فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب سنة العيدين لأهل الإسلام

باب سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ
وللأكثرين، وعزاه في الفرع لرواية أبي ذر، عن الكشميهني والمستملي، ( باب سُنّة العيدين لأهل الإسلام) وعليه اقتصر الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم.

وقيد بأهل الإسلام إشارة إلى أن سُنّة أهل الإسلام في العيد خلاف ما يفعله غير أهل الإسلام في أعيادهم.


[ قــ :922 ... غــ : 951 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا».
[الحديث 951 - أطرافه في: 955، 965، 968، 976، 983، 5545، 5556، 5557، 5560، 5563، 6673] .

وبالسند قال: ( حدَّثنا حجاج) هو: ابن منهال السلمي البصري ( قال: حدَّثنا شعبة) ابن الحجاج ( قال: أخبرني) بالإفراد ( زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة، ابن الحرث اليامي الكوفي ( قال: سمعت الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة، عامر بن شراحيل ( عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يخطب فقال) :
( إن أول ما نبدأ به من) ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي، في ( يومنا هذا) يوم عيد النحر ( أن نصلي) صلاة العيد.

أي أوّل ما يكون الابتداء به في هذا اليوم الصلاة التي بدأنا بها، فعبّر بالمستقبل عن الماضي.


وفي رواية محمد بن طلحة، عن زبيد، الآتية إن شاء الله تعالى في هذا الحديث بعينه، خرج عليه الصلاة والسلام يوم أضحى، إلى البقيع، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه الشريف وقال: "إن أوّل نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر".

وأوّل عيد صلاّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة.

وقد اختلف في حكم صلاة العيد بعد إجماع الأمة على مشروعيتها.

فقال أبو حنيفة، رحمه الله: واجبة على الأعيان.

وقال المالكية والشافعية: سُنّة مؤكدة.

وقال أحمد وجماعة: فرض على الكفاية.

واستدل الأوّلون بمواظبته عليه الصلاة والسلام عليها من غير ترك.

واستدلّ إلا المالكية والشافعية بحديث الأعرابي في الصحيحين: هل عليّ غيرها؟ قال: "لا إلاّ أن تطوّع".
وحديث: "خمس صلوات كتبهنّ الله في اليوم والليلة".
وحملوا ما نقله المزني عن الشافعي: أن من وجب عليه الجمعة وجب عليه حضور العيدين، على التأكيد، فلا إثم ولا قتال بتركها.

واستدلّ الحنابلة بقوله تعالى: { فصل لربك وانحر} وهو يدل على الوجوب.

وحديث الأعرابي يدل على: أنها لا تجب على كل أحد، فتعين أن تكون فرضًا على الكفاية.

وأجيب: بأنا لا نسلّم أن المراد بقوله: فصلّ صلاة العيد، سلّمنا ذلك، لكن ظاهره يقتضي وجوب النحر، وأنتم لا تقولون به، سلّمنا أن المراد من النحر ما هو أعمّ، لكن وجوبه خاصّ به، فيختص وجوب صلاة العيد به، سلّمنا الكل، وهو أن الأمر الأوّل غير خاصّ به، والأمر الثاني خاصّ.
لكن لا نسلّم أن الأمر للوجوب.
فنحمله على الندب جمعًا بينه وبين الأحاديث الأُخَر، سلّمنا جميع ذلك، لكن صيغة: صلِّ، خاصة به، فإن حملت عليه وأمتّه وجب إدخال الجميع، فلما دلّ الدليل على إخراج بعضهم؛ كما زعمتم، كان ذلك قادحًا في القياس، قاله البساطي.

( ثم نرجع) بالنصب عطفًا على نصلي، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: نحن نرجع ( فننحر) بالنصب ( فمن فعل) بأن ابتداء بالصلاة، ثم رجع فنحر ( فقد أصاب سُنّتنا) .

قال الزين بن المنير، فيه إشعار بأن صلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم، وإن ما سواها من الخطبة والنحر وغير ذلك من أعمال البرّ يوم العيد، فبطريق التبع، وهذا القدر مشترك بين العيدين، وبذلك تحصل المناسبة بين الحديث والترجمة من حيث أنه قال فيها: العيدين، بالتثنية، مع أنه لا يتعلق إلا بعيد النحر.


ورواة الحديث، الأوّل: بصري، والثاني: واسطي، والثالث والرابع: كوفيان، وأخرجه المؤلّف في العيدين أيضًا، وفي الأضاحي، والإيمان والنذور، ومسلم في الذبائح، وأبو داود في الأضاحي، وكذا الترمذي.
وأخرجه النسائي في الصلاة، والأضاحي.




[ قــ :93 ... غــ : 95 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: [دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»]
.

وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي الكوفي ( قال: حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة، حماد بن أسامة ( عن هشام) هو: ابن عروة ( عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل) عليّ ( أبو بكر) رضي الله عنه ( وعندي جاريتان من جواري الأنصار) إحداهما: لحسان بن ثابت، أو كلاهما لعبد الله بن سلام، واسم إحداهما: حمامة كما مر، ويحتمل أن تكون الثانية اسمها: زينب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في النكاح، ( تغنيان) ولمسلم في رواية هشام أيضًا: بدف، وللنسائي: بدفين، ويقال له أيضًا: الكربال، بكسر الكاف، وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر، ( بما) ولأبوي ذر والوقت، عن الكشميهني: مما بميمين ( تقاولت الأنصار) أي: بما قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء وللمصنف في الهجرة: بما تعازفت، بعين مهملة وزاي، وفي رواية: تقاذفت، بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض ( يوم بعاث) بضم الموحدة، حصن للأوس، أو موضع في ديار بني قريظة فيه أموالهم.

( قالت) عائشة: ( وليستا) أي: الجاريتان ( بمغنيتين) نفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على: رفع الصوت، وعلى الترنم، وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنيًا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسر، وتهييج وتشويق، بما فيه تعريض بالفواحش، أو تصريح بما يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا لا يختلف في تحريمه.

ومباحث هذه المادة تأتي إن شاء الله تعالى في: كتاب الأشربة، عند الكلام على: حديث المعازف.

( فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان) بالرفع على الابتداء، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر: أبمزامير، أي: أتشتغلون بمزامير الشيطان ( في بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وذلك في يوم عيد.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
:
( يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدًا، وهذا) اليوم ( عيدنا) ، وإظهار السرور فيه من شعائر الدين.


واستدلّ به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء، ولو لم تكن مملوكة، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر على
أبي بكر سماعه، بل أنكر إنكاره.
ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك.