقبة) بضم العين وسكون القاف، ابن عبد الله ( الشيباني) ولابن عساكر: الكوفي، ( قال: حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد ( الفزاري) بتخفيف الزاي المعجمة ( عن حميد) بضم الحاء، ابن أبي حميد الطويل البصري ( قال: سمعت أنسًا يقول) ولأبي ذر: عن أنس قال: ( كنا نبكر) من التبكير، وهو الإسراع ( إلى الجمعة) وللأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت، وأبي ذر في نسخة: يوم الجمعة ( ثم نقيل) بعد الصلاة.

ورواته ما بين كوفي ومصيصي وبصري، وشيخه من أفراده، وفيه: التحديث والعنعنة والقول.




[ قــ :913 ... غــ : 941 ]
- حدثنا سعيدُ بنُ أبي مريمَ قال: حدّثنا أبو غَسّانَ قال: حدَّثني أبو حازم عن سَهلٍ
قال: "كنا نُصلِّي معَ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجُمعةَ، ثم تكونُ القائلة".


وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدّثنا أبو غسان.
قال: حدّثني)
بالإفراد ( أبو حازم، عن سهل) ولأبي ذر: عن سهل بن سعد ( قال: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة، ثم تكون القائلة) أي: القيلولة.

وهذا الحديث مرّ قريبًا.




باب صَلاَةِ الْخَوْفِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 101 - 10] .

بسم الله الرحمن الرحيم ( باب صلاة الخوف) أي كيفيتها من حيث أنه يحتمل في الصلاة عنده، ما لا يحتمل فيها عند غيره.

وقد جاءت في كيفيتها سبعة عشر نوعًا، لكن يمكن تداخلها.
ومن ثم قال في زاد المعاد: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا من فعله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وإنما هو من اختلاف الرواة.
قال في فتح الباري: وهذا هو المعتمد.
اهـ.

والإفراد في باب للأصيلي وكريمة.

وفي رواية أبي ذر، عن المستملي، وأبي الوقت: أبواب، بالجمع.
وسقط للباقين: ( وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه، ولأبوي ذر، والوقت: قال الله تعالى ( { وإذا ضربتم في الأرض} ) سافرتم ( { فليس عليكم جناح} ) إثم ( { أن تقصروا من الصلاة} ) بتنصيف ركعاتها.

ونفي الحرج فيه يدل على جوازه لا على وجوبه، أنه عليه الصلاة والسلام: أتم في السفر.


وأوجبه أبو حنيفة، لقول عمر المروي في النسائي، وابن ماجة، وابن حبان: صلاة السفر ركعتان تام غير قصر، على لسان نبيكم ولقول عائشة، رضي الله عنها، المروي عند الشيخين: أوّل ما فرض الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر.

وأجيب: بأن الأول: مؤول بأنه كالتام في الصحة والإجزاء، والثاني: لا ينفي جواز الزيادة.

لكن أكثر السلف على وجوبه.
وقال كثير منهم هذه الآية في صلاة الخوف.

فالمراد أن تقصروا من جميع الصلوات، بأن تجعلوها ركعة واحدة، أو من كيفيتها، إلا من كميتها، والآية الآتية فيها تبيين وتفصيل لها، كما سيجيء.

وسئل ابن عمر، رضي الله عنهما، إنّا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف، ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال ابن عمر: إنّا وجدنا نبينا يعمل فعملنا به.

وعلى هذا فقوله ( { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ) بالقتال بالتعرض لما يكره، شرط له باعتبار الغالب في ذلك الوقت.
وإذا لم يعتبر مفهومه، فإن الإجماع على جواز القصر في السفر من غير خوف ( { وإن الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا وإذا كنت فيهم} ) أيها الرسول، علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي الأئمة بعده به، عليه الصلاة والسلام ( { فأقمت لهم الصلاة} ) وتمسك بمفهومه من خص صلاة الخوف بحضرته، عليه الصلاة والسلام، وهو أبو يوسف، والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه، وإبراهيم بن علية.
وقالوا: ليس هذا لغيره، لأنها إنما شرعت بخلاف القياس لإحراز فضيلة، الصلاة معه، عليه الصلاة والسلام، وهذا المعنى انعدم بعده.

وأجيب: بأن عامة الفقهاء على أن الله تعالى علم الرسول كيفيتها ليؤتم به، كما مر.
أي: بيّن لهم بفعلك، لكونه أوضح من القول.
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على فعله بعده، عليه الصلاة والسلام، وبقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم.

وادعى المزني نسخها، لتركه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها يوم الخندق.

وأجيب: بتأخر نزولها عنه، لأنها نزلت سنة ست، والخندق كان سنة أربع أو خمس.

( { فلتقم طائفة منهم معك} ) فاجعلهم طائفتين، فلتقم إحداهما معك يصلون، وتقوم الطائفة الأخرى في وجه العدو ( { وليأخذوا أسلحتهم} ) أي: المصلون، حزمًا.
وقيل: الضمير للطائفة الأخرى، وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم ( { فإذا سجدوا} ) يعني: المصلين ( { فليكونوا} ) أي: غير المصلين ( { من ورائكم} ) يحرسونكم، يعني: النبي ومن يصلّي معه، فغلب المخاطب على الغائب، ( { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا} ) لاشتغالهم بالحراسة ( { فليصلوا معك} ) ظاهره أن الإمام يصلّي مرتين، بكل طائفة مرة كما فعله عليه الصلاة والسلام ببطن نخل ( { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} )

جعل الحذر، وهو التحرز والتيقظ، آلة يستعملها المغازي، فجمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ( { ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة} ) بالقتال فلا تغفلوا ( { ولا جناح} ) : لا وزر ( { عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} ) رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض، وهذا يؤيد أن الأمر للوجوب دون الاستحباب ( { خذوا حذركم} ) أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر كي لا يهجم عليهم العدو ( { إن الله أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا} ) [النساء: 101 - 10] وعد للمؤمنين بالنصر، وإشارة إلى أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب في الأمور التيقظ.

وقد ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى آخر قوله: ( { مهينًا} ) كما ترى في رواية كريمة، ولفظ رواية أبي ذر ( { فلتقم طائفة منهم معك} ) إلى قوله: ( { عذابًا مهينًا} ) وله أيضًا، ولابن عساكر، وأبي الوقت: ( { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح} ) إلى قوله: ( { عذابًا مهينًا} ) ولابن عساكر: ( { إن الله أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا} ) وزاد الأصيلي: ( { أن تقصروا من الصلاة} ) إلى قوله: ( { عذابًا مهينًا} ) .


[ قــ :914 ... غــ : 94 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَعْنِي صَلاَةَ الْخَوْفِ- قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ".
[الحديث 94 - أطرافه في: 943، 413، 4133، 4535] .

وبالسند إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال) : شعيب: ( سألته) أي: الزهري.
كذا بإثبات: قال، ملحقة بين الأسطر في فرع اليونينية، وكذا رأيته فيها ملحقًا بين سطورها، مصححًا عليه.

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: ووقع بخط بعض من نسخ الحديث، عن الزهري، قال: سألته.
فأثبت: قال، ظنًّا منه أنها حذفت خطأ على العادة، وهو محتمل.
ويكون حذف فاعل قال، لا أن الزهري هو الذي قال، والمتجه حذفها.
وتكون الجملة حالية، أي: أخبرني الزهري حال سؤالي إياه ( هل صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ يعني صلاة الخوف -قال) أي: الزهري ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر فقال:

( أخبرني سالم) هو: ابن عبد الله بن عمر ( أن) أباه ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب، ( رضي الله عنهما، قال: غزوت مع رسول الله) ولأبي ذر: مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة ( نجد) بأرض غطفان، وهو كل ما ارتفع من بلاد العرب، من تهامة إلى العراق، وكانت الغزوة ذات الرقاع، وأول ما صلّيت صلاة الخوف فيها سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع، وقول الغزالي، رحمه الله في الوسيط، وتبعه الرافعي: إنها آخر الغزوات، ليس بصحيح، وقد أنكر عليه ابن الصلاح في: مشكل الوسيط.
( فوازينا العدو) بالزاي، أي: قابلناهم ( فصاففنا لهم) باللام، ولأبي ذر، عن الكشميهني: فصاففناهم، ( فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي لنا) أي: لأجلنا، أو: بنا، بالموحدة ( فقامت طائفة معه) زاد في غير رواية أبي ذر: تصلي، أي: إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو ( وأقبلت طائفة على العدو، وركع) بالواو، ولأبي ذر عن المستملي، فركع ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن معه، وسجد سجدتين) ثم ثبت قائمًا ( ثم انصرفوا) بالنيّة، وهم في حكم الصلاة عند قيامه، عليه الصلاة والسلام، إلى الثانية منتصبًا، أو عقب رفعه من السجود ( مكان الطائفة التي لم تصل) أي: فقاموا في مكانهم في وجه العدو ( فجاؤوا) أي: الطائفة الأخرى التي كانت تحرس، وهو عليه الصلاة والسلام قائم في الثانية، وهو عليه الصلاة والسلام قارئ منتظر لها، ( فرع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم) عليه الصلاة والسلام ( فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين) ويأتي في المغازي، إن شاء الله تعالى، ما يدل على أنها كانت العصر.

وظاهر قوله: فقام كل واحد منهم ... إلخ.
أنهم أتموا في حالة واحدة.
ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى، والاً فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وهذه الصورة اختارها الحنفية.

واختار الشافعية في كيفيتها: أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية ليسلم بها، كما في حديث صالح بن خوّات، المروي في مسلم، عمن شهد مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الخوف يوم ذات الرقاع: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو فصلّى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصلّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا فأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم: بالطائفة الثانية بعد التشهد.

قال مالك: هذا أحسن ما سمعت في صلاة الخوف، وهو دليل المالكية، غير قوله: ثم ثبت جالسًا.

وإنما اختار الشافعية هذه الكيفية لسلامتها من كثرة المخالفة، ولأنها أحوط لأمر الحرب، فإنها أخف على الفريقين.

ويكره كون الفرقة المصلية معه، والتي في وجه العدو أقل من ثلاثة، لقوله تعالى: { وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائهم} مع قوله: { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك
وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}
فذكروهم بلفظ الجمع.
وأقله ثلاثة: فأقل الطائفة هنا ثلاثة، وهذا النوع بكيفيتيه حيث يكون العدوّ في غير القبلة، أو فيها لكن حال دونهم حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا.

ويجوز للإمام أن يصلّي مرتين، كل مرة بفرقة، فتكون الثانية نافلة.
وهذه صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببطن نخل، رواها الشيخان، لكن الأولى أفضل من هذه لأنها أعدل بين الطائفتين، ولسلامتها عمّا في هذه من اقتداء المفترض بالمتنفل المختلف فيه.

وتتأتى في تلك الصلاة الجمعة، بشرط أن يخطب بجميعهم، ثم يفرقهم فرقتين، أو يخطب ثم يجعل منها مع كل من الفرقتين أربعين: فلو خطب بفرقة وصلّى بأخرى لم يجز، وكذا لو نقصت الثانية فطريقان، أصحهما: ألا يضرّ للحاجة والمسامحة في صلاة الخوف.
ذكره في المجموع وغيره.

وأما إن كانوا في جهة القبلة، فيأتي قريبًا في باب: يحرس بعضهم بعضًا، إن شاء الله تعالى.

فإن كانت الصلاة رباعية، وهم في الحضر، أو في السفر وأتموا صلّى بكل من الفرقتين ركعتين، وتشهد بهما.
وانتظر الثانية في جلوس التشهد، أو قيام الثالثة، وهو أفضل.
لأنه محل التطويل، بخلاف جلوس التشهد الأول.

وإن كانت مغربًا، فيصلّي بفرقة ركعتين، وبالثانية ركعة، وهو أفضل من عكسه، لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أول الثانية، وينتظر الثانية في الركعة الثالثة، أي: في القيام لها.

وهذا كله إذا لم يشتد الخوف.
أما إذا اشتد فيأتي حكمه في الباب التالي إن شاء الله تعالى.

ورواة هذا الحديث الأربعة: حمصيان ومدنيان، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي، ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي.