فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التكبير والغلس بالصبح، والصلاة عند الإغارة والحرب

باب التَّبْكِيرِ وَالْغَلَسِ بِالصُّبْحِ، وَالصَّلاَةِ عِنْدَ الإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ
( باب التبكير) .
بالموحدة قبل الكاف وبعد المثناة.
كذا في رواية أبي ذر، عن الكشميهني، من: بكر، إذا أسرع وبادر، ولأبي ذر أيضًا، والأصيلي وأبي الوقت، عن الحموي، والمستملي: التكبير، بالموحدة بعد الكاف، أي قول: الله أكبر ( والغلس) بفتح الغين المعجمة واللام، الظلمة آخر الليل، أي: التغليس ( بالصبح والصلاة) والتكبير ( عند الإغارة) بكسر الهمزة، أي الهجوم على العدوّ غفلة ( و) عند ( الحرب) .


[ قــ :919 ... غــ : 947 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ -قَالَ: وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ- فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا".
فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا.
فَتَبَسَّمَ.

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا حماد) ولأبي ذر: حماد بن زيد ( عن عبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني) بموحدة مضمومة ونونين بينهما ألف وآخره ياء النسب، كلاهما ( عن أنس بن مالك) سقط من رواية ابن عساكر: ابن مالك ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى الصبح) عند خيبر ( بغلس) أي: في أوّل وقتها، على عادته الشريفة، أو لأجل مبادرته إلى الركوب، ( ثم ركب فقال) لما أشرف على خيبر:
( الله أكبر: خربت خيبر) ثقة بوعد الله تعالى، حيث يقول: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ( 171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ( 172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173] { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] .
فلما نزل جند الله بخيبر مع الصباح لزم الإيمان بالنصر وفاء بالعهد، ويبين هذا قوله: ( إنّا إذا نزلنا بساحة قوم) أي: بفنائهم ( فساء صباح المنذرين) أي: فبئس صباح المنذرين صباحهم، فكأن ذلك تنبيهًا على مصداق الوعد بمجموع الأوصاف.

( فخرجوا) أي: أهل خيبر، حال كونهم ( يسعون في السكك) بكسر السين، جمع سكة، أي: في أزقة خيبر ( ويقولون) : جاء أو: هذا ( محمد والخميس) برفع الخميس، عطفًا على سابقه، ونصبه على المفعول معه.

( قال: والخميس) هو: ( الجيش) لانقسامه إلى خمسة: ميمنة وميسرة وقلب ومقدمة وساقة.


( فظهر عليهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقتل) النفوس ( المقاتلة) بكسر المثناة الفوقية، أي: وهي الرجال
( وسبى الذراري) بالذال المعجمة وتشديد الياء وتخفيفها، كالعواري، جمع: ذرية، وهي: الولد.

والمراد بالذراري: غير المقاتلة ( فصارت صفية) بنت حيي، سيد بني قريظة والنضير ( لدحية الكلبي) أعطاها له عليه الصلاة والسلام قبل القسمة، لأن له صفيّ المغنم يعطيه لمن يشاء ( وصارت) أي: فصارت، أو: ثم صارت بعده ( لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) استرجعها منه برضاه، أو اشتراها منه، لما جاء: أنه أعطاه عنها سبعة أرؤس، أو: أنه إنما كان أذن له في جارية من حشوا السبي، لا من أفضلهن، فلما رآه أخذ أنفسهن نسبًا وشرفًا وجمالاً استرجعها، لأنه لم يأذن له فيها، ورآى أن في إبقائها مفسدة لتميّزه بها على سائر الجيش، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق، فكان أخذها لنفسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاطعًا لهذه المفاسد، ( ثم تزوّجها) عليه الصلاة والسلام ( وجعل صداقها عتقها) لأن عتقها كان عندها أعز من الأموال الكثيرة، ولأبي ذر: عتقتها، بزيادة مثناة فوقية بعد القاف.

( فقال عبد العزيز) بن صهيب المذكور ( الثابت) البناني: ( يا أبا محمد! أنت) بحذف همزة الاستفهام في الفرع واصله، وفي بعض الأصول: أنت، بإثباتها ( سألت أنا) ، ولأبي ذر: أنس بن مالك: ( وما أمهرها) ؟ أي: ما أصدقها؟ ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ما مهرها؟ بحذف الألف.
وصوّبه القطب الحلبي، وهما لغتان.

( قال أمهرها نفسها) بالنصب، أي أعتقها وتزوجها بلا مهر، وهو من خصائصه، ( فتبسم) .

وموضع الترجمة قوله: صلّى الصبح بغلس، ثم ركب فقال: الله أكبر.
وفيه أن التكبير يشرع عند كل أمر مهول، وعندما يسرّ به من ذلك إظهارًا لدين الله تعالى، وظهور أمره، وتنزيهًا له تعالى عن كل ما نسبه إليه أعداؤه، ولا سيما اليهود، قبّحهم الله تعالى.

وقد تقدم هذا الحديث في باب: ما يذكر في الفخذ، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في: المغازي، والنكاح.


بسم الله الرحمن الرحيم
ثبتت البسملة هنا لغير أبي ذر عن المستملي كما قال في الفتح، ولغير ابن عساكر في الفرع وأصله.