فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم

باب مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلاَحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ عِيدٍ، إِلاَّ أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا.

( باب ما يكره من حمل السلاح في العيد و) أرض ( الحرم) بطرًا وأشرًا من غير أن يتحفظ، حال حمله وتجريده، من إصابة أحد من الناس، لا سيما عند المزاحمة والمسالك الضيقة.

وهذا بخلاف ما ترجم له فيما سبق من: لعب الحبشة بالحراب والدرق يوم العيد للتدريب والإدمان لأجل الجهاد مع الأمن من الإيذاء.

( وقال الحسن) البصري: ( نهوا) بضم النون والهاء.

أصله: نهيوا، استثقلوا الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين.

( أن يحملوا السلاح يوم عيد) خوفًا أن يصل الإيذاء لأحد و: عيد، بالتنكير، وللأصيلي، وأبي الوقت، وأبي ذر، في نسخة، يوم العيد.
( إلاّ أن يخافوا عدوًّا) فيباح حمله للضرورة.

وقد روى ابن ماجة، بإسناد ضعيف عن ابن عباس: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام إلا أن يكونوا بحضرة العدوّ.

وروى مسلم عن جابر: نهى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يحمل السلاح بمكة.


[ قــ :937 ... غــ : 966 ]
- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا.
وَذَلِكَ بِمِنًى -فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ.
فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي.
قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الْحَرَمَ، وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ".
[الحديث 966 - طرفه في: 967] .

وبالسند قال: ( حدّثنا زكريا بن يحيى) الطائي الكوفي، كنيته ( أبو السكين) بضم المهملة وفتح الكاف، مصغرًا ( قال: حدّثنا المحاربي) بضم الميم وبالمهملة وبعد الألف والراء المكسورة موحدة،

عبد الرحمن بن محمد، لا ابنه عبد الرحيم ( قال: حدّثنا محمد بن سوقة) بضم المهملة وسكون الواو وفتح القاف التابعي الصغير الكوفي ( عن سعيد بن جبير قال) :
( كنت مع ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه) بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم ثمّ صاد مهملة، ما دخل من القدم، فلم يصب الأرض عند المشي، ( فلزقت) بكسر الزاي ( قدمه بالركاب، فنزلت فنزعتها) .

أنّث الضمير مع عوده إلى السنان المذكر، إما باعتبار إرادة الحديدة، أو السلاح لأنه مؤنث، أو: هو راجع إلى القدم، فيكون من باب القلب، كما في: أدخلت الخفّ في الرِجل.

( وذلك) أي: وقوع الإصابة ( بمنى) بعد قتل عبد الله بن الزبير بسنة.

( فبلغ الحجاج) بن يوسف الثقفي، وكان إذ ذاك أميرًا على الحجاز ( فجعل يعوده) .

جعلَ من أفعال المقاربة الموضوعة للشروع في العمل، ويعوده خبره، ولأبي ذر، وابن عساكر: عن المستملي: فجاء يعوده.
والجملة حالية.

( فقال الحجاج) له: ( لو نعلم من أصابك) عاقبناه، ولأبي الوقت، عن الحموي والمستملي، كما في الفرع: وقال العيني، كالحافظ ابن حجر، ولأبي ذر، بدل: أبي الوقت: ما أصابك.
( فقال ابن عمر) للحجاج: ( أنت أصبتني) نسب الفعل إليه لأنه أمر رجلاً معه حربة يقال: إنها كانت مسمومة، فلصق ذلك الرجل به، فأمرّ الحربة على قدمه، فمرض منها أيامًا ثم مات.
وذلك في سنة أربع وسبعين.

وكان سبب ذلك أن عبد الملك كتب إلى الحجاج: أن لا تخالف ابن عمر، فشقّ عليه ذلك، وأمر ذلك الرجل بما ذكر.
حكاه الزبيري في الأنساب.

وفي كتاب الصريفيني: لما أنكر عبد الله على الحجاج نصب المنجنيق، يعني: على الكعبة، وقتل عبد الله بن الزبير، أمر الحجاج بقتله، فضربه رجل من أهل الشام ضربة، فلما أتاه الحجاج يعوده قال له عبد الله: تقتلني ثم تعودني؟ كفى الله حكمًا بيني وبينك.
فصرّح أنه أمر بقتله، وأنه قاتله، بخلاف ما حكاه الزبيري فإنه غير صريح.

( قال) الحجاج: ( وكيف) أصبتك؟ ( قال) ابن عمر له: ( حملت السلاح) أي: أمرت بحمله ( في يوم لم يكن يحمل فيه) السلاح، وهو يوم العيد ( وأدخلت السلاح الحرم) المكي، ولأبوي ذر، والوقت: في الحرم ( ولم يكن السلاح يدخل الحرم) بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول.

أي فخالفت السُّنّة في الزمان والمكان، وفيه: أن قول الصحابي: كان يفعل كذا، مبنيًّا للمفعول له حكم الرفع.


ورواة هذا الحديث كوفيون، وفيه تابعي عن تابعي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، وأخرجه أيضًا: في العيدين.




[ قــ :938 ... غــ : 967 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ.
فَقَالَ: مَنْ أَصَابَكَ؟ قَالَ: أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلاَحِ فِي يَوْمٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ" يَعْنِي الْحَجَّاجَ".

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يعقوب) المسعودي الكوفي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي) بفتح عين عمرو وسكون ميمه، وكسر عين سعيد، كلاهما الأموي القرشي ( عن أبيه) سعيد المذكور ( قال) :
( دخل الحجاج) بن يوسف ( على ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما ( وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح.
فقال)
أي: الحجاج، ولأبي ذر: قال: ( من أصابك؟ قال) ابن عمر: ( أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحلّ فيه حمله) وهو يوم العيد.
( يعني) ابن عمر: ( الحجاج) .
نصب على المفعولية.

وزاد الإسماعيلي في هذه الطريق: قال: لو عرفناه لعاقبناه.

قال: وذلك لأن الناس نفروا عشية، ورجل من أصحاب الحجاج عارض حربته، فضرب ظهر قدم ابن عمر، فأصبح وهنًا منها، ثم مات.

فإن قلت: هذه الرواية فيها تعريض بالحجاج حيث قال: أصابني من أمر، ورواية سعيد بن جبير المتقدمة مصرّحة بأنه الذي فعل ذلك، حيث قال: أنت أصبتني.

أجيب: باحتمال تعدّد الواقعة، أو السؤال، فلعله عرّض به أولاً، فلما أعاد عليه صرّح.